القاهرة 26 نوفمبر 2024 الساعة 10:08 ص
بقلم: د. حسن العاصي - فلسطين
أجرت وكالة الأنباء الوطنية الجزائرية لقاءً معي حول الأساليب والطرق التي يلجأ لها النشطاء الفلسطينيين لنشر السردية الفلسطينية، وفضح الرواية الصهيونية التي تعتمد التزوير والتضليل لكسب الرأي العام العالمي.
طالما كان للسردية موقعاً مفصلياً بتاريخ الصراع الفلسطيني الصهيوني، في تشكيل الرأي العام الإقليمي والدولي، وتوجيه السياسات الحكومية. يزداد هذا الدور تأثيراً خاصة مع سعي إسرائيل لإقامة علاقات مع محيطها، وتمكنها من تحقيق اختراقات تطبيعيةمع بعضالدول العربية. ثم حدث العدوان الأخير على قطاع غزة فانقلبت بعض الموازين لصالح السردية الفلسطينية في أماكن متعددة من العالم. وكشف العدوان زيف السردية الإسرائيلية القائمة على فكرة ترويج المظلومية والدفاع عن النفس في وجه التهديد الخارجي.
تمكنت السردية الفلسطينية من كسب التضامن والتأييد الشعبي والرسمي بفضل جهود المثقفين والنشطاء الفلسطينيين في مختلف بقاع العالم، وبفضل المتضامنين العرب، وحركة التضامن الدولي، الذين نقلوا معاناة الشعب الفلسطيني جراء سياسات الاحتلال إلى العالم. وعلى الرغم من السيطرة الصهيونية على الإعلام الغربي، والديبلوماسية الإسرائيلية الناعمة، تمكنت السردية الفلسطينية من الوصول والتأثير على الكثير من الشعوب في العالم، بفضل المصداقية والأدلة المنطقية، والمشاهدات المباشرة لعذابات الفلسطينيين. ولم تتمكن الرواية الصهيونية من إخفاء وتبرير قتل الأطفال وحرق النساء، وتدمير المباني واقتلاع الأشجار، وتجويع شعب كامل آمن يعيش تحت إرهاب دولة إسرائيل.
لقد أصبحت وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي خلال العقدين الماضيين، أدوات قوية وفعالة في تشكيل ونشر السرديات. حيث تمكن الفلسطينيون من الاستفادة المثلى منها لإخبار العالم عن معاناتهم اليومية، ومن نقل الاعتداءات الصهيونية بشكل لحظي، تدعمها شهادات حية للناس مما عزز السردية الفلسطينية وأثبت مصداقيتها.
فيما يلي نص الأسئلة والأجوبة:
1. كيف يستخدم النشطاء الفلسطينيون منصات الإعلام الاجتماعي في نشر قضيتهم والتوعية بانتهاكات الاحتلال؟
منذ ظهور وسائل التواصل الاجتماعي المتعددة، بدأت معركة جديدة من نوع مختلف، معركة رقمية لا تقل أهمية وشراسة عن معركة الصواريخ والبنادق، بين الفلسطينيين والأشقاء والأصدقاء الأمميين الداعمين من جهة، وبين الكيان الصهيوني ومن يدعمه من جهة أخرى. معركة مهمة تدور رحاها على الشبكة العنكبوتية، وتتواصل بصوت عال وواضح، ونتائجها سوف تؤثر بشكل عميق على مستقبل الصراع والمواجهة. معركة بين الحق الفلسطيني في التحرر من الاحتلال البغيض، وإقامة دولته المستقلة، وبين العدوان والغطرسة الصهيونية. بين العدالة والإنسانية والتضامن الأممي، وبين التوحش والعجرفة الإسرائيلية.
يهدف النشطاء الفلسطينيون إلى الاستيلاء على السيطرة على السرد من المنافذ الإعلامية التي تقمع وجهة نظرهم وتقارن بشكل خاطئ بين معاناة إسرائيل ومعاناة الفلسطينيين في الأراضي المحتلة. ويحاولون فضح السياسات الإسرائيلية القائمة على نظام الفصل العنصري، الذي يسعى إلى حملة تطهير عرقي وإبادة جماعية للشعب الفلسطيني.
