القاهرة 28 نوفمبر 2024 الساعة 05:34 م
بقلم: د. حسن العاصي – فلسطين
أجرت وكالة الأنباء الوطنية الجزائرية لقاءً معي حول الأساليب والطرق التي يلجأ لها النشطاء الفلسطينيين لنشر السردية الفلسطينية، وفضح الرواية الصهيونية التي تعتمد التزوير والتضليل لكسب الراي العام العالمي.
وبينما اتهم الفلسطينيون وأنصارهم وسائل الإعلام الغربية السائدة في أوروبا والولايات المتحدة بالتحيز لصالح الرواية الإسرائيلية للحرب، فقد تم استخدام منصات الإنترنت بما في ذلك مواقع التواصل الاجتماعي على نطاق واسع من قبل الناشطين المؤيدين لفلسطين في جميع أنحاء العالم لمواجهة هذا التحيز وتزويد جمهور الإنترنت بالجانب الفلسطيني من القصة.
واستكمالا لنص الأسئلة والأجوبة:
3. ما هو تأثير حملات الهاشتاغ (مثل #FreePalestine) على الرأي العام الدولي وحشد التضامن مع الفلسطينيين؟
لقد أحدث العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني تحولاً كبيراً في الرأي العام العالمي، عبر التواصل عبر الإنترنت والتعبئة والتأثير على السياسة وتغيير التصورات الدولية وتشكيل الحركات الناشطة. وأصبحت الوسوم أداة مهمة في نسج السرديات المعقدة على الإنترنت. مثل هاشتاغ #FreePalestine الذي أثبتت الدراسات أنه لا يُحدِث تغييرات في الرأي العام على الإنترنت فحسب، بل إنه يحشد أيضاً العمل الحقيقي ويشكل السرديات العالمية التي تؤثر على السياسة والأعمال. يشمل تحول الرأي العام تغييرات في مواقف الناس ووجهات نظرهم بشأن قضايا معينة. يقدم هاشتاغ #FreePalestine مثالاً ملموساً لكيفية أن تكون وسائل التواصل الاجتماعي عاملاً في تحويل الرأي العام. في تطوير هذه الحملة، يمكن ملاحظة أن وسائل التواصل الاجتماعي ليست مجرد وسيلة لنقل الرسائل، ولكنها أيضاً أداة لحشد الدعم الجماهيري. تُظهر الأنشطة على وسائل التواصل الاجتماعي، وخاصة تلك المتعلقة بهاشتاغ #FreePalestine، التأثير الكبير للجهات الفاعلة والمؤثرة. يمكن للرسائل التي تنقلها الشخصيات المؤثرة أن تكتسب بسرعة انتباه الجمهور وتشكل آراءهم.
لا يعكس الهاشتاج رد فعل على الأحداث الجارية فحسب، بل يرمز أيضاً إلى المقاومة والنضال طويل الأمد. إن استخدام مثل هذه الوسوم كوسيلة للتضامن يخلق بُعداً تاريخياً يربط الماضي والحاضر والمستقبل. وتضيف مساهمة وانخراط الفاعلين المتضامنين الأفراد والمنظمات غير الحكومية في حملة الهاشتاغ بُعداً سياسياً وإنسانياُ وسعاً. ومن خلال هذا الدعم السياسي والإنساني، تساهم الحكومات والمنظمات غير الحكومية في إنشاء سرد أكثر إنصافاً للقضية الفلسطينية.
على سبيل المثال، يوجد في منصة التواصل الاجتماعي تويتر، هناك موضوع بارز ومهيمن في الغرفة X، ألا وهو الحوار السياسي، والذي يشمل هاشتاجين رئيسيين: #IsraelVsPalestine مع 20000 تغريدة و#BusinessPalestine مع 5000 تغريدة. وغالباً ما يعمل الحوار السياسي على تويتر كمساحة للتعبير والنقاش المتعلق بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني. يشير الهاشتاج #IsraelVsPalestine إلى الاهتمام والمشاركة العاليين، مما يعكس التوتر السياسي واستقطاب الآراء بين مستخدمي تويتر. بالإضافة إلى ذلك، يوفر #BusinessPalestine منظوراً أكثر تحديداً يتعلق بالجوانب الاقتصادية للصراع، مما يعكس الاهتمام والمخاوف بشأن التأثير الاقتصادي للصراع. على منصة فيسبوك، الموضوع المهيمن هو التضامن الفلسطيني، ويمثله هاشتاغان رئيسيان: #FreePalestine مع 10000 تغريدة و#SupportPalestine مع 8000 تغريدة. يعكس هذا التضامن دعماً واسع النطاق من مستخدمي فيسبوك لحرية فلسطين وقد يشمل حملات أو مبادرات مختلفة تؤكد على الجوانب الإنسانية والعدالة الاجتماعية. يشير العدد الكبير من التغريدات تحت كلا الهاشتاغين إلى قوة حركة التضامن هذه بين مستخدمي فيسبوك، مما يسلط الضوء على الدور الحاسم لوسائل التواصل الاجتماعي في تبني وتوحيد وجهات النظر بشأن الموقف من العدوان الصهيوني على الشعب الفلسطيني.
