القاهرة 03 ديسمبر 2024 الساعة 11:06 ص
بقلم: حاتم عبدالهادي السيد
الشعر العامي هو صوت الوجدان، ونبض الروح، وشغافة القلب، التي تتحدر منها أنهار الشعر، وشعر العامية المصرية هو أدب الشعب، وهو صوت الطبقات الممتدة عبر ربوع الأقاليم، وهو لسان حال الغلابة الطيبين، والمهمشين، والفقراء الذين يتحدثون بلغة الفطرة، أو لغة الشارع اليومى، الحياتي، دون تكلف، لكي يجابهوا الحياة بالأمل، والتحليق بالحلم البريء في كسرة خبز تسد رمق أطفالهم، أو كساء يقيم برد صقيع الحياة.
والعامية المصرية هي النموذج المعبر عن كل شرائح الحياة المجتمعية المصرية في الأقاليم كافة، يتحدث بها أهل الحارة، والحي، والعزبة، والفلاح في الحقل، والعامل في المصنع، والسائق والتاجر وأصحاب الحرف والصناعات، ولا تقتصر على الفقراء والمهمشين؛ بل هى -كذلك- لهجة ولغة المثقفين، لذا هي ليست لهجة محلية فحسب، بل أصبحت لغة قومية تشير إلى الثقافة والحياة، وهي لغة شعبية، رسمية، تشتق مادة وجودها من لغتنا العربية الجميلة، اللغة الرسمية للأقطار العربية والإسلامية كذلك..
ولقد تنوعت إيقاعات العامية ما بين اليومى والحياتى، والواقعى والتخييلى، وبين المغرقة في الرمز، والمباشرة الإحالية الرامزة. ويعزى هذا التنوع إلى البيئة التى يعيشها الشاعر، والظروف السياسية والإقتصادية والإجتماعية المحيطة به،علاوة إلى الظرف التاريخى والأيديولوجى، ومدى الحرية التى يتمتع بها العصر، كما إنها تخطت مرحلة الشفاهية إلى الكتابية للكتاب شرعية وجودها العصر الحداثي، وما بعد الحداثة كذلك.
وفي ديوان "مفيش ماضي" للدكتور أبو العلا عارف، نلمح رومانتيكية الموضوع الشعري، مع فطرة الشعر الخارج من وجدان شاعر جميل، يرى الحياة بمنظور محب يريد السعادة الحقيقية لذاته وللناس، لذا وجدنا شعره ينزع إلى الغنائية، والكلمة التي تحيلنا إلى الحلم، والوجد، والواقع المثالي الجميل للحياة، حيث يتسيد الحب العالم،، ويري الجمال موجودا ونابعا من فطرته الكونية، ومن ذاته المحبة للحياة، وكأنه يطبق مقولة فلسفة الجمال الخالص: " كن جميلا ترى الوجود جميلا" .
وتتوزع قصائد الديوان بين الشعر الرومانتيكي العاطفي، والأغاني الرومانسية، وأدب الرسائل العاطفية، كما نشاهد الحب للأم، وللوطن والعالم، ونرى الشعر الوطني، والشعر الوجداني، والدرامي، وقصائد ممتدة في موضوعات عديدة تتناول الجوانب النفسية، والاجتماعية، والحياتية، كذلك.