منذ بدء الحرب الهمجية التي تشنها قوات الاحتلال الصهيوني على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة منذ ما يقارب العام، نقلت وسائل التواصل الاجتماعي أصوت الاحتجاج الجماهيري المتضامن مع الفلسطينيين وقضيتهم العادلة. أصوات تنمو على الشبكة العنكبوتية، وتتواصل بصوت عال وواضح.في غضون أيام - بينما قصفت إسرائيل الأراضي مناطق سكنية في غزة، انتشرت على منصات وسائل التواصل الاجتماعي مقاطع من أفلام فيديو مصورة بالهاتف المحمول من الشباب الفلسطينيين إلى الشتات العربي وإلى مختلف بقاع الأرض، تُظهر وحشية الاحتلال، أشعلت الإنترنت وأثارت الغضب في جميع أنحاء العالم. ساعدت هذه الأصوات المؤيدة للفلسطينيين والميمات ومقاطع الفيديو على وسائل التواصل الاجتماعي في إنجاز ما لم تنجح فيه عقود من الاحتجاجات العربية ومقاطعة إسرائيل إنجازه للقضية الفلسطينية التي تُركت للموت قبل بضعة أشهر من طوفان الأقصى.
تحول التضامن مع الفلسطينيين إلى الإنترنت وأصبح عالمياً، وهو شارع عربي افتراضي لديه القدرة على إحداث تأثير أوسع من تلك الموجودة في مدن الشرق الأوسط. لقد ربط المتظاهرون عبر الإنترنت ذراعيهم بحركات شعبية لحقوق الأقليات مثل Black Lives Matter، سعياً لاستعادة السرد من وسائل الإعلام السائدة والحصول على الدعم في الدول الغربية التي دعمت إسرائيل بشكل انعكاسي.
فمنذ حرب الإبادة الأخيرة على قطاع غزة قبل عام، أصبح العالم عرضة لتدفقات هائلة من المعلومات والبيانات والصور حول ما يحدث في غزة. ظهرت تطورات الحرب كما لو أنها اختباراً لقوة الإعلام الجديد، أو ما يعرف بوسائل التواصل الاجتماعي، في مقابل مؤسسات إعلامية ضخمة وعريقة، اتخذت جانب "إسرائيل" وروجت روايتها.
وبينما اتهم الفلسطينيون وأنصارهم وسائل الإعلام الغربية السائدة في أوروبا والولايات المتحدة بالتحيز لصالح الرواية الإسرائيلية للحرب، فقد تم استخدام منصات الإنترنت بما في ذلك مواقع التواصل الاجتماعي على نطاق واسع من قبل الناشطين المؤيدين لفلسطين في جميع أنحاء العالم لمواجهة هذا التحيز وتزويد جمهور الإنترنت بالجانب الفلسطيني من القصة.
2. ما هي أبرز أشكال التضليل الإعلامي التي تواجهها القضية الفلسطينية في الفضاء الرقمي؟ وكيف يرد النشطاء الفلسطينيون على هذه التحديات؟
يعتمد الملايين في جميع أنحاء العالم على مصادر وسائل التواصل الاجتماعي لفهم ومتابعة أسباب الصراع العربي الإسرائيلي، ومن ثم تشكيل الراي والموقف من هذا الصراع. ولكن لا يكون كل المحتوى - بما في ذلك المحتوى الذي يقدمه المسؤولين – دقيقاً وصادقاً وحقيقياً.
على سبيل المثال تم إخفاء هاشتاج "الأقصى" منصة إنستغرام مؤقتاً، لأنه كانت هناك تقارير عن "بعض المحتوى الذي قد لا يتوافق مع إرشادات مجتمع إنستغرام"، وفقاً للإشعار الذي تلقاه المستخدمون. وألقت شركة فيسبوك، التي تملك إنستغرام، باللوم في عمليات إزالة المحتوى على "مشكلة تقنية عالمية واسعة النطاق لا تتعلق بأي موضوع معين". ومع ذلك، يبدو أن الوسوم تم حظرها لأن محتوى المنصة يقدم دعماً للفلسطينيين. لقد ربط نظام إدارة المحتوى في فيسبوك عن طريق الخطأ المسجد الأقصى - ثالث أقدس موقع في الإسلام - بمنظمة إرهابية، وفقاً لاتصالات داخلية للموظفين اطلع عليها موقع Buzzfeed.