4. كيف تؤثر الرقابة الرقمية على المحتوى الفلسطيني؟ وما هي التحديات التي يواجهها النشطاء في إيصال صوتهم للعالم؟
القيود والرقابة لها تأثير بعيد المدى على قدرة الناس على التواصل والتنظيم وتبادل المعلومات، وتحد من نقل الصورة والمعلومة الحقيقية للآخرين. عندما يتم حظر حسابك أو إزالة المحتوى الخاص بك، فمن الواضح أن هذا ينتهك قدرتك على ممارسة حقك في حرية التعبير عبر الإنترنت. وهذا ما تعتمده إسرائيل في محاولتها خنق ووأد الحقائق ومنع انتشار صور الظلم والقتل والدمار والتنكيل وهدم البيوت الذي يمارسه جيشها.
خلال أزمة حي الشيخ جراح في القدس حول عمليات الطرد الوشيكة في أوائل مايو/ 2021 على خلفية قرارات قضائية إسرائيلية تقضي بإخلاء منازل في الحي من سكانها الفلسطينيين لصالح جمعيات استيطانية صهيونية.
حيث أطلق الناشطون الفلسطينيون وأنصارهم في الخارج ناقوس الخطر بشأن حالات عديدة من إزالة منشوراتهم على وسائل التواصل الاجتماعي والوسوم وحساباتهم أو إغلاقها أو تقييدها بطريقة أخرى. أثارت هذه السلسلة تساؤلات حول دور شركات التكنولوجيا الكبرى مثل فيسبوك وتيك توك وإنستغرام وتويتر في تعميق اختلال التوازن في القوة بين الإسرائيليين والفلسطينيين، والطرق التي تساهم بها الرقابة على الفلسطينيين والناشطين من أجل حقوق الفلسطينيين في التخلص من الاحتلال والتشريد والظلم المستمر.
تم تعليق حساب الصحافية الفلسطينية منى الكرد على منصة إنستغرام لفترة لأنها وثّقت الانتهاكات الصهيونية اليومية التي تحدث في القدس. كما تم إزالة محتوى شقيقها محمد الكرد بسبب "خطاب الكراهية"، على الرغم من أنه قال إنه كان يصور عنف الشرطة الإسرائيلية ببساطة دون تعليق نصي.
والعديد من الفلسطينيين يشتكون أن قصصهم على وسائل التواصل الاجتماعي وخاصة إنستغرام وفيسبوك تتلقى مشاركة أقل ومشاهدات أقل لأسباب غير مفسرة. وفي الوقت نفسه تتم تعطيل حسابات مجموعات تضامنية مع الفلسطينيين والتي تضم مئات الآلاف من الأعضاء بصورة مؤقتة أو بصفة نهائية بسبب "مخالفة معايير المجتمع". أثيرت أسئلة أيضاً على تويتر عندما تم تعليق حساب الصحافية الفلسطينية مريم البرغوثي أثناء تقديمها تقريراً من مظاهرة تضامنية في الضفة الغربية المحتلة. أخبر تويتر لاحقاً موقع Vice أن القرار اتخذ عن طريق الخطأ - على الرغم من أنه فشل في توضيح الجزء المحدد من شروط الخدمة الذي اعتقد في البداية أن البرغوثي انتهكته.
علقت العديد من جماعات حقوق الإنسان على أن أي رقابة من عمالقة وسائل التواصل الاجتماعي قد ترقى إلى تدمير الأدلة في وثائق جرائم الحرب، والتي تراقبها المحكمة الجنائية الدولية حالياً فيما يتعلق بالعدوان الصهيوني الأخير.
في الوقت الذي يقوم فيه الفلسطينيون والمؤيدون لهم بتوثيق العنف الوحشي الصهيوني وجرائم الاحتلال من خلال الصور ومقاطع الفيديو، مع استخدام هاشتاغات باللغتين الإنجليزية والعربية. فإن النشطاء والمدافعين عن الحقوق الرقمية والمستخدمين انتقدوا منصات التواصل الاجتماعي بسبب الأدلة المتزايدة على الإزالة غير المبررة للمحتوى المؤيد للفلسطينيين. اعترف فيسبوك الأسبوع الماضي بأنه وصف بشكل غير دقيق بعض الكلمات التي يستخدمها الفلسطينيون عادة عبر الإنترنت (بما في ذلك "الشهيد" و"المقاومة") على أنها تحريض على العنف.
بين أكتوبر ونوفمبر 2023، وثقت هيومن رايتس ووتش أكثر من 1050 عملية إزالة وقمع أخرى للمحتوى على إنستغرام وفيسبوك نشره فلسطينيون وأنصارهم، بما في ذلك عن انتهاكات حقوق الإنسان.
