القاهرة 20 ديسمبر 2012 الساعة 03:34 م
يتبارى أغلب المُتعلمين المصريين المحسوبين على الثقافة السائدة فى تشبيه أى حاكم ظالم ب ال بر- عا (= فرعون وفق التعبيرالعبرى) قالوها عن مبارك ومرسى وهوما يؤكد حقيقة تبنيهم للتراث العبرى المعادى للحضارة المصرية + معاداتهم للغة العلم وبالتالى نكون إزاء احتمالين الأول أنهم لم يقرأوا كتابًا واحدًا فى علم المصريات لأنهم لوفعلوا لعلموا أنّ الحاكم كان شديد الحرص على تطبيق قواعد العدالة على الجميع بما فيهم الأسرى. ونظرًا لجهلهم بعلم المصريات وقعوا فى خطأ علمى إذْ أنّ بر- عا (فرعون كما يزعم العبرانيون) معناها البيت الكبير(مثل البيت الأبيض فى أمريكا) الاحتمال الثانى أنهم قرأوا بعض الكتب ومع ذلك يتشبثون بالتراث العبرى المعادى لجدودنا المصريين القدماء. وسواء رجح الاحتمال الأول أوالثانى نكون إزاء ظاهرة لامثيل لها فى تاريخ (المثقفين بحق وحيق) على مستوى العالم، إذْ نجد هؤلاء المثقفين يعتزون بتراثهم ويحترمون جدودهم، بل إنّ الشعب الإيرانى (بفضل مثقفيه) لايزال يُسمى أولاده على أسماء الأكاسرة (داريوش، كورش إلخ) الذين هم من المنظورالدينى (وثنيين) وفق المصطلح غير العلمى، وفى باكستان ينتشراسم (برويز) وسواء فى إيران أوباكستان فإنّ تلك الأسماء لملوك ظهروا قبل الإسلام بآلاف السنين. وليس هناك من تفسيرلهذه الظاهرة غيرتفسيرواحد وهوأنّ المثقفين فى هذين البلدين دافعوا عن خصوصتهم القومية فلم يقعوا فى حفرة (الدونية القومية) التى وقع فيها المُتعلمون المصريون. عشّش داخل أمخاخ المُتعلمين المصريين الذين تبنوا التراث العبرى الاعتقاد غيرالعلمى بأنّ حكام مصرالقديمة اضطهدوا بنى إسرائيل فى حين أنّ بسماتيك الأول ((سمح لليهود أنْ يتدفقوا على مصر، وأنْ يُنشئوا لأنفسهم مستعمرة خاصة بهم، بل وسمح لهم أنْ يُقيموا معبدًا لإلههم (يهوه) بل بفضل تسامح المصريين ورحابة صدورهم عاش اليهود فى مصر)) (د. محمد بيومى مهران- تاريخ الشرق الأدنى القديم- ج3ص325، 384) وبعد هذا التسامح ((انتهتْ الأمورباليهود أنْ نسوا لمصرأنها أطعمتهم وآوتهم من التشرد فردوا لها الجميل نكرانـًا وكانوا عليها للفرس أعوانـًا وفى حاميتها جنودًا)) وكان لابد أنْ تزداد كراهية جدودنا لليهود ((بعد أنْ رأوهم خونة وجواسيس ومثارفتن ودسائس وأذنابًا لأعداء البلاد)) (ص 380) وبالتالى يكون الملك المصرى (أيًا كان اسمه) الذى طردهم (وفق الرواية العبرية) هوأحد الملوك العظام الذي/ الذين يجب أنْ نفتخربهم نحن الأحفاد. ودليلى على الافتراء ماكتبه العبريون أنفسهم إذْ أنّ كل جماعة بنى إسرائيل تتذمرضد موسى وهارون بسبب ((وقال لهما بنوإسرائيل ليتنا متنا بيد الرب فى أرض مصرإذْ كنا جالسين عند قدوراللحم نأكل خبزًا للشبع)) (خروج 16: 2، 3) و((فعاد بنوإسرائيل وبكوا وقالوا من يُطعمنا لحمًا. قد تذكرنا السمك الذى كنا نأكله فى مصرمجانًا والقثاء والبطيخ والكرات والبصل والثوم)) و((إنه كان لنا خيرمصر)) والأكثرشهادة لصالح جدودنا من أعدائهم أنّ بنى إسرائيل قالوا ((أليس خيرًا لنا