في حالة ربما كانت الأكثر شهرة لنشر معلومات مضللة بشأن المشاهد في غزة، شارك المتحدث الرسمي باسم رئيس الوزراء الإسرائيلي باللغة العربية، أوفير جندلمان، مقطع فيديو زعم أنه يظهر حماس وهي تطلق الصواريخ على إسرائيل. كان المقطع في الواقع من عام 2018، وأظهر إطلاق الصواريخ في محافظة درعا السورية. تم تصنيف التغريدة في البداية على أنها "إعلام مُتلاعب به" بواسطة تويتر، قبل أن يحذفها جندلمان نفسه.
كما نشر الحساب الرسمي للجيش الإسرائيلي على تويتر معلومات مضللة. شارك حساب قوات الدفاع الإسرائيلية (@IDF) مقطع فيديو يزعم أنه يُظهر حماس وهي تدمج قاذفات الصواريخ في الأحياء المدنية. ومع ذلك، أظهرت اللقطات في الواقع سلاحاً وهمياً استخدمته إسرائيل خلال مناورة تدريبية في شمال غرب البلاد. تمت إعادة مشاركة الفيديو بواسطة حساب تويتر الموثق "Stop Antisemites"، والذي اعتذر لاحقاً عن المعلومات المضللة. وفي الاعتذار، أصرت بشكل استفزازي على وصف اللقطات الفعلية بأنها جاءت من "حي أغلبية مسلمة"، فيما بدا أنه محاولة واضحة لربط سلاح إسرائيلي بالفلسطينيين.
وقال شتايا: "عادة ما تستخدم السلطات الإسرائيلية المعلومات المضللة والأخبار المزيفة كجزء أساسي من دعايتها. هذا النوع من المعلومات يؤثر بشكل كبير على وعي الناس والحركات السياسية الفلسطينية". وفقاً لمنظمة "حملة"، حدد 54? من المشاركين في الاستطلاع في تقريرها "الأخبار المزيفة في فلسطين" السلطات الإسرائيلية كمصدر رئيسي للأخبار المزيفة. ووجد البحث أيضاً أن هناك ارتفاعًا بنسبة 58? في الأخبار المزيفة أثناء الهجمات الإسرائيلية على الفلسطينيين.
ومن بين حالات أخرى من انتشار المعلومات المضللة عبر الإنترنت تقارير كاذبة تفيد بأن الفلسطينيين قاموا بتزوير مراسم جنازة في غزة في محاولة لجذب التعاطف العالمي. أظهر الفيديو المزيف، الذي شاركه مستشار وزارة الخارجية الإسرائيلية، دان بوراز، مجموعة من المراهقين يحملون "جثة". وعندما سمعت صفارات الإنذار بصوت عالٍ فجأة، هرع المراهقون - بمن فيهم "النعش" - يتفرق الجميع ويهربون. تم التقاط اللقطات في الواقع العام الماضي في الأردن من قبل مجموعة من الشباب الذين يحاولون تجنب قيود كوفيد-19 من خلال التظاهر بإقامة جنازة وهمية. شارك بوراز الفيديو مع هاشتاج "Pallywood"، وهو مفهوم مشوه للغاية صاغه دعاة اليمين المؤيد لإسرائيل في محاولة ساخرة لاتهام الفلسطينيين بتصوير معاناتهم بشكل درامي لكسب الود الدولي.
مثال آخر لمستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي الذين يروجون لأخبار كاذبة لربط الناس في غزة بـ "Pallywood" يتضمن مشاركة مقطع فيديو يزعم أنه يظهر فلسطينيين يضعون المكياج على إصابات مزيفة ناجمة عن هجمات إسرائيلية. يمكن إرجاع المقطع، الذي تمت مشاركته الأسبوع الماضي، في الواقع إلى عام 2018، وكان جزءًا من تقرير إخباري عن فناني المكياج الفلسطينيين.
..يتبع
|