القاهرة 26 نوفمبر 2024 الساعة 11:19 م
المحرر الثقافي
شهد اليوم الثلاثاء إقامة جلسة بحثية بعنوان "شهادات عن أدب الحرب"، وذلك ضمن فعاليات الدورة السادسة والثلاثين للمؤتمر العام لأدباء مصر، الذي يحمل عنوان "أدب الانتصار والأمن الثقافي.. خمسون عامًا من العبور"، والذي تنظمه الهيئة العامة لقصور الثقافة، بإشراف الكاتب محمد ناصف نائب رئيس الهيئة، وتحمل الدورة اسم الكاتب الكبير "جمال الغيطاني"، ويرأس المؤتمر الدكتور أحمد نوار، والأمين العام للمؤتمر الشاعر ياسر خليل.
وشارك في مناقشات الجلسة البحثية: د. أحمد إبراهيم الشريف، أحمد محمد عبده، السيد نجم، شعبان يوسف، وأدار الجلسة د. الضوي محمد الضوي.
* أحمد إبراهيم الشريف: الوعي العميق والتأمل بجانب المشهدية ملامح واضحة في أدب الحرب
وتحدث د. الشريف عن مذكرات أحمد حجي ومشاركته في حرب الاستنزاف، حيث كان طبيبا يشارك في حرب الاستنزاف، والملاحظ أن الكتابة مميزة جدا والمذكرات ترصد الفترة من ابريل 1969 حتى ديسمبر 1970، وهو يحكي عن تفاصيل قصص الأبطال، ويرصد حكايات مدهشة عن قصص الأبطال من القادة والجنود، والبطولات الفردية التي قدموها من أجل تحقيق نصر ينهض بالأمة.
المدونة التانية التي توقفت عندها هي كتاب جمال الغيطاني الذي يحكي فيه عن قصص وحكايات الحرب، ومن أبرز الحكايات التي توقفت عندها رؤيته ووصفه لكتيبة من العدو بعد انتصار أكتوبر، حيث تشعر أن الكتيبة الإسرائيلية أنهم عصابة من مختلف البلدان ولا يشعرون بإحساس أصحاب الأرض.
ومن النماذج التي توقفت عندها أيضا نص "رحلة الساق المعلقة" للعميد عادل يسري:
"العربة المدرعة تسرع ليلا، إنها تتحرك بصعوبة تتجه إلى الغرب، إلى السويس، داخل العربة ثلاثة أفراد، قائد وساق ومجند يرقد على الكنبه وساقه تنزف وهو ينظر إلى السماء"
وهنا ترى المشهدية تسيطر على الكتابة، كما يرصد الكاتب مدى الشجاعة والصبر عند المقاتل المصري، وقدرته على إدارة جنوده رغم أنه أصيب.
"وفجأة أسمع صوت انفجار عنيف، وأرى للحظات ضوءا مبهرا ثم أقع على الأرض، أمد يدي أتحسس ساقي فلا أجدها، رفعت رأسي في السماء، أشكر الله أنه حقق لي فرصة التضحية من أجل مصر"
هذه النماذج التي اخترتها تكمل بعضها، ففيها درجة عالية من الوعي، كما تصف قصص التضحية والفداء، وفيها درجة من التأمل، وكاشفة بشكل دقيق عما حدث في الحرب.
* أحمد محمد عبده: النماذج النسائية قدمت بطولات غير عادية واعتبرهن جنود بلا خوذة
بينما استعرض "عبده" بطولات النساء المصريات اللاتي أدين ادوارا مهمة في الحرب، وكأنهن امتداد لكل نساء مصر العزيزات، وقد أسميتهن "جنود بلا أفرول ولا خوذة"، فهن بالفعل كن جنود في قلب المعركة، بينهن نساء من مدن القناة رفضن التهجير، ووقفن بجانب الجيش، وهناك نماذج نسائية في شرق القناة ايضا في سيناء.
ولنأخد نموذج من غرب القناة، وهي السيدة، خضرة ام ابراهيم، قد لقبت باسم "أم الصاعقة"، فعندما حدثت المعركة في منطقة أبو عطوة، حين وصلت قوات شارون يوم 19 أكتوبر بعد الثغرة، كادت القوة الإسرائيلية أن تقتحم الإسماعيلية، ودفع الجيش المصري أربع كتائب صاعقة عند الثغرة، من قرية سرابيون حتى قرية أبو عطوة، واستماتت هذه الكتائب في القتال حتى لا يصلوا الإسماعيلية، وكان قائد هذه الكتائب الضابط أحمد السيد إسماعيل، وقد تحدث إليه الرئيس السادات شخصيا عبر اللاسلكي موجها إليه بأن: "حافظ على الإسماعيلية بحياتك"، وبالفعل استمات أحمد السيد إسماعيل في القتال حتى طردوا دبابات العدو.. أما دور السيدة خضرة فهو أنها كانت تقوم بنفسها -بدون أي تميف أو توجيه من أحد- كانت تحمل المصابين والشهداء على العربة الكارو، وتصل بهم إلى للمستشفى الميداني لإسعافهم، وبعد انتهاء الحرب أسموها "أم الصاعقة" لما قامت به من دور بطولي.