وفي قصيدته :" تعبنا يا ابن الحلال " نلمح فطرة البوح، وكأنه يطبطب على الحرف عبر ثنائية الصوت، وكأن هناك زوجة، أو امرأة تناديه، أو حبيبة بعيدة، يناغيها، ويصدح في الفضاء، أو أنه يرسل إليها رسالة عبر مونولوج الحوار الشعري الجميل، فيسألها عن حاله عندها، ويشكو إليها تعب ورهق الحب والحياة، ويصفها ببنت الحلال، مع أنه قد خاطبها بصيغة المذكر، للتدليل، ووصف جمالها عبر "ياء النداء" : يا حلو " يقول :
يَا حِلْو.. مُمْكِنْ سُؤَالْ
إِحْنَا.. لِسَّهْ عَلَى البَالْ
طَمِّنَا.. إِزَّاى الْحَالْ؟
تِعِبْنَا.. يَا إبْن الحَلاَلْ
***
إِزَّاى أَنَا أَشِيلَكْ مِنْ بَالي
وِإِزَّاى تِبْعِدْ عَنِّي يَاغَالِي
تَعَالَ لي إِشْغِلْ قَلْبِي الخَالِي
خَلِّيتْ مِنْ حُبِّنَا مَوَّالْ
***
تِعِبْنَا مِنَاهْدَه وِمِلاَغِيَّهْ
يَا جَمِيلْ قُوم بَقَى رُد عَلىَّ
إِتْكَلِّمْ يَلَّلا وِسَـمَّعْنِي
طَبْ نَظْرَة أَشُوفْ بِيهَا عُيًونَكْ
وَأَنَا عُمْرِي مَا خَادْعَكْ وَلاَ أخُونَكْ
بِتْفُوتْنِي وِقَلْبي بِيِوْجَعْنِي
تِعِبْنَا يَا إبْن الحَلاَلْ
إِزَّاى أَنَا أَشِيلَكْ مِنْ بَالي
وِإِزَّاى تِبْعِدْ عَنِّي يَاغَالِي
تَعَال لِي إِشْغِلْ قَلْبِي الخَالِي
خَلِّيتْ مِنْ حُبِّنَا مَوَّالْ
***
مَتْلِفِّشْ وِدُّورْ عَلَى قَلْبِي
بِتْحِبَّنِي بَسْ إِنْتَ مِخَبِّي
طَبْ عِينِي فيِ عِينَكْ وِنْشُوفْ
الُحب في عِينكْ أَهُو بَايِنْ
يَا حَلاَوْتَكْ فيِ التُّقْلَ يَاخَايِنْ
بِتْحِبّ وِعَامِلْ مَكْسُوفْ
تِعِبْنَا يَا إبْن الَحلاَلْ
***
إِزَّاى أَنَا أَشِيلَكْ مِنْ بَالِي
وِإِزَّاى تِبْعِدْ عَنِّي يَاغَالِي
تَعَال لِي إِشْغِلْ قَلْبِي الخَالِي
خَلِّيتْ ِمْن حُبِّنَا مَوَّالْ
ولربما قد جاء هذا التنوع في الانتقالات عبر الخطاب الشعري، فهو يكلمها، ولا ترد عليه، ويعافيها ويهدهدها، فيرتد إليه2ج ضمن ثقافة الشاعر، ومدى تعبيريته عن العصر كذلك؛ أو تطلعاته إلى التجريب، مع التمسك في ذات الوقت بالموروث الكبير للشعر العامى الذى جسد نبض الشارع المصرى في كافة العصور والحقب المتتابعة .
ويحيلنا الشاعر إلى الخطاب العاطفي الجميل، حيث الحب والروعة والسهر والعتاب، وخطاب الذات الحزينة على وجع المحبوب، فهو يناجي ذاته ويخاطب الحب عبر قلبه الذي عاش في صحراء الغرام، ولم يجد يوما مطرا، أو حبيبة تستعطف روحه الهائمة في سراب الحب، يقول:
يَا قَلْبي الحُب مِشْ لِينَا
بِنِمْشِي مَعـَــاهْ يِوَدِّينَا
لِدُنْيَـــا كُلَّهَا أَحْزَانْ
حَيَاتَكْ نُصَّهـَــا حِيرَهْ
يَا قَلْبي وِنُصَّهَـا غِيرَهْ
عَلَى حُبّ ومَا لُوهشْ أَمَانْ
يَا قَلْبي عِرفْتَها إمْتى
لا عِرْفت حتَّى مين إنتْ
وَلا طَلِّت عَليك حَتَّى
وَأَتَاريك بالغَرَام مَهْمُـوم
إنه يخاطب القلب، ويرفل في غياهب الحزن، فهو العاشق المتوله، وهو الموجوع بغرامها، لذا فهو يخاطب قلبه ليرتاح بعد أن أدناه البعاد، وهجر المحبوب، يقول :
لِيهْ يَاقَلْبي مَاتِرْتَـاحْ
مِنْ الحُب اللِّي كُلُّه جِــرَاحْ
مَا ضّيَّعْنَا فيِ غَرَامْنَا سِنِينْ
لاَكُنَّا فيِ بَالُهْ أَبَـدًا يُومْ
وَلاَحَس إِنِّي يُــومْ مَظْلُومْ
وَلاَ كُنَّا مِن العَاشْـقِينْ
يَاقَلْبي عِرِفْتَها إمْتى
لاعِرْفتْ حَتَّى مِين إنتْ
ولاطَلِّتْ عَليكْ حَتى
وَأَتَاريكْ بِالغَرَام مَهْمُـومْ..!!
