القاهرة 03 ديسمبر 2024 الساعة 11:19 ص
كتب: جمال الفيشاوي
في إطار الدورة العاشرة من مهرجان آفاق مسرحية العربي )دورة الفنان الراحل نور الشريف)، قدمت فرقة "بداية تيم" على مسرح الهناجر بالأوبرا العرض المسرحي "زجاج انفجاري متقطع"، من تأليف (أحمد مراد) وإخراج (شادي نادر).
والعنوان هو العتبة الأولى لنص العرض فنرى من مشاهدتنا للعرض أن الابن يعاني من اضطراب نفسي متقطع والأب رجل يعمل في الزجاج، ولذلك حذف المؤلف كلمة اضطراب ووضع مكانها كلمة زجاج، حيث صنع الأب صندوقا من الزجاج الكاتم للصوت ليدخل ابنه داخل هذا الصندوق أثناء نوبة الاضطراب، فلم يسمع صوته أحد ويعني ذلك انفجاره داخل الصندوق، حيث إن مرض الاضطراب الانفجاري المتقطع هو حالة يظهر فيها الشخص سلوكاً عدوانياً يؤذي به نفسه أو غيرة من الناس أو ممتلكاتهم لفظياً أو جسدياً، وهذه حالات لا يستطيع الشخص السيطرة عليها وقت وقوع الحدث، وتكون التفاعلات مبالغاً فيها بالنسبة إلى الوضع، وقد تحدث لأسباب عديدة مثل صدمات الطفولة، وأسباب نفسية واجتماعية، وعوامل وراثية، والاضطراب الانفجاري المتقطع حالة طويلة الأمد يمكن أن تستمر لسنوات، لكن حدة النوبات قد تقل مع التقدم في العمر.
تدور الفكرة الرئيسية حول مشاكل اجتماعية مختلفة، وأثر الترند والأخبار المغلوطة التي تبث عبر السوشيال ميديا.
وتتوالى الأحداث التي تحكي عن أسرة متوسطة مكونة من الأب نوح (محمد خروبة) مدرس الفلسفة ويعمل أيضا في ورشة أسفل منزله لتركيب الزجاج ورثها عن والده، والأم رضا (نور عرفات)، والابن نادر (ستيفن عماد) الذي يعاني من اضطراب انفجاري متقطع، فصنع له والده صندوقا زجاجيًا ضد الصوت والكسر ليضع فيه ابنه أثناء نوبه الاضطراب حتى لا يسمع صوته الجيران، وكذلك لكثرة شكوى زوجته من صراخ ابنها، لكن تذمر الزوجة ناتج نتيجة أنها متزوجة كما يسمى زواج صالونات وكانت صغيرة السن (تقريبا 15 سنة) من رجل لا تحبه كما أنه أكبر منها ولا يهتم بها كما جاء في الحوار (رضا: عشرينيتيه وقلبي لسه شباب أدفنت بالحياة مع تلاتيني بقلب مكحكح) حيث إن نوح يرغب في أن يعيش حياة بسيطة فعلى الرغم من دراسته للفلسفة إلا أن خبرته في الحياة بسيطة، فهو مهتم بابنه وعمله وهما كل حياته ويعتقد أن زوجته تشاركه همومه، إلا أن السوشيال ميديا أصبحت هي كل حياة الزوجة فقد أصبحت منفتحة على العالم لتعوض حبستها في المنزل.
ويوجه العرض بعض الأسئلة ومنها هل ما يتم كسره من الممكن إعادة إصلاحه؟ هل وسائل التواصل الاجتماعي إيجابية ام سلبية أم تتوقف على المستخدم لها؟
ويجيب العرض بأنه على الرغم من أن وسائل التواصل الاجتماعي أدت إلى تسهيل أمور عديدة للبشر؛ إلا أنها سلاح خطير وتسبب مشاكل اجتماعية مختلفة بسبب الخداع وأثر الترند والأخبار المغلوطة فتؤدي إلى حدوث كوارث للبشر، فسلبياتها لم تعد قابلة للتجاهل، فعندما تخرج رضا وتذهب لرفع قضية خلع على نوح، نرى العالم الخارجي المحيط بهذه الأسرة، فنجد أن لجنة فض المنازعات لن تفض المنازعات، وأن قضايا الخلع المعروضة قضايا تافهة، منها زوجة لا يغار عليها زوجها، وأخرى يغار عليها زوجها، ونشاهد المسئول عن فض المنازعات الأستاذ عادل منصف (سعيد سمير) يقوم بتطبيق حلول عبثية، فنجده يقوم بتبديل الأزواج حتى ينهي القضايا، فعندما تذهب رضا للمحكمة تصرخ ويصادف وجود مصور واحد المذيعين (مصطفى وائل) يقوما بتصويرها ويرفع الفيديو على مواقع التواصل الاجتماعي لتصبح تريند، وتصبح قضية رأي عام، ويشير العرض على مدى التفاهة والزيف والأخبار المغلوطة التي أصبح العالم يعيش فيها في عصرنا الحالي، والجانب المظلم لمواقع التواصل الاجتماعي.
