القاهرة 17 ديسمبر 2024 الساعة 10:36 ص
تحقيق: مصطفى علي عمار
اختفتمعظم الأنشطة من مدارسنا والتي كانت قديما تثرينا بآلاف المواهب كل عام، وهذه النشاطات كان من بينها الإلقاء وهو يعلم أصول اللغة، وكان من بينها الرسم، والصحافة، والتصوير، الإذاعة المدرسية، والمناظرات، وجماعة الخط العربي، والمسرح المدرسي، وغير ذلك من الأنشطة الذيجعل مدارسنا تفتقر للمواهب وتنميتها، فكان علينا أن نسرع لمعرفة الأسباب الجوهرية وراء تراجع دور المدرسة في اكتشاف وتنمية المواهب.
فالتقينا ببعض المعلمين والأكاديميين وكبار المبدعين العرب لنعرف حقيقة اختفاء النشاط المدرسي، فكانت هذه الأسئلة التي طرحناها عليهم:ما أسباب الاختفاء؟ وكيف نواجهه؟ وما هي المقترحات لتفعيله؟
وجاءت أجوبتهم:
-
ابتدرنا بعلي إسماعيل أبو العلا- كبير معلمي لغة عربية- المنيا
فقال:الأنشطة لم تعد موجودة الآن لعدة أسباب، فالسبب الأول هو الإهمال، فالكثير من الأموال التي كانت تنفق على تلك الأنشطة لم تعد موجودة لأن المدارس كانت تقوم بجمع ما يسمى بالمصروفات المدرسية وكان للأنشطة نصيب كبير منه حيث كانت المدرسة تبقي وتتولى الصرف منه على الأنشطة،أما الآن فأصبح الأمر كله موكل للإدارة التعليمية التي لا تهتم إلا بتحصيل تلك الأموال ثم إنفاقها في أمور أخرى غير المخصصة له، ثم السبب الثاني وهو غياب الكوادر والقيادات التي تقوم بمثل ذلك الأمر،لأن معظم المدرسين الذين كانوا يهتمون بتلك الأنشطة لم يعد لهم وجود،لأنك تعلم أن الطلاب وأن المعلمين الذين يهتمون بمثل هذه الأمور لابدَّأن يكونوا هاوين لها محبين لمزاولتها
-
فيما يرى حاتم عبدالهادي السيد عضو اتحاد كتاب مصروناقد وشاعر وتربوي مصريخبير ومستشار تعليمي
أن النشاط المدرسي أحد الدعائم المهمة في أركان العملية التعليمية التي تتكون من المدرس والطالب والمنهج والوسائل التعليمية، وتعد الإذاعة المدرسية قمة هذه الأنشطة الجماعية التي تقدم الطالب الصحفي وتقدم الطالب في صورة مذيع يساهم في نشر الوعي والثقافة، وكان الشعر على رأس الأولويات التي يتفنن الطلاب عبر الإلقاء في تقديم النماذج المتميزة لكبار الشعراء بما يثري الذائقة وينمي الخيال، كما كانت المناظرات وسيلة لتنمية الشخصية لدى الأطفال والشباب واكتشاف قدراتهم،أما المسرح فهو أبو الفنون الذي تنصهر بداخله كل المناحي التعليمية، كمسرحة المناهج وتقديم المسرحيات التاريخية والاجتماعية الهادفة وهو وسيلة تحقق أهدافا تعليمية وتربوية متعددة.. ويعد المدرس رأس العملية التعليمية إلى جانب الإدارة المدرسية التي ترتقي بالطالب وتكسبه العديد من المهارات والقدرات التعليمية والمعارف وغير ذلك، فلابدَّ من عودة إلى تلك الأنشطة لتنمية الوعي والثقافة في عقول الشباب والناشئة والأطفال.
يضيف: أما مجلات الحائط والمجلات المدرسية المطبوعة فهي لها الدور الأكبر في إكساب الطلاب مهارات التحرير وكتابة الخبر والتقرير والمقال، بما يعد الطلاب للكليات والمعاهد التي تهتم بالجانب الإعلامي، وقد اختفى دورها الآن في مدارسنا بسبب الاهتمام بسياسة التلقين والحفظ دون التحويل إلى الأنشطة والابتكار والإبداع،مماتسبب فى تراجع الدور التربوي والتعليمي والثقافة بالمقارنة بدول كبرى تخصص للأنشطة الجانب الأكبر بل وتعقد أهمية التعليم ومخرجاته على الأنشطة والتجارب ودخول المعامل، بما يخرج لنا جيلا قادرا على الجمع بين النظرية والتطبيق.
ويؤكد هشام شوقي شاعر وناقد مصري أن: النشاط المدرسي مثل [جماعة الشعر/ جماعة المناظرة/جماعة الصحافة/جماعة المسرح/جماعة الإذاعة/ جماعة التصوير جماعة الخط العربي].