وفي قصيدته : "جبت الحلاوة دي منين ..؟؟"، نلمح لطافة تصوير، وأسئلة يرجو من خلالها وصف المحبوبة، ووصف حبه لها كذلك، ولنلحظ أن الشاعر دائم الحيرة، يسأل، ويطالبها، ويلفت نظرها لتبادل السؤال، والنظر إلى حاله التي تبدلت بفعل الحب، والعشق، والهيام، يقول :
حُبَّكْ يَا جَمِيلْ هَيْجَنِّنْي
بِبَسَاطَة كِدَهْ خَدْ رُوحِي مِنِّي
إِوْعَى تِفَكَّرْ تِقْسَى علىّ
وَلاَّ تِفَكَّر تِبْــعِدْ عَنِّي
***
إِسْـأَلْ دَايْمًا عَنْ أَحْـوَالي
تَعَالى لِي وِشُـوفْ اللِّي جَرَالِي
مَجْرُوحْ بِنَظْـرِة عِينْ
أَصْل أَنَا مَقْدَرش ْعَلَى شَقَاوْتَكْ
دَاأنَا قَلْبي مِرَفْرَفْ بحَــلاَوْتَكْ
جِبْت الحَلاَوةْ دِي مِنِينْ..؟
***
دَا إِحْنَا مِنْ غِيرْ كَلاَمْ
دَايبينْ قَوِي فيِ الغَرَامْ
وِغَرَامنَا مُشْ بِإيدِينَا
مَاأنَا لِيهْ دَايمًا بَقُـولْ
الحُب دَه لُه أُصُـولْ
طَبْ لِيهْ تِقْسَى عَلِينَا
***
عَلَشَانْ كِدَهْ عَاوزَكْ بِصَرَاحَهْ
عَاوزَكْ بصَرَاحــةْ تِطَمِنِّي
حُبَّك يَاجَمِيـلْ هَيْجَننِّي
ببَسَاطَة كِدَه خَدْ رُوحِي مِنِّي
يَللِّي في حُسْنَكْ بَميلْ
مِينْ قَال مَنْتَشْ جَمِيلْ
وِكُل اللِّي شَافَكْ بيحِبَّكْ
***
لما يِغِيبْ بَسْ قَمَرْنَـا
زَىّ القَمَرْ بتْسَـهَّرْنَا
هُوه القَمَرْ إِيهْ يقْرَبْ لَكْ
عَلَشَانْ كِدَه ْعَاوْزَكْ بصَرَاحَة
عَاوْزَكْ بصَرَاحَــةْ تِطَمِّني
حُبَّكْ يَاجَميلْ هَيْجَننِّي
ببَسَاطَة كِدَهْ خَدْ رُوحِي مِنِّي..!!