السيدة الثانية هي "أم رفاعي"، وهي إحدى فلاحات قرى فايد جنوب الإسماعيلية، فعندما حدثت الثغرة كانت القوات الإسرائيلية تقوم بالقبض على الكثير من الشباب في معسكر، فكانت السيدة الفلاحة "أم رفاعي" تقوم بإخفاء الجنود والعساكر المصريين في بيتها على مسؤوليتها لحمايتهم من الأسر، رغم ما يمكن أن تتعرض في حال اكتشف الإسرائيليون أمرها.
فلاحة أخرى من إحدى قرى فايد تم ذكرها في بعض الشهادات، هذه الفلاحة تمكنت من أن ترصد قوات العدو وتبلغ القيادة المصرية بتحركاتها، وكانت تتجول في الحدائق ممسكة بابنها ومعها عنزتها، ثم تعود محملة بالمعلومات للقيادة المصرية.
وهناك نموذج نسائي بطولي آخر من وسط سيناء هي "أم الأبطال" واسمها سالمة شميغ، كانت فدائية، وعقب مقتل زوجها في 1967، أخذت على عاتقها أن تزرع الألغام هي وولديها في طريق الجيش الإسرائيلي، حيث كانت تحمل اللغم في خرج الحمار، ولكن بعد مرور شهرين انفجر لغم بالخطأ في ابنها موسى فاستشهد، فواصلت بابنها محمد المهمة، لكن القدر تنفجر في عربة من عربات العدو فتأسره قوة أخرى قريبة من قوات العدو، فذهبت "سالمة" إلى القائد الإسرائيلي وطلبت رؤية ابنها الأسير، ثم عادت من جديد لمواصلة مهماتها الفدائية، رغم كونها سيدة عجوز ضعيفة، ولكنها كانت تقوم بعمليات في منتهى الخطورة.
السيدة الثانية من سيناء هي "فاطمة" أم علي بركات من جنوب سيناء، وقد حدث أن قامت قوات العدو بأسر كتيبة مصرية، ولكن هرب من الكتيبة المصرية خمسة جنود اختفوا في مغارة في جبل في جنوب سيناء، فكانت السيدة فاطمة تمدهم بالطعام والماء والاعشاب لمدة ستة شهور كاملة، حتى تمكنوا من العودة سالمين إلى القاهرة.
وهذه نماذج بطولية من النساء اللاتي كان لهن دور مهم في الحرب.
* السيد نجم: يجب ضبط التعريفات العلمية الخاصة بالأدب المرتبط بالحروب
وقدم "نجم" ورقة بحثية بعنوان "أطياف من الكتابة الأخرى"، مستعرضا نماذج توثيقية أرخت للحرب، وقال "نجم": باعتباري أحد جنود 1973، فلا بد أن اسجل أن هذه الدورة من المؤتمرات تعد بداية حقيقية للاحتفال بنصر أكتوبر، وهذا جهد غير عادي للاحتفال بالنصر من قبل الثقافة الجماهيرية، وما دفعني لقول ذلك أنني كنت أتمنى أن تتم هذه الاحتفالية طوال الخمسين سنة الماضية، وما أحزنني أنه بعد مرور 25 عام على حرب أكتوبر قامت إسرائيل من خلال إحدى جامعاتها ببحث ما حدث في أكتوبر، لهذا أكرر الشكر أننا أخيرا فعلنا ذلك بعد مرور 51 سنة على النصر.
كما ارجو أن نخرج من هذا المؤتمر بالاتفاق على تعريفات علمية حول هذه الحرب، وأن يحدث انضباط علمي في المصطلحات، فلا نقول "أدب حرب"، بل "التجربة الحربية"، فهي ثلاث مراحل: مرحلة ما قبل الحرب، وأثناء الحرب، وما بعد الحرب، فهناك اختلافات معرفية وثقافية حول ما حدث، وخصائص كتابات كل مرحلة معركة، لذا فإن مصطلح "أدب التجربة الحربية" يعتمد على ثلاث عناصر المكان والزمان والكاتب، عنصر الزمان ما قبل وأثناء وبعد المعارك، وعنصر الكاتب هو الجندي الذي يحمل السلاح، أو المدني الذي يشارك ويدعم المعرك بأشكال مختلفة، مثل قصة "حسين عيد" عن الطفل الذي يستمع للبيانات العسكرية وتطول أذناه.
