القاهرة 17 ديسمبر 2024 الساعة 11:02 ص
حوار: سماح عبد السلام
أكد الكاتب الدكتور زين عبد الهادى، رئيس دار الكتب الأسبق على أن روايته "الحرب في الشرق" ليست جزءًا ثانيًا من "دماء أبوللو" والتى طرحها قبل عدة سنوات حتى وإن حلت مدينته الأثيرة بورسعيد كبطل أو ثيمة للحدث، لافتًا إلى كتابته لجزء ثان للحرب فى الشرق بعنوان "سماء ضيقة" حيث إن هذه الحالة بما تتضمنه من أحداث متباينة تنتج إبداعًا لا حدود له.
مجلة "مصر المحروسة"التقته فى الحوار التالى للحديث عن تجربته الإبداعية، وكذلك تخصصه بعلم المكتبات لما له من باع طويل فى هذا المجال كأحد الذين قدموا إسهامات فى تطبيقات التكنولوجيا بمجال المكتبات والمعلومات.. فإلى نص الحوار
-
صرحت بأن "مصر تعد من أهم 15 دولة على مستوى العالم في مجال المكتبات. هل لك أن تضعنا على الصورة الراهنة بشكل أكبر وخاصة مع تطور التقنيات والتكنولوجيا فى هذا المجال؟
نعم ، مصر لديها حوالي 35 ألف مكتبة، وهذا ليسحديثىولكنه حديث الاتحاد الدولي لمؤسسات المكتبات والمعلومات (الإفلا)ولها ثلاثة مكتبات ضخمة يقف على رأسها مكتبة الإسكندرية، ودار الكتب والوثائق(المكتبة الوطنية والأرشيف الوطني المصري) وأيضا مكتبة العاصمة الإدارية الجديدة وهي أقرب لمكتبة وطنية متخصصة في الفنون والثقافة بمعماريتها ومجموعاتها الرقمية، وكذلك هناك عدد كبير من أقسام المكتبات سواء في كليات الآداب أو كليات التربية في الجامعات الحكومية المصرية وأقسام المكتبات في كليات اللغة العربية بجامعة الأزهر، وكما ترين فدراسات المكتبات متقدمة للغاية في مصر، حتى إن تصنيف جامعة القاهرة العالمي كان واحدا من أسباب ارتفاعهالدراسات المنشورة لأعضاء هيئة تدريس المكتبات والمعلومات بجامعة القاهرة، وهذا أمر يحسب لدراسات علم المكتبات والمعلومات في مصر والذي يقف على رأسه الأساتذة من العمالقة الدكتور فتحي عبد الهادي، الدكتور عبد الستار الحلوجي، الدكتورة سلوى ميلاد، الدكتور عماد أبو غازي وزير الثقافة الأسبقأطال الله في أعمارهم.
-
يلعب المكان والزمان دورًا رئيسيًا فى كتابتك.. فماذا يمثلان لك؟
تؤثر انتقالاتي على المكان والزمان في أعمالي. فبين القاهرة وبورسعيد والكويت ولندن ونيويورك وروما وداكار وجوهانسبرج وملبورن أعيش منذ نصف قرن تقريبا، مررت بحقب الخمسينيات والستينيات والسبعينيات وحتى الألفية الجديدة، وكما قلت وأقول دائمًا الرواية مصدر مهم للمعلومات التي لايمكن أن نجدها في كتاب علمي، خاصة روايات المصريين بشكل عام لأنها تشكل الموزاييك الأدبي والاجتماعي والسياسي والفردي للحياة المصرية.
-
"الحرب في الشرق" تتناول مآسي الطفولة والعلاقة بين القاهرة وبورسعيد..