ويتميز شعر أبو العلا عارف ببراعة استخدامه لفن "الديالوج" عبر الحوار الدائم مع المحبوب. ومع أنه حوار ذاتي تخييلي، إلا أنه يستلهم صورة المحبوبة ويخاطبها، كأنها متجسدة أمامه، يكلمها، ويهدهدها، ويناغيها، ويستعطفها، وهي لا تتكلم، ولا تجيبه، لتظل روحه قلقة، تصيح بالشوق، ولوعة الحب والغرام في صحارى العالم، ومدن الجمال الشعري لعاشق متلفع بالحب، وقد تعب من السهر والنجوي، يقول:
مُشْ رَاح أَكَمِّل بيكْ مِشْوَارِي
خَايْن بَسْ عِنيـكْ بِتدَارِي
يَعْني خَلاَصْ رَاح اللِّي مَابينَا
يَعْني خَلاَصْ رَاح تِبْعِدْ عَنَّا
لاَزِمْ أَخَلَّصْ مِنَّكْ تَارِي
قَبْل مَاتِقْسَى
وِقَبْل مَاتِنْسَى
لاَزِمْ تِعْرَفْ
إِن أَنَا كُنْت لِحُبَّك شَارِي
دَا أَنَا طُولْ عُمْرِي بَحِبَّـكْ
طُولْ عُمْري بِإخْــلاَصْ
وِإتْحَدِّيتْ العَــالمْ كُلُّه
وِحَتَّى كَلاَمْ النَّـاسْ
وِكِتيرْ قَلْبَكْ شـَـافْ حِنِّيَهْ
قَلْبَكْ عُمْرُه مَاهَــانْش عَلىَّ
وَآدِي آخْرِتْهَا يِجَرَّحْ فىَّ
قُول لِقَلْبَـكْ يبْعِدْ عَنِّي
مَاتْ الْحُب خـّـلاَصْ
لازِمْ أَخَلَّصْ مِنَّكْ تَارِي
قَبْل مَا تِقْسَى
وِقَبْل مَا تِنْسَى
لاَزِمْ تِعْرَفْ
إِن أَنَا كُنْت لِحُبَّكْ شَارِي
مَتْعَوِدتِشْ أَوْهِمْ نَفْسِي
إِن إِحْنَا أَحْبَـابْ
وَلاَيُومْ هَـأعْمِلْ نَفْسِي بَحِبَّكْ
أَبَـدًا وَأَنَـا كَدَّابْ
حُبَّكْ خَلاَّ العَالَمْ قَاسِي
حُبَّكْ مَوِّتْ عَنْدي إحْسَاسِي
بَعْد مَابِعْت الحُب وِنَاسِي
أَنَا مُشْ هَـ أقْدَر أَحِبَّـكْ تَاني
حُبَّــكْ كُلُّه عَذَابْ
لاَزِمْ أَخَلَّصْ مِنَّكْ تَارِي
قَبل مَاتِقْسَى
وِقَبل مَاتِنْسَى
لاَزِمْ تِعْرَفْ
إِن أَنَا كُنْت لِحُبَّكْ شَارِي
زَىّ مَاهَـانْ الحُب عَلِيكْ
وِنِسـيتْ كُلّ كَلاَمِي
زَىّ مَا قَلْبَـكْ جَرَّاحْ قَلبي
وِهَدِّيتْ كُلّ أَحْـلاَمِي
إِوْعَى تِفَكَّر تِرْجَعْ تـَــانِي
وِإسْأَلْ قَلْبَكْ مِنْ يُومْ جَانِي
إن أَنَا كُنْت في مَرَّة أَنَانِي
مِشْ هَفْتِكِرَكْ أَبَـدًا أَبَـدًا
حَتَّى وَلَوْ في مَنـَامِي
لاَزِمْ أَخَلَّص مِنَّكْ تَارِي
قَبْل مَا تِقْسَى
وِقَبْل مَا تِنْسَى
لاَزِمْ تِعْرَفْ
إِن أَنَا كُنْت لِحُبَّك شَارِي..!!