أمام المحكمة يصاب نادر بنوبة اضطراب ينقل إثرها للمستشفى، وهناك نرى كمًا من الأطباء في جميع التخصصات لا يستطيعون تشخيص الحالة، وهؤلاء الأطباء شريحة من المجتمع المتدني الذي أصبح فيه لا قيمة للعلم والشيء المهم هو الجري وراء الترند للحصول على الأموال، وعندما يحصلون على المال والشهرة على مواقع التواصل الاجتماعي يقومون بفتح مسمط (أحشاء ورأس الحيوانات) في سخرية وتهكم على ما وصلنا إليه من غرائبية، وعندما يعلن عن جائزة قدرها مليونين من الجنيهات للبلياتشو الذي يساعد نادر على الخروج من محنته المرضية، نجد الجميع يرتدي ملابس البليتشو طمعا في المال، يرى نوح كل هذا الحشد من البشر ويحاول المقاومة لكنه يصبح الخاسر والظالم في هذه القضية، فيصرخ مما يحدث، لقد أصبح نوح ضحية الترند، ونجد نادر يضع والده داخل الصندوق الزجاجي ثم يقول بابا عاوز استيكه لكي يمحو هذا المنظر المحزن من ذاكرته، فمن وجهة نظر نادر أعتبر ما يحدث رسمة رسمها على الورق ويريد محوها، على الرغم من أنها الحقيقة.
كانت أسماء الشخصيات في نص العرض لها دلالات، فنجد أن نوح لا ينقذ السفينة في مجتمعه المليء بالمتناقضات، هذا العالم الذي يلهث فيه البشر وراء المادة، نوح العصر الحالي الذي لا يستطيع إنقاذ أسرته، وزوجته رضا التي لم ترض عن معيشتها، وأقامت قضية خلع على زوجها تستمر في طريقها في الاهتمام بالسوشيال ميديا واللهاث وراء المال، والابن نادر صاحب المرض النادر يضع والده داخل الصندوق الزجاجي، حيث يعتقد أن هذا الصندوق يهدئ من روعة أبيه الذي يصرخ من تصرفات البشر، كما كان يفعل والدة نوح معه، فعندما كانت حالة الاضطراب تنتاب نادر كان يضعه نوح داخل الصندوق الزجاجي، فقد سمع نادر من والدة (نوح: عشان لما أبننا نادر يصرخ محدش من الجيران يسمعه)، ونعلم من العرض أن الأستاذ عادل منصف ليس عادلا أو منصفًا، وأن أسماء الأطباء عكس فعلهم، فنجد دكتور ماهر (مروان عمرو) رئيس الأطباء غير ماهر، وتيسير (بيشوي عياد) طبيب مسالك بولية يعقد الأمور ولا ييسرها، وجميلة (دميانه مجدي) طبيبة التجميل قبيحة وليست جميلة، ونظيرة (شهد سعيد) طبيبة العيون عمياء، وعبد السميع (أشرف هاني) طبيب الأنف والأذن أطرش (لا يسمع)، وفايق (أحمد حمدي) طبيب التخدير مسطول دائما.
كان الديكور (كيرلس ناجي) تجريدي تعبيري، وهو عبارة عن مجموعة من البانوهات معلق داخلها زجاج، وصندوق زجاجي، بجانب ذلك وجدت دكة يسار المسرح استخدمت كغرفة جلوس بمنزل نوح، فلماذا الزجاج؟ الزجاج هو دليل وتأكيد على عمل نوح الذي أضيف لاسم العرض، وعندما ندقق النظر نجد هذا الزجاج مرسوم علية دوائر وشبابيك وأبواب، ورموز تدل على الاماكن التي يدخلها نوح، والديكور كان مركب على عجل وظف في عمل أشكال ودلالات حسب كل مشهد، ونستطيع القول بأن الفتحات في كل بانوه التي تشبه الباب، هي الأبواب تعبر عن أبواب الحياة، فهي الأبواب التي فتحت ودخل منها نوح ليواجه مشاكلة مع الحياة، فنرى خلف هذه الأبواب عندما تفتح المشاهد الآتية (محكمة الأسرة، المستشفى) والصندوق الزجاجي يعتبر صندوق الحياة فنحن نعيش في عصر الإنترنت والغالبية العظمى من البشر محبوسة خلف الشاشات الزجاجية (كمبيوتر، لاب توب، موبايل ... الخ)، وقد استخدم الصندوق الزجاجي في الغرض الأساسي الذي صنع من أجله، فقد صنعة نوح ليضع فيه ابنه نادر عندما تنتابه حالة الاضطراب، كما استخدمه نادر في أخر العرض عندما أصيب نوح بحالة من الهياج والثورة ضد أفعال البشر، كما استخدم الصندوق الزجاجي ليعبر عن أشياء كثيرة منها مكتب في قاعة محكمة فض المنازعات، سرير في المستشفى، كما عبر عن غرفة عناية مركزة داخل المستشفى، وفي الاستديو مع المذيع، كموبايل يبث من خلاله لايف.