أنْ نرجع إلى مصر)) (عدد11: 4-6 ،18وعدد14: 3وعدد24، 25) هذا الاعتراف الصريح من بنى إسرائيل بفضل مصرعليهم، يُقابله التناقض الذى امتلأ به تراثهم ضد جدودنا وليس له أى تبريرعلى المستوييْن التاريخى والإنسانى مثل ((إنى أنا الرب وأجعل أرض مصرمقفرة من مجدل إلى أسوان إلى تُخُم كوش وأشتتْ المصريين بين الأمم وأبددهم فى الأراضى.. إلخ)) (حزقيال 8- 16) و((تحوّل كل الماء الذى فى النهردمًا. وكان الدم فى كل أرض مصر)) (خروج7: 19- 22) وكذا التحريض على سرقة شعبنا (خروج خروج3:18- 22) و((كما رأيتم المصريين اليوم لاتعودون ترونهم إلى الأبد . الرب يُقاتل عنكم وأنتم تصمتون)) ((خرج 14: 11- 14) أما إدعاء الظلم على شعبنا ، فلعلّ بردية (شكوى الفلاح الفصيح) أنْ تكون خيردليل على سعة صدرالحاكم الذى انبهربمرافعة الفلاح ضد مديرالمقاطعة. إذْ أصرّالفلاح (خون أنوب) على مقابلة الملك، فقال له فى الشكوى الأولى ((حقق العدل)) وقال فى الثانية ((أليس من الخطأ أنْ ينحرف الميزان؟)) وكان بوسع الملك أنْ يُنهى المسألة ، ولكنه أمرأنْ يُقيم الفلاح فى القصرعدة أيام ليسمع منه المزيد حتى وصلت دفاعاته إلى 9مرافعات وتنتهى البردية (وهى كتابة أدبية لواقعة حقيقية) بأنْ يسترد الفلاح حقوقه كاملة مع التعويض المناسب ومجازاة المُعتدى، أى أنّ الملك لم يأمرباعتقال الفلاح الذى انتقده وهاجمه، ولايفعل هذا إلاّمؤمن بالعدالة. ولعلّ هذا ما جعل ديودورالصقلى أنْ يكتب عن تشكيل المحاكم بتنصيب الأفضل ((من أحسن المدن قضاة عموميين، فكانوا يُنتقون من هليوبولوس وطيبة ومنف عشرة قضاة، ويجتمع هؤلاء الثلاثون وينتخبون من بينهم أفضلهم رئيسًا للقضاة ثم ترسل المدينة قاضيًا آخرليشغل مكانه)) وأنّ النظام القضائى فى مصرالقديمة ((عرف نظام الاستئناف أمام محكمة أعلى)) وأنّ ((القضاء كان مدنيًا ولم يكن دينيًا)) وكتب ماسبيرو((المرأة المصرية من الطبقة الدنيا والمتوسطة أكثراحترامًا واستقلالامن أية امرأة أخرى فى العالم)) وكتب ماكس ميلر((لم يكفل أى شعب قديم أوحديث للمرأة مركزًا قانونيًا مماثلا فى سموه كما كفله لها سكان وادى النيل)) وذكرباتوريه كل الشعوب القديمة، فى الغرب كما فى الشرق، يبدوأنها اجتمعتْ حول فكرة واحدة: أنْ تجعل من المرأة كائنًا أدنى من الناحية القانونية. أما مصرفإنها تعرض لنا منظرًا مختلفًا ففيها المرأة مساوية للرجل من الناحية القانونية لها نفس الحقوق وتـُعامل بنفس الكيفية)) وكانت ذروة العدالة أنّ القانون لم يكن يُفرّق فى العقوبة على أساس الوضع الاجتماعى أوالطبقى للجانى، بمعنى تطبيق مبدأ المساواة التامة على الجميع، لذا ذكر بريستد أنّ الأساس الخلقى اللازم للعدالة كان معدومًا كلية فى بابل وأنّ قانون حمورابى كان ((يقضى فى العدالة حسب المركزالاجتماعى للمذنب أوالمدعى، أما الانعدام التام للفوارق الاجتماعية أمام القانون الذى هومن أرقى مظاهرالحضارة المصرية فلم يكن معروفًا فى بابل)) ونقل بريستد المادة المنصوص عليها فى قانون حمورابى ونصّتْ على (كل العقوبات والأحكام القضائية تـُدرج حسب