القاهرة 26 نوفمبر 2024 الساعة 10:04 ص
د. حمدي سليمان
قدم لنا أفلاطون منذ أكثر من ألفي عام نموذجا فريدا فيما يخص اهتمامه بالأطفال الموهوبين، ففي جمهوريته كان يقوم باختيار الأطفال الموهوبين حتى من الأسر الفقيرة (الفلاحين والصناع) ويزودهم بالمعارف، ويولي المتميزين منهم اهتماما خاصا، لاعتقاده بأن الاستعدادات موجودة، لكن البيئة هي التي تنميها أو تطفؤها. وهو ما يؤكد أن الموهوبين من الصغار حاضرين دائما في كل مكان، حيث يستطيع الصغار والناشئة التعبير بحرية عما يحبون، من خلال عالمهم الرحب وخيالهم الخصب وتفكيرهم المختلف عن السائد، بشرط توفر الفرصة والمناخ الإيجابي والظروف التحفيزية التي تشجعهم على المشاركة.
فهناك استعداد فطري لدى الأطفال ليكونوا مبدعين نابهين، في حال تثقيفهم وتعليمهم وتدريبهم ومساعدتهم فنيّا ونفسيّا واجتماعيّا على الإبداع والابتكار. فمخطئ من يظن أن أطفالنا فقيرو الخيال أو قليلو الموهبة، فعندما تتاح لهم الفرصة الجيدة والمناخ التعليمي والثقافي الملائم والظروف التحفيزية، فإن الأعمال الإبداعية التي ينجزها الصغار والناشئة، في الآداب والفنون والابتكارات العلمية والإلكترونية، تأتي متميزة، ولا تقل عن مثيلاتها في أي مكان أخر.
وربما كانت تلك الأفكار والقناعات هي ما دفع الكاتبة نجلاء علام إلى فكرة هذا الكتاب "دليل الطفل الموهوب إلى فنون الكتابة"، وهو كتاب مهم كونه يسعى أن يكون سببا في تنمية موهبة طفل يتلمس طريقه لعالم الإبداع، فهو من الكتب القليلة التي تتناول هذا الموضوع المهم، حيث يرسخ لتنمية موهبة الطفل في مجال الكتابة عموما، سواء الأدبية أو الصحفية، ويعد إضافة للمكتبة العربية.
فمن خلال مقابلاتها المختلفة للأطفال الموهوبين في ورش القراءة أو الكتابة وأيضا ورش الحكي، تكشفت أمامها رغبتهم في المعرفة، ومحبتهم لتنمية مواهبهم. من خلال مشاهدة انطباعاتهم لما تطرحه عليهم من موضوعات والسماع إلى أسئلتهم بتفاصيلها المدهشة، والإفادة منها في جوانبها الإيجابية والسلبية، بقصد الخروج برؤى إبداعية تخدم الطفل، وتنمي قدراته ومهاراته الإبداعية، ليتوفر له كتابة نص أدبي مميّز ورائق، لذا حرصت الكاتبة على أن يخاطب الكتاب الطفل الموهوب، والمشرفين والمتعاملين معه داخل نوادي أدب الطفل، والمنافذ الثقافية المختلفة المهتمة بالمبدعين الصغار.
ويمثل كتاب دليل الطفل الموهوب، الصادر عن المركز القومي لثقافة الطفل. بما فيه من معلومات وأفكار ونماذج، إضافة إلى لغته السلسة المحددة البسيطة التي تناسب الأطفال. مرشد ودليل لكل طفل شعر بالموهبة وأحب أن يعبر عن نفسه، ولكنه توقف عند الوسيلة التي يمكنه التعبير من خلالها، وتردد وتساءل هل يعبر عن نفسه ورأيه من خلال قصة أم قصيدة أم مقال، وما هي القصة وكيف نكتبها؟ وما هي القصيدة، وهل يجب أن تكون موزونة وعلى بحر معين؟ وما هو المقال، ومن أشهر من كتبه؟ وكيف نصنف الأعمال الأدبية؟ وما هي خصائص كل صنف أو نوع؟ هذا الكتاب يجيب عن هذه الأسئلة لكل طفل، ويأخذ بيده إلى عالم الكتابة الرحب، ويدخله ببساطةٍ إلى كل نوعٍ أدبي، ويضرب له أمثلة من كل نوع. حتى يكتسب خبرة في الكتابة القصصية والشعرية والمواد الصحافية المختلفة، ويحثه على السعي الجاد إلى أن يكون مشاركا في الكتابة والتحرير، بل والإقلاع عن الاكتفاء بأن يكون متلقيا فقط.
كما يقدم هذا الكتاب شرحا وافيا لأنواع الكتابة المختلفة للأطفال والنشء، من خلال تبسيط الأنواع الأدبية للأطفال، كي يتمكنوا من التعرف على خصائص الأنواع الأدبية المختلفة. فهو أرضٌ خصبة ينطلق منها الأطفال الموهوبين، لمعرفة كل نوعٍ من أنواع الكتابة سواء أكانت كتابة أدبية أو صحفية أو في مجال السيناريو المُصور أو الرسوم المتتابعة "الكوميكس"، والاطلاع على نماذج مختلفة لكل نوع، كي يتعرفوا على الخصائص الشكلية والأسلوبية لكل نوع، والتي تجعلهم قادرين بعد ذلك على التمييز بسهولة بينها، والتعبير عن أنفسهم وآرائهم ووجدانهم من خلال أحد هذه الأنواع.
لذلك نؤكد على أن "دليل الطفل الموهوب" كتاب بديع ومهم، يجب أن يكون في كل مكتبة، بل في كل منزل.
|