وكما أن هناك مجند ومدني، هناك إنسان آخر عسكري ومدني، مثل جمال الغيطاني الذي نحتفل به وبأعماله التي نجد فيها البطولة والحرب، والقيم الإنسانية، فقد التقط الغيطاني هذه الحالة وسجلها لأنه عاش تجربة الحرب وهو مدني.
المصطلح الثاني هو الأدب الريبورتاجي، واول من أطلقه هم الروس في الحرب العالمية الأولى، وتعمدوا أن يأتوا بأعمال الكتاب، والنكت، والكاريكاتير، والمذكرات، ويجمعوها في أدب آخر مختلف، أطلقوا عليه أدب الريبورتاج، وقد فعلت إسرائيل ذلك عندما أقامت متحف لما كتب بعد حرب 1967، فكل ما كتب عن الحرب يجب أن يجمع بشكل علمي ليكون مادة للباحثين.
* شعبان يوسف: أدب الانتصار هو أدب الأمل وتجاوز الهزيمة
وقد الباحث شعبان يوسف ورقة بعنوان "أدب الانتصار"، وذكر أنه يقصد به الانتصار الخالص، أما أدب الحرب فهو يعني أدب الانتصار والهزيمة معا، ونحن اليوم نحتفل بشيئين: الانتصار، والكتابات التي كتبت عن الانتصار.
وقال: يجب رصد الكثير من التجليات التي تصاحب الحرب، وخلال بحثي في أرشيفي وجدت رسائل من جنود مقاتلين في الحرب، بعضها كتب بشكل انفعالي، كما وجدت رسائل خاصة جدا لأحد مقاتلينا في حرب 48 يرسل رسائل عما يحدث معه في الجبهة، وهناك الرسومات على الحوائط، والتعبير عن المشاعر الإنسانية التي حدثت بعد الهزيمة أو النصر، وهناك أيضا قصائد منشورة في بعض دواوين الشعراء عن حالة الهزيمة أو النصر، كذلك في الكتابات المسرحية، وهكذا لا يمكن أن نختصر الانتصار، فمن المهم أن نرصد تجليات هذا الانتصار.
في الرسائل التي تحدثت عنها في 48 كنا نجد في الرسائل احساس بالقهر، وإحساس بالتطلع إلى الانتصار، وأعتبر أن جمال الغيطاني مثلا فارس كتابة الانتصار مثل مجموعته القصصية "أرض أرض"، و"الرفاعي"، و"حكايات الغريب"، وكتابه "إلهام المصريون والحرب".
فلا يمكن نتحدث عن أدب الانتصار في لحظة شعرنا بالزهو بها فقط، وأنا من أبناء التفاؤل، وشعارات الانتصار التي سوف ترفع يوما ما على رؤوسنا، وأرى أن أدب الانتصار هو أدب الامل وتجاوز الهزيمة، والذهاب إلى النصر، وهذا المؤتمر يعد تكريس لما حدث، وليس بداية الاحتفال.
يذكر أن فعاليات المؤتمر العام لأدباء مصر في دورته السادسة والثلاثين بمحافظة المنيا تقام لمدة أربعة أيام، تنتهي غدا الأربعاء، ويرأس المؤتمر الفنان الدكتور أحمد نوار، والأمين العام للمؤتمر الشاعر ياسر خليل، ويقام المؤتمر بإشراف الإدارة المركزية للشئون الثقافية، وينفذ من خلال الإدارة العامة للثقافة العامة، بالتعاون مع إقليم وسط الصعيد الثقافي، وفرع ثقافة المنيا، ويشهد 6 جلسات بحثية، وعددا من الموائد المستديرة، بجانب الأمسيات الشعرية والقصصية، ومعارض الكتب والحرف والفنون، وندوات ثقافية، بمشاركة عدد كبير من الأدباء والباحثين والنقاد والإعلاميين ونخبة من الشخصيات العامة بالإضافة إلى ممثلي أندية الأدب، والأمانة العامة، وذلك بهدف دعم وتنشيط الحركة الأدبية فى مصر، وتسليط الضوء على الإبداع الأدبي والرموز الثقافية.
|