كما يتميز شعر "عارف" بالتساؤل الذاتي -طوال الوقت- ، والأسئلة التي لا تريد إجابات، فهو خطاب ذاتي متخيل، يريد منه التنفيس عن الذات القلقة، العاشقة، المحبة للكون، والعالم، والحياة، يقول :
لِيهْ الزَّمَانْ بيفَرَّقْنَا..؟
وإحْنَا يَاهَوَى لِسَّه لِحِقْنَا
وَاللهِ لِكَلاَمُه إشْتَقْنَا
والشـُّـــوق يزِيدْ لَوْ بينَّا بِلاَدْ
يَادُنيَا لِيهْ تِفَرَّقِي بِنَّا
وتبْعِدِي الأحْبَابْ عَنَّا
وتَاخْدِي أَغْلَى النَّاسْ مِنَّا
نِعِيشْ كِدَهْ عَلَى طُولْ في بِعَادْ
في عِنِينَا دَمْعَة وِوَدَّعْنَا
وسَابْ غَرَامْنَا اللِّي جَمَعْنَا
والقَلْب في البُعْد وَجَعْنَا
دَا أنَا كُل يُومْ باأشْتَاقْ لِلِقَاهْ
كَانْ لِيهْ يَاقَلْبي بِتِرْمِينَا..؟
عَلَى حُب سَافِرْ ونَسِينَا
وِهَوَانَا مِشْ سَائِلْ فِينَا
وِخَدْ كَمَانْ القَلْب مَعَـاهْ
مَاكِفَايَةْ كِدَهْ بُعْدُه عَنِّي
مِنْ يُومْ فُرَاقْنَا وِمِسْتَنِّي
يِرْجَعْ لِي يُومْ ويِطَمِنِّي
يَايجِيني بَقَى يَايَاخُدْنِي مَعَاهْ
مَلْنَاشْ حَبيبْ في الهَوَى تَانِي
إِزَّاى بيقْدَر ينْسَانِي
وَلاَكِلْمَة وَلاَمِرْسَالْ جَانِي
والقَلْب والله يُدُوب في هَــوَاهْ..!!.
وتبدو أجمل قصائد الديوان في وصفه لصورة المحب في ليلة عِيد الِميلاد، حيث يصور هذه الليلة السعيدة، الجميلة، فقد جاء منتشيا، يحمل الحب، وقلبه كهدية ليلة عيد الميلاد، فقد واعدها بلقاء الحب ليتوج عيد الميلاد ويبارك ليلتهما السعيدة، لكنه عندما جاء أصيب بصدمة ودهشة، فرمى الورد لما عرف أنها ستتزوج غيره، وتحول الشوق لديه إلى ثورة، وصدمة عاطفية حزينة، يقول :
أَنَا جِيتْ مَعَايَا هِدِيِّتِي
أَنَا جِيتْ وِسَابقْ خَطْوِتِي
مَا إحْنَــا أتْوَاعِدْنَا نُكُونْ سَـوَا في عِيدْ الميلاَدْ
مِنْ لَهْفِتِي جِيتْ بَدْرِي سـاعَةْ مِنْ قَبْل الميعَادْ
لَكِنْ لَقيتْ أَنْوَارْ
والزِّينَه فُوق الدَّارْ
وِبَنَاتْ بتِلْعَبْ في الحَـارَاتْ وَيَّا الوِلاَدْ
مَعْقُوله أشُوفْ المسْتَحِيلْ
بسُهُولَه كِدَه قَلْبِك يمِيلْ
وِتِنْسَى كُلّ مَحَبِّتِي
دَايْمًا ومَوْعُودْ بالجِرَاحْ
حَتَّى اللِّي حَبُّه قَلْبي رَاحْ
خُسَارَةْ تِنْزِلْ دَمْعِتِي..
ودَخَلْتْ أسْـأَلْ عَلِيهَا وأعْرَفْ مِنَّهَـا
ولقِيتْهَا وسْط الكُوشَةْ لِيلِة عُرْسَــهَا
ولقِيتْ فِيه وَاحِدْ غِيرِي قَاعِدْ جَنْبَهَا
***
هِرِبْ الدَّم في وَرِيدِي
رَمِيتْ الوَرْد مِنْ إيدِي
دَا أَنَا اللِّي كُنْت آسِرْهَا ومَالِكْ قَلْبَهَا
***
كَانْ حُبَّهَا وكَاتْ تِعْرَفُهْ مِنْ كَامْ سَنهَ
رِجِعْ اللِّيلَة دِي لِقَلْبَهَا عَلَى حَظِّي أَنَا
وسَأَلْتَهَا عَنْ الغَرَامْ اللِّي ساكِنْ قَلبنَا..؟
بَصِّتْ بكُل بَرَاءَةْ
ورَدِّتْ بكُل جَرَاءَة
قَالِتْ نِسِيتُهْ خَلاَصْ إنْسَاهْ بقى زَيينَا..؟
وتبدو رقة وجمال شعرية الخطاب الإنساني عبر قصيدة : "يا أمي "، فهي قصيدة تستلهم مشاعر الحب الجميل نحو الأم بما يجعلنا نشير إلى رقة قلب الشاعر، وجمال موضوع الحب المتجسد في ثالوث المحبة الإنساني السامق: حب الحبيبة، حب الأم، حب الوطن، عبر خطاب مملوء بالحب الجارف، والاحترام، فهي القلب الذي يسع العالم والأبناء، وهي ينبوع العطاء، ونهر الجمال، يقول:
يَللِّي طُولْ عُمْرِكْ يَا أُمِّي
قَلْب كُلُّه حَنَــانْ يَاأ ُمِّي
يَللِّي سَهْرَانَهْ اللَّيـَـالِي
عِشْتِ ليَّ يَاحُبّ غَالِي
يَللاَّ ضُمِّينِي بِحَنـَـانِكْ يَللاَّ ضُمِّي
كُلّ دَه عَطْف وِحَنَانْ ـ مِنْ غِيرْ مَا أَحَايْلِكْ
مَهْمَا أقُولْ لِك ْـ مِشْ هَوَفِّيلكْ جَمَـايْلِك.
