القاهرة 26 نوفمبر 2024 الساعة 10:11 ص
إبراهيم المليكي ـ الجزائر
رواية "الحلقة المفقودة" للكاتب اليمني عبداللطيف حيدر هي أيقونة للكفاح والإصرار على الوصول، فحين يختار الإنسان طريقاً يمكنه إدراكه ولو بعد حين.
يقول الكاتب عبداللطيف حيدر على لسان بطله "فارس" الذي اختار له أن يكون مبدعاً -وبالأخص كاتباً روائيّاً- في تقديم روايته للجمهور وكأنه يتحدث عن عموم الكتاب الروائيين في العالم كله: "إن لسان الروائي ثقيلٌ جداً وخياله قحط، فالكلمات تفلت مني فلا أجد المفردات التي تصف بذخ هذه اللحظة وحدود كرم هذا الجمع الذي منحني تشريفاً يفوق ما تعنيه رواية كاتب مجهول -مجازياً على الأقل-، ولكن الكلمات أرواح، وفرسان الكلمات هم صناع الأرواح الفعليون، ثم يمنحونها كرامة لهذه الأرض لتبقى للأبد، هذه هي رسالتهم العظيمة ومهمتهم المقدّسة، وهذا الجمع الموقر أحد كرامات هذا الوجود وهباته العجيبة التي تستحق عظيم الامتنان".
ويصوغ الكاتب حكمة حياتية باقية بقاء الإنسان على الأرض، إذ يوضح الفارق بين نظرة الفقير والغني للحياة، ومن ثم للوقت؛ ليس فقط الأيام، بل الساعات والدقائق؛ يقول عبداللطيف حيدر على لسان فارس كذلك:
"لا يحق لنا أن نرتاح أو نهدأ على الأقل، فنحن في عمق دوامة صراع وجودي كل يوم بل كل لحظة، وليس أمامنا إلا محاولة النجاة إن كان ذلك خياراً، فالساعة والدقيقة واليوم يُحدثون فارقاً كبيراً بالنسبة لنا، لكنهم ليسوا كذلك بالنسبة للمترفين ومُلَّاك الحياة، فغيابك لساعات قليلة أو أيام أو تقصيرك بأدنى حد ممكن قد يكون سبباً في فقدان الكثير، وقد يسلب ذلك منك فرصة العمر، بينما سفر المترف لأشهر في نعيم جزيرة نائية يكاد لا يُحدث فرْقاً في حساباته وربما لا يعني الكثير، فالحياة تدور في فلكه. أما نحن الكادحون، فنحن من نصنع الحياة وندور في فلكها ثانية بأخرى".
يقول حيدر على لسان أحد أبطاله "خالد" الصحفي الحر: "فالثورة مبدأ، والشعوب دائماً صاحبة الحق وآن أوان الحلم بدولة تليق باليمنيين وبتاريخهم الحضاري والتخلص من حكم الفرد وسلطان العائلة التي استحوذت على مقدَّرات البلاد وسخَّرتها لمنافعها الشخصية ووضعت البلاد في مستنقع التخلف".
مضيفاً: "جميعنا يعلم أن هذا الطريق الذي نسلكه شاق وطويل، ولكن قِيمنا ووطنيتنا وحلمنا ومبادئنا تحتم علينا انتهاج هذا السبيل انتصاراً للوطن والشعب وللقيم الإنسانية والحضارية. الثورة إرادة شعب وحق الشعب أن تُحترم هذه الإرادة، كنا وسنظل مخلصين لقِيمنا ومهنيتنا وكرامتنا ووطننا، وجميعها اليوم تصب في بوتقة واحدة هي طريق الثورة".
ويصف الكاتب خلاصة رأي الحب لدى بطله "فارس"، الذي جمع بين الطب والكتابة فتوافر له حسٌّ راقٍ ومشاعر فياضة؛ يقول حيدر: "حب الحبيب يأتي على أنواع أقصى درجاته هو الإعجاب، لكن يفهم الناس عكس ذلك، فيعتبرون الإعجاب بداية الحب كما هو الشائع، فهناك الحب الغريزي: والذي هو الميل الطبيعي نحو الجنس الآخر والتعلق به اندفاع مشفوع بغريزة الاشتهاء الوجداني، وهذا هو الحب الأعمى؛ لأن الدافع هنا العاطفة دونما وعي فلا يهم شكل الحب ولونه وتفاصيله، أنت ترى الحياة في عينيه وتستنشق عبير السعادة حين يمر طيفه لمجرد أنه هو، وهذا هو الحب غير الناضج وقد يدفع بالمحب إلى الضرر بذاته وبالآخر إن لم يحقق له ما يريد، وهذا هو حب أساطير العشق، لكن أشد الحب وأقواه وأنضجه هو ذاك المدفوع بدهشة وإعجاب متراكم وإقناع وجداني وعقلي، فتُعجب بالشخص لذاته وصفاته وشخصيته وتفاصيله".
وقرب نهاية الرواية يسترسل الكاتب في عصف ذهني داخل رأس بطله "فارس" في حالة تصدق على عدو فرد، أو جماعة، أو فريق، وربما دولة، فيقول حيدر:
" العروش تعرف أصحابها، والممالك تحِن دوماً لروح ملوكها، تنهار الأكاذيب والزيف، وإن وجدت مساراً خاطئاً للصعود المؤقت، فيما تظل الحقائق الحقيقة الوحيدة الماثلة للعيان. نحن الصدق، والحقيقة والفضيلة، من أين أتيت أيها الغريب النكرة المتعجرف؟ أي غابة نشأت فيها بعيداً عن البشر حتى لا تفقه أساسيات علاقات بني الإنسان ببعضهم؟! لقد كنت مجرد أكذوبة وخدعة، كنت بالونة ضخمة سرعان ما انفجرت واختفت. نحن القوة أيها الغريب الواهن الهش الجبان، نحن التحدي والصلابة والمعاناة، نحن الأخلاق والقيم والإلهام والحب، نحن نأخذ من الحياة ما نستحقه بصنيع أفعالنا وجَلَد نضالنا وقوة صبرنا وتحملنا، لقد خرجنا للحياة مقاتلين منذ نعومة أظفارنا، فقد وضعت رؤوسنا بين جبال لا تقوى على رؤيتها، فكيف لك العيش فيها؟".
|