القاهرة 04 ديسمبر 2024 الساعة 12:53 م
كتب: عبده الزرَّاع
قضينا أربعة أيام في رحاب المهرجان الثقافي الدولي للكتاب والأدب والشعر في نسخته السادسة، التي خصصت ل "أدب وثقافة الأطفال في عصر الوسائط الرقمية وعالم الميتافيرس" بولاية ورقلة في الفترة من 24 حتى 28 نوفمبر 2024، برعاية وزارة الثقافة والفنون الجزائرية، وأقيمت فعالياته بالمكتبة العمومية ودار الثقافة مفدي زكريا، جاء المهرجان برئاسة وجهود الكاتب والناقد الكبير الدكتور العيد جلولي محافظ المهرجان الذي بذل جهداً فوق الطاقة للإعداد لهذا المهرجان على مدار شهور طويلة، مع فريق عمله، وبخاصة الدكتور عبد الحميد هيمة رئيس لجنة البحوث، بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم وغيرها من القطاعات الأخرى.
يأتي هذا المهرجان ليكون من أهم المهرجانات العربية في السنوات الأخيرة، كونه خصص هذه الدورة لمناقشة قضية من أخطر وأهم القضايا التي تهم المشتغلين بأدب الطفل وثقافته، كما تهم الأسر العربية، وهو عصر الوسائط الإلكترونية وعالم الميتافيرس، ذلك العالم الذي أصبح يمثل خطراً يهدد أمن وأمان أسرنا ومجتمعاتنا العربية، فقد يتعرض مستخدمي الميتافيرس لعدة مخاطر، منها: التحرش والتنمر وانتشار المضايقات الإلكترونية، بما في ذلك التحرش الجنسي واللفظي، مما يؤثر سلباً على الأمان النفسي للمستخدمين.
بالإضافة إلى إمكانية اختراق الصورة الرمزية، التي تسهل على المجرمين اختراقها وسرقة تجسيد كامل لك، فبدلاً من أن تتعامل مع شخص تعرفه جيداً وتثق به، سينتهى بك المطاف لأن تتعامل مع مجرم وأنت لا تدري. كما شاع الاغتصاب الإلكتروني العلني في ميتافيرس، حيث تعرضت امرأة للاغتصاب الإلكتروني على ميتافيرس في الثاني من فبراير من العام الجاري من قبل مجموعة من الشبان الذين بدؤوا معها بالتحرش الإلكتروني ثم تطور الأمر للاغتصاب. وغيرها من المخاطر الكثيرة الغريبة على مجتمعاتنا العربية.
جاء هذا المهرجان تحت شعار "نكتب للأطفال من أجل بناء المستقبل" فالكتابة للأطفال هي التي ترقي عقل ووجدان الطفل، وتجعله يسبح في عوالم من الخيال الخصب البناء، وتساعده على التفوق الدراسي والعلمي، وتبني شخصيته وتشعره بالتميز بين أقرانه، وتزيد الثقة بالنفس.
بعد افتتاح المهرجان الذي حضره والي ورقلة وبعض قيادات وزارة الثقافة والتربية والتعليم، جاءت الجلسة الأولى برئاسة الدكتور السعيد بن زرقة من جامعة الجزائر، وقد شاركت في هذه الجلسة بورقة بعنوان: "أدب الطفل الفلسطيني من الانتفاضة إلى الحرب" وقد تناولت فيها أدب الطفل الفلسطيني الذى بدأ مع الانتفاضة الأولي عام 1987، حينما سجلت الانتفاضة بطولات الأطفال الصغار الذين كانوا يقذفون العدو الصهيوني بالحجارة، وبعدها بدأ يلتفت كتاب الأطفال إلى تناول تلك البطولات في قصصهم وأشعارهم، وخاصة في الانتفاضة الثانية عام 2000، وبعدما ترصد أحد الجنود الإسرائليين الطفل الفلسطيني محمد الدرة الذي كان عمره لا يتجاوز 11 سنة، وقتله وهو في حضن والده، ولكن استطاع أحد المراسلين الأجانب تصوير وقائع هذه الحادثة، لتتناقلها وسائل الإعلام في العالم مما حرك وجدان شعراء وكتاب الأطفال واستلهموا وقائع استشهاده، ومن هؤلاء الشعراء الشاعر المصري الكبير الراحل أحمد زرزور الذي كتب ديوانه (أغنية الولد الفلسطيني) وأهداه إلى الأطفال شهداء الانتفاضة، كما كتبت أيضاً الكاتبة الفلسطينية دنيا الأمل إسماعيل قصة الشجرة، والكاتبة السورية لينا كيلاني كتبت قصة استشهاد الطفل إبراهيم وهو يقبض على حجر في يده وجاءت المجموعة القصصية بعنوان (الحجر في يده).