ثم نراه يخاطبها بود واحترام، عبر النداء، ليصف نبع الحنان بروحها السامقة، الساهرة، وقلبها المفعم بالعطف والحب، وهو يقدر ذلك، ولا ينسى، فهي المدرسة التى علمته أبجدية الحياة، يقول :
أُمِّي يَا قَلْب الَحنُونُ
مَهْمَا كُنْت وِمَهْمَا أَكُونْ
صَدَّقِينِي يَاحَنُونَهْ إن أَنَا فيِ القَلْب شَـايْلِكْ
مَا إنتْ أَغْلَى مِنْ حَيـَــاتِي أَكِيدْ يَا أُمِّي
***
يَا أُمِّي..
يَللِّي سَــهْرَانَهْ فيِ لِيلِكْ ـ بَس أَنَا فيِ لِيلِي أَنَامْ
رَاحْتي يَاغَاليَــةْ تِهِمِّكْ ـ حَتَى لَوْ كُنْتِ فيِ أَلآَمْ
***
يَا أَغْلَى عَنْدِي مِنْ نَفْسِي
يَاحِنَيِّنَة وَلَوْ تِقْسِي
وِبِتِفْرَحِي لِفَرْحِتِي لَمَّـا بَأبْدَأْ فيِ الكَـــَلاَمْ
يَللِّي دَقَّاتْ قَلْبي مِنِّكْ وِالحَنَانْ مَوْجُودْ فيِ دَمِّي
يَا أُمِّي..
لَوْ هَشُوفِكْ يُوم ْحَزِينَهْ ـ بَكُونْ حَزِينْ
إِنْ مَاكُنْت أَعِيشْ لِكْ إِنْتِ ـ أَعِيشْ لمِينْ
***
يَاحُضْن دَافي وِأَمَانْ
يَاقَلْب كُلُّهْ حَنَانْ
يَللِّي كُنْتِ تِتْمَنِّي أَجِيلكْ مِنْ سنِينْ
وَأمَّا جِيتْ لِكْ لِسَّهْ بَرْضُه شَايلَهْ هَمِّي..!!
إن شاعرنا أبو العلا عارف في هذا الديوان مهموم طوال الوقت؛ يغني وتكسو مباني ديوانه موسيقا شجن ممتد؛ أو هي قصائد تراجيديا الوجع الزاعق؛ وموسيقا الصمت الحزين؛ يغزلها من روحهِ المُحِبَّةِ الحزينة؛ ويغني رغم الوجع والحزن؛ حتي في لحظات الحب نراها لديه لحظات تَمُرُّ مسرعةً : بين ابتسامة خاطفة؛ أو كلمة عابرة؛ لكنه يزعق في براري الحب رغم كل شيء؛ وعبر خطاب شعري مملوء بالوجع الشهي، فهو الشاعر الثائر، الرافض، المحب، العاشق، الصامت الحزين، والصارخ في برارى الذات والعالم، يَتلَمَّس كونية الشعر بر الحبيبة الغائبة، ويَتَرجَّل حصان الشعر ليتوسل السعادة، ويغني، ويشارك القارىء الغناء، علَّ الغناء يعيد الروح، ويرتق الوجع، لتخرج شمس الحب من جديد.
|