القاهرة 17 ديسمبر 2024 الساعة 10:51 ص
كتبت: هبة أحمد معوض
على مدار سنوات عديدة كانت عبارة "وُجد من العدم" التي تُقال في الأحاديث العابرة واحدة من أكثر الجمل غرابة بالنسبة لي على الإطلاق، رغم عدم استطاعتي إيجاد تفسير لذلك لمدة طويلة، وذلك لأنه كان من البديهي والمعروف لدي أن الوجود والعدم متضادين من حيث كينونة كل منهما، ومن ثم فمن المستحيل وجودهما أو التقائهما في زمان ومكان واحد، إذن ماذا عن الجملة الأولى؟ كيف وُجدت؟ ومن قالها أو حتى نكون أكثر دقة من فكر فيها للمرة الأولى؟ وهل تعني في جوهرها أن العدم هو السبب في نشأة الوجود؟
في الحقيقة ليست لدي أي إجابة حتمية على هذه الأسئلة، لكنها أثيرت في عقلي كثيرًا، وعاودت في الإلحاح علي مؤخرًا بعد قراءة كتاب "العدم موجود في المالانهاية.. الإنترافيزيكيا" الذي أرى أنه طرح نفس هذه الفكرة، أو هذا ما بدا لي، وأعتقد أيضًا إن نفس هذه الفكرة كانت السبب الرئيس في كتابة سعد صلال مؤلفه هذا، فهو على ما يبدو يرى العدم مغايرًا للوجود المادي، كما له ماهيته التي تحكمه وتحدده، ولنقف هنا قليلًا، فتلك الماهية كما يفسر هو لا يستطيع العقل البشري إدراكها أو استيعابها بشكل عام، وذلك نظرًا لمحدودية المنافذ الحسية التي خُلق بها.
في الوقت نفسه يوضح سعد صلال في كتابه أن هناك احتمالا آخر يتمثل في وجود ماهية أخرى غير المادة، تلك الماهية ليست هي الميتا، ولكنها الانترا، وهذا فسره بـ أننا إذا اعتبرنا الماهية تتمثل "في" وليست "ما ورائية" فإن ذلك سيصبح أقرب للمنطق، الذي من خلاله سنستدل على وجود إله أو رب مطلق كامل، وهذا وفقًا لمبدأ القصور الخالد.
ولعل الفكرة هذه كلها تلخص فيما فسره سعد صلال نفسه في كتابه بأنه: إذا افترضنا منذ البداية أن الواقع غير الحقيقة، وأن الوصول للحقيقة أمر مستحيل، وأننا نعيش داخل قوقعة واقعية سنجدنا غير واعين لمعنى الوجود، وأن الوجود المدرَك هو الوجود المادي، ولأن لزامًا على كل مادية وجود عدمية لا شيئية مقابلة لها، فإن الوجود المادي جزءٌ من وجود مطلق غير محدود، ذلك الوجود المطلق هو المالانهاية!
ولأن من المعروف لدى معظم الفلاسفة أن المالانهاية هي العدم، إذن نستنتج أن العدم موجود.
إن الكتاب بسيط جدًا في كلماته وأسلوب عرضه، لكن الحقيقة تظل في فكرته، التي تحتاج إلى برهانٍ كبير، وعقل واع بمعنى الوجود والعدم والغاية والسبب والمالانهاية ومعنى المعنى ذاته، بالإضافة إلى جهد أعظم في الإدراك والفهم والاستيعاب، وعلى الرغم من توضيح المؤلف لما سبق، إلا إنه لم يستطرد في ذلك بشكل أكثر ملاءمة للفكرة المطروحة.
|