-
فهل يمكن أن نعتبر رواية "الحرب فى الشرق" عوضًا عن الجزء الثانى من رواية "دماء أبوللو"عن مدينتك بورسعيد .. حيث صرحت سابقًا برغبتك فى كتابته ولكنه لم يحدث؟
الحقيقة لا.. (دماء أبوللو) ليست الجزء الأول ولا الثاني من (الحرب في الشرق)، دماء أبوللو تتحدث عن حالة نادرة من الخيال الإنساني في بورسعيد وخاصة العلاقة مع الآخر اليوناني والفرنسي وغيرهم، أما الحرب في الشرق فهي تتحدث عن أهم مآسي الطفولة والعلاقة بين القاهرة وبورسعيدـ الجزء الثاني، عنوانه (سماء ضيقة) وربما يصدر عام 2025 لأني قطعت مرحلة كبيرة به، الأمر الآخر والمؤسف أنني كاتب شديد المزاجية، وتعطلني كثيرًا الأحداث العالمية وانتماءاتي العلمية التي أيضا أحاول إرضاءها.
-
لم اشتملت الرواية على عدد من التناقضات والمفارقات؟
إذا كنت تقصدين "الحرب فى الشرق"، فالتناقضات والمفارقات هي التي تحدد البيئة العامة للأحداث، لقد مر عام 1967 ككابوس بعد سنوات من الثورة والأحلام، انهيار العالم، والذي التقطت مؤشراته الإنسانية أما مؤشراته السياسية فقد كتب الكثيرون عنها، كانت المؤشرات الإنسانية كثيرة ومتعددة، فها هي سكان محافظات بأكملها يتركون مدنهم وقراهم بسبب طائر الموت الذي يحلق فوق رؤوسهم، وهي المرة الثالثة أو الرابعة التي يحدث فيها ذلك لمدن القناة، حالة من عدم الاستقرار المستمرة،هذه الحالة تنتج إبداعًا لا حدود له، ربما المشهد الأقرب لذلك هو رواية "ثرثرة فوق النيل" لنجيب محفوظ.
-
هل السرد على لسان طفل منحك مساحة أكبر للبوح والحكى؟
نعم، الحقيقة أن السارد هو الطفل بمراحله العمرية المختلفة، وأظن ذلك يوحي للكثيرين أنها سيرة ذاتية، وبالطبع في أدب ما بعد الحداثة لا يمكنك الهروب من وجود السيرة الذاتية في الرواية فذلك جزء إجرائي مهم في رواية ما بعد الحداثة وما بعدها أيضا. بالطبع أيضا الطفل يمنحني مساحة هائلة للحكي، لأني أعتقد أننا مازلنا بحاجة لمعرفة أنفسنا كأطفال لأن عالمنا الحقيقي والمتخيل يخلق في هذه الفترة. هناك عالم اقتصاد يهودي هو كانمان يتحدث عن التحيزات في حياتنا وهي تحيزات حقيقية نبنيها فجميعا في سنوات الطفولة وعلى سبيل المثال إن أول معلومة نسمعها عادة تخلق لدينا حالة من التحيز وتبقى هذه المعلومة لا تتغير على الرغم من خطأها، وبالمناسبة هو حاصل على نوبل في الاقتصاد السلوكي ومعه عالم آخر هو ثانر.
-
سادت الرواية حالة من المشهدية فهل جاء ذلك بهدف تحويلها لعمل فنى أم فرضته طبيعة النص؟
المشهدية لها سبب محدد في رواياتي، أنني ابن السينما فمنذ صغري وأنا اشاهد الأفلام في السينماـ، وأكاد أقول أني تربيت في مقاعد السينما حيث كان أبي يعمل مسئولا عن أكثر من سينما في الستينيات، السينما عالقة تماما بذاكرتي البصرية، لذلك عالمي يتكون في الأساس منها، رؤيتي للمشهد هو الذي يحدد علاقتي به، إما سأتذكره وإما أحاول نسيانه وتغييبه، أحيانا أجد نفسي أرتعد لمجرد ذكرى شاهدتها في سنوات الطفولة، لذلك هذا ما يمنح كتابتي الصدق الشديد والخيال الدائم والبقاء في ذهن القارئ الذي يشاركني المشهد الذي أقصه عليه، كما أنني وجدت في تيارات ما بعد الحداثة ما يمثل لي نقطة انطلاق في الكتابة الروائية، وبمعنى آخر فبعد تشكل ذاكرتي نحو العالم أضافت قراءاتي في السبعينيات وما بعدها الكثير لذائقتي الروائية، لا أطيق الأعمال الكلاسيكية أو اللغة التي تنتمي لكاتب واحد يسيطر على الجميع، الروائي الجيد مصنع كامل لإنتاج رواية ذات لغة فريدة ومعرفة جديدة.
