القاهرة 28 يونيو 2011 الساعة 11:38 ص
بقلم : سمير الجمل
صحيح أن النظام السابق كان يقف بشكل أو بآخر وراء مسلسل وحيد وفي محاولة للتمويه تم تكليف المنتج كامل أبوعلي بتنفيذه ثم نجد علي التترات أن المشرف علي الإنتاج هو الكاتب وحيد، الأمر الذي يتم تفسيره فنيا بأن هو المنتج المنفذ للمسلسل بشكل حقيقي. وبعيدا عن كل هذا يأتي الإعلان عن فيلم ومسلسل «الإخوان» في هذا التوقيت للتأكيد علي عدم رفضهم للفنون والآداب بعد أن أبدى العدد الكبير من أهل الفن تخوفهم من وصول «الإخوان» إلى مقاعد السلطة وجاء هذا الرد الإخواني ليضرب أكثر من عصفور بحجر وحقيقة الأمر أنهم ضربوا أنفسهم.. وأسبابي في هذا أن الفن يعني الانفتاح علي جميع الموضوعات.. واقتصار الأمر علي سرد حياة الشيخ الإمام.. يتحول من فن إلي رسالة إعلامية سياسية دينية تأخذ القالب الدرامي متكأ لها.. خاصة أن حياة «البنا» مع احترامي وتقديري له ليست بالأهم من رسالة الإخوان كمسلمين يحاولون دخول ساحة السياسة من باب التسامح وقبول الآخر.. وعلي سبيل المثال أيهما أكثر تأثيرا.. محمد «صلي الله عليه وسلم».. أم الشيخ البنا؟.. وأيهما يفيد الإخوان وهم يطرقون أبواب الفن.. الفيم الذي يتحدث عن أخلاق وتسامح الإسلام بشكل معاصر وجذاب أم حشد كل الطاقات نحو هدف واحد هو تمجيد الشيخ البنا بشكل مبالغ فيه قد يأتي بنتائج عكسية.. وفي تراث الإخوان الأدبي كتاب بديع للشيخ سيد قطب عن التصوير الفني في القرآن كنت أتمني لو أن قيادات الإخوان عادوا إليه وتمهلوا قليلا وقدموا أوراقهم في دنيا الفن برسالة كبري في التسامح وما أكثر القصص والحكايات في تاريخنا الإسلامي وفتوحات جيوشنا لأن التركيز علي قصة الشيخ الإمام حتي وإن اختلفوا مع ما قدمه وحيد حامد في عمله البديع.. كان يجب الانتظار قليلا خاصة أن الجماهير استقبلت «الجماعة» بترحاب وجاء العمل علي مستوي جيد مع حق الاختلاف حول ما جاء في المسلسل وهو أمر طبيعي للإخواني أو غيره من الاتجاهات. وهنا أتوقف مع ما صرح به الفنان السوري الكبير رشيد عساف المرشح لأداء دور الإمام في المسلسل والفيلم.. فقد جري الاتصال به قبل أسبوع واحد من المؤتمر الصحفي عن طريق شركة كويتية.. وقد قال إنه قرأ خلال هذه الفترة القصيرة كل ما وصل إلي يده عن الإمام البنا وشاهد فيلما تسجيليا عن اغتياله ولما أبدي موافقة أولية أرسلوا إليه بدراسة عن الشيخ لكن لم يكن قد قرأ السيناريو كاملا وكل ما يهمه حسب تعبيره الجانب الشخصي.. بعيدا عن رسالة الإخوان وهو قول غير منطقي لأن الإخوان لن يقدموا الفيلم والمسلسل لمجرد استعراض قصة حياة الشيخ.. وهو ما قدمه وحيد حامد في مسلسله وقد فعلها بأسلوب تجلت فيه خبرته ومهارته بشكل واضح.. وهذه الحقائق عن الحياة والعائلة لا أظن أن المسلسل الإخواني سوف يختلف فيها.. إلا إذا كان هناك «شيخ آخر» غير الذي نعرفه ويعرفه الجميع.. وقد أجاد «إياد نصار» بشكل لافت ظاهريا وداخليا في تقديم الشخصية ومع ذلك فإن الإخوان وغيرهم لهم كل الحق في إعادة تقديم الشخصية كما يريدون لكن أليس غريبا أن يكون موضوع الفيلم هو ذاته قصة المسلسل الأمر الذي يحول المسألة إلي تضارب وتنافر.. وكان يكفي تقديم الفيلم عن الشيخ لأن زمنه يسمح بتناول قصة من زاوية جديدة.. وأن يطل المسلسل علينا بموضوع مختلف.. وقد رأينا كيف وقع التضارب مع شخصية جمال عبدالناصر عندما قدمها محمد فاضل