5. **كيف يمكن تعزيز المقاومة الإلكترونية في المستقبل؟
لقد حولت سهولة وسرعة المشاركة وإعادة التغريد وإعادة النشر وسائل التواصل الاجتماعي إلى أداة حاسمة في هذا التحول الناجح في السرد. جدير بالأهمية أن يستمر ويتواصل ويتطور عمل ودور وفاعلية المواطنين الفلسطينيين العاديين الذين يغطون بكاميرا الهاتف الأحداث التي تقع في فلسطين، من اعتداءات وقتل يقوم بها جنود جيش الاحتلال الصهيوني، الأمر الذي يؤدي إلى مضاعفة التضامن الدولي مع القضية الفلسطينية، ونزاهة الجمهور المتلقي.
ومن المهم تعزيز استقطاب الرأي من خلال استخدام الناشطون والمجموعات المهتمة بالقضية الفلسطينية فيسبوك كأداة لحشد الدعم ونشر الرسائل. حيث تكتسب الحملات عبر الإنترنت والعرائض والدعوات للتضامن زخماً من خلال كثافة التفاعلات على المنصات، مما يخلق تأثيراً كبيراً على الرأي العام.
أيضاً تشجيع عدد أكبر من المشاهير الإعلان عن مواقفهم من الغطرسة والتوحش الصهيوني علانية في مواقع التواصل الاجتماعي بدلاً من التحدث بها في غرف مغلقة، كما فعلت المغنية البريطانية من أصل ألباني "دوّا ليبا" التي أعلنت صراحة تضامنها مع فلسطين ومع غزة، وطالبت إسرائيل بوقف حملة التطهير العرقي والإبادة الجماعية بحق الفلسطينيين. كلك دعا الممثل والمخرج والمنتج الأمريكي الشهير "مارك روفالو" إلى فرض عقوبات على إسرائيل، وطالب بوقف الدعم الأمريكي لإسرائيل الذي اعتبره أنه يغذي العنف ويعيق وقف إطلاق النار. وكتب تغريدة على موقع تويتر يدعم فيها سكان قطاع غزة، وحصدت أكثر من 15 مليون مشاهدة، وعشرات آلاف الإعجابات، وآلاف التعليقات خلال 24 ساعة فقط.
كما استخدمت العارضتان جيجي وبيلا حديد، ووالدهما فلسطيني، حساباتهما على وسائل التواصل الاجتماعي - التي تضم أكثر من 108 ملايين متابع مجتمعين - للتعبير عن دعمهما لفلسطين. وتصل منصاتهما الضخمة إلى الملايين في غضون ثوانٍ.
كل هذا يساعد في دفع التغيير في السرد الصهيوني المهيمن والسائد. حيث لا يمكن اعتبار وسائل الإعلام التقليدية مصدراً موثوقاً للحقائق. وهنا يبرز دور الإعلام الرقمي كأحد سلاح مقاومة العدوان الصهيوني، خاصة في الوقت الذي يتعذر فيه وصول الصحفيين والمحققين إلى أماكن كثيرة في فلسطين محدود للغاية لأسباب متعددة، فتصبح المسؤولية على عاتق المواطنين الذين يتحولون إلى صحفيين ينقلون جرائم الجيش الصهيوني إلى العالم خلال ثوان معدودة، وبوسائل بسيطة.
ومن المهم زيادة وتعميق التواصل ما بين النشطاء والفاعلين فيما بينهم، وفيما بينهم وبين شعوب العالم لزيادة الوعي بالقضية الفلسطينية وتعقيداتها، ولنقل صورة حقيقية عن حياة الناس ومعاناتهم اليومية نتيجة الاحتلال العسكري الإسرائيلي. وكذلك القيام بالعديد من الحملات والعرائض، أو حملات هاشتاغ، أو جمع الأموال للمشاريع على الإنترنت لدعم صمود الشعب الفلسطيني.
هذه الحملات المستمرة المنتظمة يجب أن تركز على أولاً: الدعوة إلى مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها (BDS)؛ وثانياً: زيادة الوعي بقضية فلسطين من خلال الأنشطة على الإنترنت وعلى الأرض. فيما يتعلق بمقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها. مع وجوب أن تشمل الأنشطة تشجيع المتسوقين على مقاطعة المنتجات من المستوطنات الإسرائيلية. ووقف التعاون العلمي والأكاديمي مع الجامعات ومراكز الأبحاث الإسرائيلية، وممارسة الضغط رقمياً على الممثلين والفرق الموسيقية والمغنين الدعوة والتوقف عن القدوم إلى إسرائيل. ولزيادة الوعي بقضية فلسطين مهم تزويد الجماهير عبر الإنترنت على مواقع التواصل الاجتماعي ومواقع المجموعات بقصص ذات طبيعة حقوقية، وإنسانية، تتضمن مثل هذه القصص معلومات عن الظروف المعيشية للشعب الفلسطيني في ظل الحكم العسكري الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية المحتلة.
من المهم تغيير الطريقة التي كان يرى بها العالم الاعتداءات الإسرائيلية المتواصلة على الشعب الفلسطيني. فالفلسطينيون، وبخاصة الذين يعيشون في غزة الآن، ليس لديهم خيار سوى أن يكونوا صحفيي حرب.
|