-
هل تناول الرواية لحقبتى الستينيات والسبعينيات جاء في إطار ابراز حقبة زمنية ربما يرُاد طمسها بشكل أو بآخر؟
نهاية الستينيات كانت أكبر تجربة مؤلمة في حياة المصريين بنهاياتها المفجعة، حرب يوليو/تموز وموت عبد الناصر، رأى المصريون بطلًا حقيقيًا يحمل أحلامهم، لم يدر بذهنهم قط أن هذا البطل أقرب لدون كيخوته، ما الذي يعجبنا في دون كيخوته، رحلته الخيالية لتحقيق رغبة الفارس الذي يتحرك داخله، هذا تقريبا أقرب تعريف للفترة الناصرية، وكان تابعه سانشو أقرب لهيكل، الذي يسجل يومياته ويصاحبه في كل مكان، هذا التناقض العظيم هو الذي يجعلنا نحاول البحث عن الحقيقة، السبعينيات حملت النصر وحملت أيضا تحولات سياسية عميقة في حياة المصريين،منذ 1952 ونحن نعيش عصر المغامرة أيضا، كانت الخمسينيات والستينيات والسبعينيات عصورًا لكثير من المغامرات السياسية، الآن نحاول البناء والاستقرار.
طمس الحقبتين؟، لايمكن طمسهما لأن الإندكس أو المؤشر الخاص بهما سيظلان بارزين في الحياة المصرية ففيهما حدثت الهزيمة وحدث النصر ثم الانقلاب الكامل على عصر عبد الناصر، البحث في الأوراق القديمة يعني محاولة الرؤية بشكل صائب، ويحتاج الهدوء، لايمكن المغامرة بالمصريين بعد ذلك، لكن على المصريين أن يكونوا جزءا من العالم الجديد، العلم والتنمية والبناء والعدالة وهذه أمور في غاية الأهمية لنا جميعا.
-
كيف ترى المشهد الثقافى فى ظل ما مر به العالم من أحداث وحروب فى السنوات الأخيرة.. هل مازال للكلمة/ الإبداع تأثيرًا فعالاً؟
المشهد الثقافي تختلط فيه الأفكار ويؤثر فيه التقدم العلمي وإعادة النظر في الانتماءات السياسية والانقلابات على كل فكر كلاسيكي، وحداثي وما بعد حداثي، لن يعود هناك مكان لمدرسة أو معيار، سيكون الفوز لمن يستطيع أن يعتني بالعلم والذكاء الاصطناعي واستكشاف الفضاء والاستدامة الزراعية والصناعية، ألم نسأل أنفسنا لماذا تمنح نوبل جائزتها في الاقتصاد والفيزياء والطب والفلك لمن؟، ولماذا؟، وهل الأمر متعلق باختراع أم بتأثير اقتصادي وسياسي وعلمي؟
نظرة سريعة على كيف يتم تشكيل العالم يأتي من هنا، علينا أن نحاول قراءة العالم جيدًا، الأمر لا يتعلق الآن إلا بكيفية خلق التوازنات، وأن نقرأ جيدا المشهد كل ساعة وكيف يتغير، ونتوائم معه، ليس هناك شريك استراتيجي، فالاستراتيجيات لم تعد كما كانت في الماضي، هناك شريك مصالح والمصالح قابلة للتغيير كل لحظة، السيناريوهات وقرائتها يجب أن تكون الشغل الشاغل للمؤسسات المصرية كلها بلا استثناء بما فيها الجامعات، والتي يجب أن تكون في مقدمة ذلك.
|