ومحفوظ عبدالرحمن في الفيلم المتميز «ناصر 56» ثم جاء السوري أنور القوادري وقدم فيلمه الآخر عن جمال عبدالناصر.. ولم يحقق النجاح المنشود لكنه للأمانة كان جرئيا وسباقا في اختيار بعيد النظر للفنان خالد الصاوي الموهوب لتقديم الدور ثم بعد سنوات قدم لنا الكاتب يسري الجندي مسلسل «ناصر» ورغم الخوض في تفاصيل جديدة لم يقدمها أي من الفيلمين.. لكن المسلسل لم يستطع أن يحقق النجاح الجماهيري المنتظر رغم الشعبية الجارفة التي يتمتع بها جمال عبدالناصر في الشارعين المصري والعربي حتي وقتنا هذا.. وظل فيلم «ناصر 56» هو العمل الأفضل. وكلنا يذكر كيف واجه مسلسل «الجماعة» صعوبات في التسويق.. لكن الهدف من العمل والجهات التي قامت بالتمويل كانت تنظر إليه كرسالة.. وهو نفس الشيء هنا.. لأن منهج الإخوان وإن لاقي القبول عند البعض في عواصم عربية.. يواجه أيضا بمن يختلف معهم إلي درجة الخوف منهم.. إلي حد المبالغة وكل من حضر المؤتمر الصحفي سواء من جانب الشركة المنتجة أو من جماعة الإخوان أو من الطاقم الفني للعمل.. رفضوا الكلام عن مسلسل «الجماعة».. واتفقوا علي أن فيلمهم ومسلسلهم لا يعنيان تقديس الشيخ البنا.. لكن تقديره وتقديمه بما يليق برسالته الدعوية في تأسيس واحدة من كبريات الحركات الإسلامية علي مستوي العالم وهو ما وصفته الشركة المنتجة بأن العملين هما تشريف لها وللدراما.. وليس للشيخ نفسه.. وهذا القول يعطي المزيد من القدسية لشخصية مهما كان أثرها وقيمتها.. قابلة للنقاش والجدل وفيها من العيوب البشرية بقدر ما تتمتع به من مزايا خاصة وهي بالتأكيد موجودة عند «البنا».. وقد قالوا إن الشركة رصدت 5 ملايين دولار للفيلم والمسلسل وهي ميزانية قابلة للزيادة ولعل أغرب ما قيل عن جماعة الإخوان ليس لها علاقة مباشرة ولن تتدخل في المشروع نهائيا.. فهل يعقل أن تصرف شركة كل هذا المبلغ وهي تعرف مقدما أنها مغامرة إنتاجية وفنية بكل المقاييس.. بلا عائد وبلا هدف؟! والأغرب أن يتم ترشيح الكاتب أيمن سلامة ثم قالت إحدي الصحفيات في المؤتمر أنه لا يعرف شيئا عن هذا الترشيح وكان الرد أنه يعرف ويعمل في المسلسل مع آخرين لكن كاتب الفيلم لم يتم اختياره بعد.. وللعلم سلامة لم يحضر المؤتمر والتقط هنا طرف الخيط من لسان محسن راضي منسق المشروع من جانب الإخوان الذي قال إن ثورة 25 يناير هي التي أعطت الأمل في إطلاقه.. والرد المنطقي عليه: ألم يكن من الأفضل الحديث عن دور شباب الإخوان في الثورة أو الحديث عن تحولهم إلي حزب سياسي.. وفي هذا قال أحمد سيف الإسلام نجل الشيخ البنا إن الهدف من الفيلم والمسلسل تقديم رؤية تقدمية عصرية عن جماعة الإخوان وكيف أن قائدها ربط الدنيا بالدين.. وهو كلام أيضا يتناقض مع الإصرار علي تقديم عملين عن شخص واحد.. وهنا أسأل الجميع بكل احترام أيهما أقوي تأثيرا وأثرا.. سيرة الشيخ أم فكر الجماعة المعاصر وتفاعلها مع القوى السياسية المتواجدة حاليا وهو الفكر الذي انطلق من تعليمات ووصايا الشيخ؟! فهل كان من الصعب الجمع بين سيرة الشيخ وما يحدث حاليا من مواجهات ومناقشات وجدال حول فكر وسياسة الإخوان؟! لم يكن صعبا أو مستحيلا فقط.. لكن هذه أسئلة لا يمكن الإجابة عنها من ناحيتي! وأخيرا أسأل هل الإخوان سوف يواصلون دخولهم إلي المجال الفني.. أم أنهم بعد سيرة الإمام سيجمعون أوراقهم وأموالهم من هذا الطريق إلي هذا الحد لأن سيرة الشيخ تكفي؟!
|