وشارك في هذه الجلسة الشاعر الأردني محمد جمال عمرو بورقة بعنوان: "المكان المقدس في نماذج من شعر الطفولة العربي"، وفريدة المصري "إضاءات حول أدب الأطفال في ليبيا"، وفتيحة شفيري بورقة بعنوان "الوسائط الرقمية ودورها في تعزيز ثقافة التعاطف مع الآخر عند الطفل الجزائري"، ود. رضا الأبيض الذي تناول موضوع "الكتاب الرقمي الموجه للأطفال: المزايا والمخاطر".
ناقش المهرجان على مدار ثلاثة أيام متتالية، قضايا في غاية الأهمية، تخص أدب الطفل وثقافته، وكذلك محاور تخص إعلام الطفل، ومناقشة بعض مجلات الأطفال مثل مجلة "البسكري الصغير" ومجلة "غميضة"، وكذلك قضايا تهم شعر وقصة ورواية ومسرح الطفل، وكانت جلسات ثرية بالرؤى والأطروحات، كما جاءت المناقشات والمداخلات لتضيف الكثير إلى هذه الندوات.
وأثارت مداخلة الدكتور إياد الباوى (الرقمية ودورها في أدب الأطفال تقنية أنموذجاً) في الجلسة العلمية الثانية في ثاني أيام المهرجان، إعجاب الحاضرين، ونالت عدداً كبيراً من المداخلات حولها باعتبار الباوي أحد الخبراء في مجال الرقمية.
كما جاءت الورشات الأدبية والفنية في المساء بالتوازي مع بعض الندوات، فجاءت ورشة "كتابة المسرح الموجه للطفل" في اليوم الأول، أشرف عليها الدكتور عبد الناصر مشري من جامعة ورقلة، وقدمها الكاتب والشاعر علاء الجابر من الكويت، ونالت هذه الورشة إعجاب الأطفال والكبار، حيث تناول الجابر أهمية مسرح الطفل باعتباره أهم الفنون التي تقدم للطفل وهو الفن الأكثر تأثيرا في حياة الطفل، فمشاهدة عرض مسرحي يبقى تأثيره طويلاً في الوجدان أكثر من تأثير المدرس داخل الفصل الدراسي، علاوة على أنه أهم ابتكارات القرن العشرين لما يمتلك من قدرة على الإبهار وتحريك المخيلة والوجدان.
وقدمت في اليوم الثاني ورشة كتابة القصة الموجهة للطفل، وأشرف عليها الأستاذ حسن العياشي من تونس، وتحدثت فيها عن أهمية القصة للطفل، وعن ريادتها التي بدأت من مصر مع كامل كيلاني في عام 1928، بقصة "السندباد البحري" التي استلهمها الكيلاني من كتاب ألف ليلة وليلة، كما تحدثت عن تأثير القصة على وجدان الطفل وارتباطه بالحكي منذ نعومة أظفاره، وعرفت الأطفال رواد الورشة، بأن القصة تبدأ بالفكرة، واختيار الفئة العمرية التي نتوجه لها بالكتابة، ثم اختيار الشخصيات التي تنقسم إلى رئسية وثانوية، ثم الحدث والحبكة، واللغة التي تعبر عن مضمون القصة، والتي تتناسب مع المرحلة العمرية.
ثم جاءت ورشة كتابة الشعر في اليوم الثالث، أشرفت عليها وقدمها الشاعر الأردني محمد جمال عمرو، وفي البداية تحدث عن تجربته في الكتابة للشعر، وكيف كانت البدايات، وبمن تأثر من الشعراء الكبار، ورحلته الطويلة في تطوير تجربته الشعرية حتى صار من كبار شعراء الطفل في الوطن العربي، ثم شرح للأطفال رواد الورشة أهمية الشعر في ترقيق المشاعر، وتحريك العقل والخيال، وكيف يكتب القصيدة، ثم تحدث عن البحور الشعرية القصيرة والبسيطة التي يفضل الكتابة الشعرية عليها، وكيفية رسم الصورة الشعرية، واللغة وأهميتها وأن كل مرحلة عمرية لها قاموسها الخاص بها، ثم اختتم الورشة، بقراءة مجموعة من قصائده التي لاقت استحسان الأطفال.
أقيم على هامش المهرجان معرض للكتاب في الفترة من 25 نوفمبر وحتى 2 ديسمبر 2024، نظمته الوكالة الجزائرية للإشعاع الثقافي (وزارة الثقافة والفنون) شارك فيه عدد كبير من دور النشر الجزائرية.