مراكزالمذنبين أومكانة المتخاصمين الاجتماعية. وهوما يُفسّرالسبب الذى من أجله نعتبرأنّ ما أضافته المدنية البابلية إلى إرثنا الخلقى فى غربى آسيا فى حكم العدم) أما عن القانون المصرى فذكر((إنّ المنزلة الاجتماعية أوالمرتبة العالية لم تعط المصرى أية ميزة فى نظرالقانون. وكان الفرعون يُنبّه على وزيره الأكبر بألاّ يُظهراحترامه للأفراد بصفة كونهم أمراء أومستشارين. فهذا المبدأ كان من صلب دستورالدولة المصرية قديمًا)) وكتب د. إمام عبدالفتاح إمام عن العيوب الخطيرة فى النظام السياسى والاجتماعى فى إثينا (1) لم يكن مفهوم الشعب مُحدّدًا تحديدًا صحيحًا، بل اقتصرالأمرعلى الأثينيين واستبعد الأجانب والعبيد والنساء (2) لم تكن الحرية الشخصية مكفولة (3) حرية الفرد بالمعنى الدقيق (العقيدة والملكية إلخ) لم يكن لها وجود ذلك أنّ الدولة كانت تـُسيطرعلى الأفراد سيطرة تامة، فلابد للفرد أنْ يعتنق دين الدولة. كما أنّ أملاك الفرد وثروته لابد أنْ تكون تحت تصرف الدولة. كما أنّ اليونان فهموا معنى مصطلح الشعب فهمًا قاصرًا فجعلوه يعنى مجموع المواطنين الاثينيين الذكورالأحرارممن بلغوا سن العشرين، وبذلك أخرجوا النساء والمُقيمين والعبيد من مفهوم الشعب. وهذا الفهم القاصرلمصطلح الشعب هوالذى ساد الديمقراطية الرومانية، فكان المواطن الرومانى الحرالذكرهو وحده الذى يحق له الاشتراك فى شئون الدولة السياسية. واستطاعتْ الإمبراطورية الرومانية أنْ تـُخضع لسيطرتها الجزء الأكبرمن العالم المعروف وقتئذ وأنْ تـُحوّل أسرى الحرب إلى عبيد بل وتـُحوّل أعدادًا غفيرة من أبناء الشعوب المهزومة إلى عبيد. وكانت النتيجة أنْ بلغ عدد العبيد فى روما عام 24ق.م نحو20مليون نسمة مقابل 214ألف نسمة فقط من المواطنين الأحرار. وفى اليونان تم عرض الفيلسوف أفلاطون للبيع فى سوق العبيد فى عهد الطاغية ديونسيوس لولا أنْ تعرّف عليه أحد تلامذته فاشتراه وأعتقه)) ولذا رأى الفقيه الفرنسى بارتلمى فى كتابه (القانون الدستورى) أنّ عدد العبيد بلغ فى مدينة أثينا 200ألف فى حين أنّ عدد المواطنين (الأحرار) لم يكن يزيد على 20ألفا أى أنّ عدد العبيد بلغ عشرة أمثال عدد المواطنين (الأحرار) (الديمقراطية والوعى السياسى- نهضة مصر- أكثرمن صفحة) ذاك ماكان فى اليونان وروما، ولعنا نتذكر نيرون الذى أحرق روما ، وكل الطغاة من هولاكو إلى أبى جعفرالمنصور((أول من أحدث تقبيل الأرض بين يديه)) إلى هتلر، فلماذا يتوقف المُتعلمون المصريون عند رمزهم القومى (فرعون) لوصفه بالطغيان ، هل هو فقر قاموسهم المعرفى؟ أم هى الدونية القومية؟ وفى كل الأحوال فإنهم لن يتخلصوا من هاتيْن الآفتيْن إلاّبعد تخلصهم من ولعهم بالتراث العبرى الذى يتنفسون سمومه المعادية لحضارتنا المصرية التى كتبتْ عنها العالمة نوبلكورفى كتابها (المرأة الفرعونية) ((تروى لنا بعض الآثار روايات عجيبة تـُبرهن على المواهب الرفيعة التى تمتع بها المصريون القدماء، ذلك الشعب الذى أبدع حضارة متقدمة فى ذات الوقت الذى كان جدودنا فى أوروبا قابعين فى ظلمات الكهوف)) .
|