القاهرة 03 ديسمبر 2024 الساعة 11:03 ص
أكرم مصطفى
الكتابة في البلاغة السياسية دون أن يمتلك الكاتب الخيـال السياسي المطلـوب صعبة للغاية، والعكـس من ذلك صحيح؛ فحتى نقبـض علــى المجـاز السياسي الدقيق أو الاستعارة السياسية المحــددة، لا بـد من تنفيذ كثير من التمرينات على صعيـد الخيـال السياسـي، الذي يتطلـب بحثاً مخلصاً عن نسق تاريخي متكامــل أو مختبــر نمــوذجي واقعـي؛ لأن البـلاغة ليسـت ضـرباً مــن ضـروب الانتقاء والعرض والتلخيص لنصوص ومختارات متباعــدة -فهـذه ورشــة مدرسيــة عفـا عليـهـا وعلـى أصحـابهــا الزمن- بل هي خلاصة سياقها الموضوعي الذي ينبغي أن يختار بعناية فائقة.
هذا ما كان حاضرا في ذهن الكاتب والناقد الدكتور غسان عبد الخالق عندما عقد العزم على إعادة إصدار ثلاثة من كتبه هي (الدولة والمذهب)، و(بلاغة الشارع)، و(بلاغة السلطة)، في مجلّد واحد بعنوان "البلاغة السياسية من منظور حضاري" ، والذي صدر مؤخراً عن "الآن ناشرون وموزّعون"، ويقع في 606 صفحات من القطع المتوسط.
وشّرح المؤلف كتابه بهذه الإشارة الدّالة: «قد يعيد التاريخ نفسه مرّات عديدة؛ ولكن ثمنه يتضاعف في كل مرة». وقد استهل الدكتور غسان عبد الخالق تقديمه للمجلد قائلاً: «لم أكد أُصدر كتابي "بلاغة السلطة؛ نحو مختبر تطبيقي في النثر السياسي العربي)، حتى سارع بعض القرّاء والأصدقاء، إلى مطالبتي بضم هذا الكتاب إلى سابقيه: (الدولة والمذهب؛ جدل السلطة والسلطة الموازية) و(بلاغة الشارع؛ بحوث تطبيقية في النقد الثقافي)، انطلاقاً من اعتقادهم بأن هذه الكتب الثلاثة، تمثل سلسلة متّصلة، ومن المستحسن أن تُجمع في مجلّد واحد، تحت عنوان بارز ينتظمها».
وأضاف: «تفكّرت كثيراً في أمر هذا العنوان الجامع المانع، ووجدتني تارة أتحمس لنظمها تحت عنوان (البلاغة السياسية من منظور ثقافي)، وتارة أتحمس لنظمها تحت عنوان (البلاغة السياسية من منظور حضاري). وقد قرّ قراري على العنوان الثاني، لأسباب تتعلّق بأن (الدولة والمذهب) تحديدًا – وإن كان يشتمل على نصيب وافر من النقد الثقافي – أوسع إطاراً من النقد الثقافي بالمعنى الدقيق لهذا النقد، وبأن النقد الحضاري أكثر احتمالاً للسياقات التاريخية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية والأدبية، التي حرصتُ على مراعاتها في الكتب الثلاثة».
وختم عبد الخالق تقديمه العام قائلاً: «ومن البديهي أن أُعيد التذكير في هذا المجلّد، بقناعتي التي أودعتها مستهل "بلاغة السلطة" وعلى نحو أرحبُ قليلاً؛ ففي هذا الزمن الملحمي الذي يعجّ بالعلامات و والمجازات والاستعارات السياسية الكبرى، لا يعدّ الإصرار على تحجيم المبحث البلاغي - عبر اقتصاره على المضمون الأدبي وما يستتبعه من إجراءَات وتدريبات مدرسية ساذجة – مجرّد كسل علمي مفضوح فقط، بل هو خيانة سافرة للسياق والمعنى والدّلالة، وتواطؤ مكشوف على ترسيخ ضروب من الشكلانية الميكانيكية الجوفاء، على حساب الجدوى المعرفية الواقعية العملية المنشودة، والتي يصعب امتلاكها دون استيفاء السياقات التالية – في كل مبحث بلاغي- وهي: السياق التاريخي، والسياق الاقتصادي، والسياق الاجتماعي، والسياق السياسي، والسياق الثقافي / الفكري، والسياق الأدبي، والسياق التطبيقي؛ لأن البلاغة عندنا هي (الغابة) التي لا يجوز التهرّب من رؤيتها، عبر الانشغال بإحدى أشجارها!».
|