كل هذه الأنشطة ميتة تقريبا في المدارس الا جماعة الإذاعة المدرسية التي تقوم بعملها اليومي في طابور الصباح كل يوم، وعملها جهد إضافي على معلم اللغة العربية وليس لها وقت للتدريب، وكذلك كل الجماعات المدرسية ليس لها حصة للنشاط بل وقتها في [الفسحة ] أي وقت قضاء الطلاب والمعلمين حوائجهم من طعام وشراب وحمام، وغالبا الوقت 15 دقيقة وهذا وقت لا يكفي لقضاء الحاجات ما بالنا بالأنشطة التي تحتاج إلى وقت لجمع الطلاب وتدريبهم، كما أن طلب عمل النشاط من المعلم والطلاب بعد إنهاء الدوام الرسمي عمل لا يرغب فيه الطلاب والمعلمون وأولياء الأمور جميعا لظروف ودوافع مختلفة.
يقترح: لذلك نحن نطالب بإسناد النشاط المدرسي لمعلم واحد مهمته النشاط المدرسي ويكون مؤهل ولديه المهارات العالية ويكون جدوله [النشاط المدرسي ]، لتعليم الطلاب وتنمية مهاراتهم ومواهبهم ونطالب بعمل حصة مستقلة للنشاط المدرسي، ونطالب أن يقوم معلم الصف بتقبل غياب طلاب النشاط عن حصة المقرر المدرسي وشرح لهم ما فاتهم حتى لا يشعر الطلاب بأنهم أهملوا المقرر المدرسي من أجل النشاط، ويجب تحفيز الطلاب والمعلمين وأولياء الأمور لتقبل النشاط المدرسي ومجرد شهادة تقدير للمعلم أو الطالب عمل لا يكفي.
ويختتم: يجب احتكاك الطلاب بأهل الخبرة للتعلم منهم، مثلا في الصحافة يجب التنسيق لزيارة صحيفة أو مجلة لمشاهدة الطلاب أهل الاختصاص في الواقع وتشجيعهم بالتقاط الصور داخل الجريدة أو المجلة ومع أحد المسؤولين أو الكتاب أو رئيس التحرير، وجماعة المسرح لابدَّ أن تزور المسرح الحقيقي وتشاهد عملا مسرحيا مع معلمهم، وجماعة الخط لابدّ أن يحضر لهم خطاط من وقت لآخر ويعلمهم أنواع الخطوط بأقلام الخط المختلفة، إضافة لجهد المعلم وجماعة الشعر لابدَّ أن تستدعي شعراء في مهرجانات مدرسية ويلقي الطلاب نتاجهم بجانب الكبار،ولابد أن يكون طلاب النشاط المدرسي لديهم موهبة حقيقة وثقة بالنفس وتنمية الموهبة بمصادر متنوعة يقدمها المعلم لهم.
ولا بد من التعاون وتبادل الخبرات مع المدارس الأخرى والإدارات الأخرى لتبادل الخبرات بين الطلاب فيما بينهم وبين المعلمين، ولابدّ من عمل خطة نشاط مدروسة من قبل الوزارة وفيها ملامح النشاط،كمايجب وجود إقرار كتابي يُلزم المعلم بعدم تعليم الطلاب ما يحض على العنف والكراهية والعنصرية والطائفية والإرهاب واحترام تقاليد المجتمع وعاداته.
ويوضح د. سيد عبد الرازق- الكاتب المسرحي-
أنه ربما من واقع احتكاكي بمشروعات متعددة منها مشروع مدارسنا بالألوان والذي يهتم بزيارة المدارس على اختلاف مستوياتها أو دعوتهم للمشاركة في قصر ثقافة أحمد بهاء الدين للطفل المتخصص، أقول إن ثمة جهود مبذولة – وإن كانت غير كافية – من أجل الوصول للطلاب وإدماجهم في النشاط الطلابي، وهذا المشروع يقدم جوانب عدة لغوية ومسرحية وفنية وتنموية إلى غير ذلك، وقد غطى كثيرا من مدارس مدينة أسيوط، أيضا من خلال مشروع القوافل الثقافية لاكتشاف المواهب، وهذا يغطي المحافظة بأكملها يذهب جمع من الأدباء للطلاب في مدارسهم للاستماع لهم وتوجيه مواهبهم وتعريفهم بقنوات الاتصال مع الحياة الثقافية عموما وفي أسيوط خصوصا، أيضا مشروعات وزارة التربية والتعليم عبر مسابقات الأنشطة الطلابية وكذلك وزارة الشباب كل هذه الفعاليات تسهم بشكل أو بآخر في تفعيل النشاطات الطلابية، لكن ما زال أمامها عوائق كثيرة أولاها تغيير العقلية الأبوية تجاه النشاط ودعم فكرة بناء الشخصية، ثانيها توفير المناخ المادي والنفسي الملائم داخل المدارس، الحاجة لتطوير الفعاليات ذاتها عبر لوائحها ونمطيتها، وهذا كله منوط برؤية تتخلى عن اهتمامها بالمظهر أكثر من الجوهر، من الضروري لها وضع يديها على المواهب المتعددة، ومتابعتها عبر سني الدراسة وتوفير منح دراسية لها بحرية تتيح لها استمرارية تنميتها ومن ثم الاستفادة منها على مراحل التعليم كافة.