أما إضاءة (شادي نادر) فقد اعتمدت خطة الإضاءة على اللون الأحمر المنبعث من خلال الدفاية، حيث إن جاره فلوباتير (على زعتر) عندما كان يقوم بإصلاح رموت التليفزيون غير دوائر الريموت بين التليفزيون والدفاية، فانبعثت السخونة على الرغم من البرودة بين الزوجين رضا ونوح في علاقتهما ببعض، ومن هنا بدأ الصراع، ومن الألوان الساخنة الأحمر والبرتقالي، والبرتقالي الغامق، كما ظهرت في لحظات إضاءة على الزجاج الموجود في الديكور تمثل شروخا في الزجاج وهي لحظات الانكسار من وجهة نظر نوح فظهرت في بداية العرض عندما قال نوح لنادر (نوح: تل صغير وسط جبال كبيره، كان التل مش باين وسطهم، والجبال الكبيرة كانت بتجذب كل المتسلقين الطمعانين في صورة جنب أي شيء أكبر منهم في الحجم، زعل التل ميزانه اختل)، وهذه دلالة على عدم قدرة نوح على إصلاح الشروخ في علاقته بزوجته لكنه فشل، وكرر الشروخ في المستشفى عندما كان نوح يوجه اللوم لزوجته على أنها كل سنة تحتقل بعيد زواجهما قبلها بيوم وهو يحتفل في اليوم التالي بعيد زواجهما بمفرده، كما ظهرت الشروخ في نهاية العرض في مشهد يوضح كل الناس ترتدي ملابس البليتشو لتوضح أن البشر أصبحوا عبيداً للمال.
كانت ملابس (ديفرام شنودة + أكسسوارات) عبارة عن ملابس عصرية لكن في مشهد الأطباء كانوا يرتدون تي شيرت وشورت وفوقه البالطو الأبيض دلالة على عدم الاهتمام بالمهنة وبالتالي غير قادرين على تشخيص حالة نادر، فإذا خلعوا البالطو فكأنهم يذهبون للنادي أو البلاج، وفي نهاية العرض بعد رصد مكافأة اثنان مليون جنيه نجد الجميع يرتدي ملابس البلياتشو طمعا في المال.
كان الإعداد الموسيقى (بيشوي حنا) مناسبا للعرض فكان صوت الموسيقى يصدر عن طريق نادر فهو الذي يسمع الأصوات لوجود السماعات التي وضعها والده في أذنه، وكانت الموسيقى تؤكد على الصراعات والحالة الدرامية في العرض، ومن الآلات الموسيقية المسيطرة البيانو في اللحظات الرومانسية، والكمان في الصراعات.
بالنسبة للاستعراضات (محمد بحيري) كانت عبارة عن دراما حركية، ففي بداية العرض نري حركات تمثل صراعات داخل منزل نوح بين الأب والأم والأبن، وداخل المستشفى نرى الأطباء بعد التشخيص الخاطئ لنادر وهم ينزعوا منه كراس الرسم والسماعة، ويقرصونه في جسده ويعطونه حقنة مخدر، وكأنهم يقومون بعمل عملية له، وفي مشهد نهاية العرض نجد كل الشخصيات المشاركة في العرض يرتدون زي البلياتشو وعلى وجوههم ماسكات ويتحولون لعروسة ماريونيت، ويظهر صراع هذا المجتمع، وأن المجتمع يريد أن يكون نوح إنسان آلي، ثم نرى نادر وهو يدخله الصندوق الزجاجي.
كل الشكر لكل من شارك في هذا العرض:
وبجانب ما تم ذكره من الممثلين الشاب (مارو إبراهيم)، زوج 1 (بولا عايد)، زوجه 1 (ميرنا حكيم)، زوج 2 (روفائيل رفعت)، زوجه 2 (فيرينا عطا)، أنستوزي (ساندرا ماجد).
والاستعراضات، بجانب من قام بأدوار (الأطباء، عادل منصف، زوجه 2)، بيشوي شريف، مريم عيد، يوستينا عزت، ومكياج (دميانه مجدي)، ومساعد مخرج (فيرينا عطا)، وإدارة النشر (كريم سمير).
|