كما أقيم أيضاً عددٌ من الأمسيات الشعرية شارك فيها شعراء من الجزائر، والعراق، وتونس، وليبيا، وهم: هشام دامرجي، عبد الحميد بو هلال، إبراهيم صديقى، سليمان جوادي، زبير دردوخ، محمد الأخضر سعداوي، عبد القادر بن عطية، لخضر فلوس، مشري بن خليفة، مبروك بن النوي، إياس خنقاوي، شاهين قاسمي، حسين الأقرع، عبد الرحمن بن شويحة، عبد الوهاب صحراوي، قدري بشير، محمد تمار، محمود بنزازه، مصطفى صقر، مبروك بن نوي، عبد الرحمن بن سالية، سمية محنش، سمية حشيفة، عاشور بوكلوة.
كما تجلت حلقة عرض الحكواتي من تقديم الفنان مكي سوداني بعنوان (محاجيات من التراث المحلي) وعرض لعرائس القراقوز للفنان نور الدين جمال، وغيرها من الفقرات الفنية والأدبية التي أثرت المهرجان، علاوة على تدفق الأطفال إلى المهرجان بتنظيم من مديرية التربية والتعليم بورقلة.
الجميل في هذا المهرجان أنه جمع عددا من كبار الأساتذة الباحثين من الوطن العربي، وهم: السعيد بن زرقة، عبده الزراع، محمد جمال عمرو، فريدة المصري، فتحية شفيرى، رضا الأبيض، فرحات جلاب، رابح خدوسي، عبد الله لالي، نجاة بلعباس، علاء الجابر، عبد الناصر مشرى، أحمد بقار، إياد الباوي، كلثوم مدقن، حسين عبروس، فتحي بوكارى، هداية مرزق، رياض بوسبيط، عبد الحميد هيمة، حمزة قريرة، أحلام بن الشيخ، عز الدين جلاولي، كمال بطوش، حسين العياشي، أحمد النعيمي، عبد القادر عميش، زينب لوت، خديجة عنيشل، هاجر مدقن، آسيا عبد اللاوي، إيمان سند، سعيد بهون، أحلام بن الشيخ، عبد القادر موهوبي، محمد الأخضر سعداوي، صلاح الدين باويه، بوحنيه قوي.
كما قدم هذا المهرجان للحياة الثقافية العربية وجوه شابة من الجزائر تشق طريقها بقوة في مجال أدب الطفل منهم: د. رحمة الله أوريسي، آسيا عبد اللاوي، بلقاسم مغزوشن، فوزية حمداني، وغيرهم من الكتاب الذين فازوا في المسابقة الأدبية التي أقيمت على هامش المهرجان وتم توزيع جوائزها على الفائزين في اليوم الأخير للمهرجان.
واختتم المهرجان فعالياته بعدة توصيات مهمة قرأها علينا الدكتور عبد الحميد هيمة، وهى:
- تعزيز دور المؤسسات التربوية (التحضيري، الابتدائي، الثانوي، الجامعي) في نشر ثقافة الإنترنت، وإيجاد الشروط التربوية والتعليمية لتعميم هذه المعرفة الجديدة وجعلها جزءاً من حياة الناس اليومية وتشجيع المواهب والكفاءات على التطوير والتجاوز.
- تطوير التعامل باللغة العربية في مجال تكنولوجيا الإعلام، وذلك بهدف تمكين اللغة العربية من مواكبة المستجدات، من خلال تشجيع التكوين في مجال تكنولوجيا الإعلام والتواصل عبر مختلف مؤسسات التعليم والتكوين.
- ضرورة دخول الأدباء والمثقفين إلى عوالم الوسائط التفاعلية بقصد الإسهام في الإبداع من خلالها، بما يتوافق وهويتنا ويخدم ثقافتنا الوطنية، خصصوصا في مجال ثقافة الطفل، حتى نستطيع أن نواجه القيم الأجنبية التي تبشر بها العولمة والتي تشكل تهديداً كبيراً لأمننا الثقافي والحضاري.
- دعوة الجامعة والمؤسسات الثقافية إلى تأسيس المراكز والفرق البحثية التي تشتغل على موضوع ثقافة وأدب الطفل في عصر الإنترنت. وفي هذا الصدد ندعو النخب المثقفة في الجزاير وفي كل الأقطار العربية، لتقديم المشاريع وبلورة الأفكار التي بإمكانها أن تصنع مستقبل أجيالنا القادمة، في هذا العصر الذي يشهد تسارعاً هائلاً في وتيرة الإبداع والابتكار في مجال المعلومات، حتى لا نبقى خارج العصر أو على هامش التاريخ، ونستطيع مواجهة التحديات الثقافية في عصر المعلوماتية، وإن ذلك ممكن جداً إذا استطعنا استثمار أدوات المعلوماتية بالشكل الصحيح لتثبيت دعائم ثقافتنا بوصفها ثقافة إنسانية وعالمية.
|