وبتناول موضوعي يقول:عبد الناصر العطيفي- معلم بالتربية والتعليم
لاشكَّ أن الأنشطة المدرسية المصاحبة للعملية التعليمية هي من أهم دعائم وأسس العملية التعليمية التي لها أثرها الواضح في تكوين شخصية الطفل وتشكيل وعيه ومن ثم تفتح ذهنه، لذا ليس غريبا أن تولي الدول المتقدمة اهتماما كبيرا بها...
والأنشطة المدرسيةالمصاحبة للعملية التعليمية كان لها دور فاعل في تقديم أجيال حملت على عاتقها مسؤولية القيام بنهضة الأمة...
يضيف: فالاهتمام بالصحافة والخطابة والإذاعة المدرسية وكذا المكتبة المدرسية بأنشطتها المتنوعة من تكوين جماعة الخط العربي وجماعة محبي القراءة وغيرها كانت عنصرا أساسيا في العملية التربوية والتعليمية...
ويؤكد: في الآونة الأخيرة تراجعت هذه الأنشطة، بل تكاد تكون اندثرت إلا القليل منها متمثلا في الإذاعة المدرسية المصاحبة لطابور الصباح ومع وجودها في بعض الأماكن إلا أن دورها أيضا تراجع وأصبح غير ملموس...
وعن أسباب تراجع النشاطات يقول:
هناك أسباب كثيرة أدت إلى تراجع وانحسار دور الانشطة المدرسية ومن أبرزها عدم تقديم الدعم والمخصصات المالية التي كانت في الماضي جزءا من الإنفاق على التعليم، وكذا كثافة الفصول مما أدى إلى وجود فترتين دراسيتين صباحية ومسائية فلم يعد هناك وقت بسبب إدماج الجداول...
وعدم الاهتمام بطابور الصباح تراجع من خلاله دور الإذاعة المدرسية والمناظرات وجماعة الخطابة، فضلا عن عدم وجود الكفاءات المتخصصة التي تقوم بتوجيه الطلاب ورعايتهم وإن كانت هناك محاولات فردية تقوم بدورها بالفعل.
يوضح: والعودةإلى تفعيل الأنشطة المدرسية يجب أن تكون هنالك نظرة شاملة للإصلاح وتبدأ بالقضاء على كثافة الفصول والحد من التكدس، ووضع خطط وبرامج مدروسة وكذا تعيين أهل الاختصاص من خريجي التربية النوعية، وتحفيز الطلاب وكشف المواهب والعناية بالموهوبين، وتفعيل ما كان يعرف ب(المسرح المدرسي)، ومتابعة طابور الصباح والعمل على إتقان فقراته، فقديما كان يقال إذا انضبط طابور الصباح انتظم اليوم الدراسي.. كل هذا من أجل أن نرقى بتعليم أبنائنا وتعود مصرنا للريادة كسابق عهدها؛ فقد كانت في يوم ما قاطرة حركات التنوير لشعوب العالم الثالث وكم دعمت الوطن العربي بالمدرسين وأهل الخبرة في كل المجالات.
وكان الختام مع محمود رمضان الطهطاوي- كاتب وروائي وناقد مصري
فيقول:أنا من جيل عشت في زمن التعليم الذي كان يهتم بكل المواهب بجوار مناهج التعليم، والمدرس الذي كنا نحترمه ونحبه ونهابه في ذات الوقت، كنا نتنافس بمساعدة الأساتذة على إبراز مواهبنا وتنميتها في كل المجالات من إلقاء وكتابة شعر وخواطر وتمثيل مسرحي، ومجلات حائط وغيرها من الأنشطة اللامنهجية وكنا نمارسها وكأنها جزء لا يتجزأ عن التعليم .
يضيف: أذكر في مدينتي طهطا كانت تتنافس المدارس كل عام في تقديم مسرحيات على مسرح مدرسة الزراعة الثانوية، والذي لا ينسى الحفل السنوي الفني الذي يقيمه معهد محمود عنبر الديني، يقدم من خلاله كل عام حفله الفني الغنائي وعرض مسرحي وكثيرا ما كان يدعو أعضاء مجلس الشعب بعض الشعراء الكبار لحضور الاحتفالية، وكان يحضر الحفل جموع غفيرة من أبناء طهطا وقراها، كل هذا اختفى، واختفى أيضاكتاب التربية الوطنية، واختفت حصة الأنشطة، وتحولت حصة الألعاب إلى عبث، وفقد المدرس دوره التربوي والتعليمي في المدرسة بعد أن اتجه للدروس الخصوصية التي أصبحت هي الأساس في تلقين التعليم.
وسط هذا الصخب وزحمة المدارس والجامعات التي تحولت لماكينة بطالة فقدنا كل شيء وأصبح لا وجود للأنشطة،وإن كانت بعض المدارس تحاول فعل ذلك.
|