القاهرة 26 نوفمبر 2024 الساعة 10:01 ص
قصة: سالم شعوير
الحوش الذي استأجرته من (أم عدنان) عندما كنت أعمل بإحدى الدول العربية حولته إلى فندق شعبي أشبه بجمهورية مستقلة لسكن العمالة الوافدة من مصر وبعض الدول العربية، أغلبهم من الطبقة الكادحة خاصة من شباب مدينتي إدكو محافظة البحيرة، بالحوش العديد من الغرف كل غرفة يسكنها حوالي عشرة أفراد، في إحدى ليالي الصيف القمرية الحارة رأيت (الزعبلي) أحد الشباب يجلس وحيداً في ساحة الحوش، اقتربت منه، ألقيت عليه التحية، كانت هوايتي أن أعرف قصة حياة كل فرد يسكن في الحوش، أستعين بها في كتابة القصص، جلست بجواره، قلت له: مالك قاعد لوحدك ليه يازعبلي؟ أحك لي، قال: عن أيه ؟ قلت: عن أي شيء في حياتك، ليكن مثلاً عن أول حب في حياتك، قال: "أنا إسكندراني من المنشية، أول حب في حياتي كانت بنت عمتي في سني بالظبط، كانوا ساكنين جنبنا، كنا بنروحوا المدرسة الإبتدائية مع بعضينا ونذاكروا سوا ونقعدوا مع بعضينا كتير، هي أستوت قبلي بكتير، كان جسمها فاير أكبر من سنها بكتير، أصل البنات بتستوي قبل الصبيان، أنا كنت لسه أخضر ونحيف قصير زي مانت شايف عشان كده قالوا عليٌ (زعبلي) ماكنتش أعرف حاجة اسمها حب"، سألته: كان سنك كام يا زعبلي؟ قال: مش فاكر بالظبط كنت في القبول في الإبتدائية، هي خلصت الإبتدائية، انا كملت تعليمي لحد الدبلوم، كنت خايب، فاكر عادل إمام في مسرحية شاهد ماشفش حاجة لما قال: البيه خرونج بردو؟ هو كان قصده علي انا، مرة كنت قاعد جنبيها فضلت تتزحرح .. تتزحرح .. لغاية ما لزقت فيّ، زعلت منها وسبتها ومشيت كنت بأحسبها عايزة توقعني من على الكنبة، أبقى خرونج والا لأ؟ مرة تانية كنا قاعدين لوحدينا بنشرب شاي وقدامنا طبق قرص بالعجوة غنت لي أغنية فايزة أحمد الأغنية الجميلة اللى أبدع خالك عبد الرحمن الأبنودي في تأليفها واللي لحنها اللحن الجميل محمد سلطان ومطلعها:
مادام معاي اللي بأحبه وبريده مادام معاي
وبنقسم اللقمة ونضحك وبنشرب شاي
ميهمنيش مهما إن قالوا ماهو دول عوازلي وعزاله
بيقولوا داير على حاله مع انه كان في الساعة دي قاعد معاي.
كان صوتها جميل غنتها لي بإبداع وصوت لا يختلف عن صوت فايزة أحمد، بس الخرونج اللي هو أنا قلت لها: مش عيب تغني وأنا قاعد جنبك؟ قالت: دا حب يا زعبلي، قلت لها: حبك برص.
الزعبلي قلع الشبشب وضرب نفسه وقال: عمرك شفت في حياتك حد يعمل كده في بنت بتدور على الحب يا أستاذ؟
كان مندمجًا متأثرًا تأثر النادم بعد فوات الأوان، تأثرت معه وقلت: كمل يازعبلي قول اللي في نفسك عشان ترتاح، قال: هي أتاكدت إن أنا خام سابتني ودورت على اللي يفهمها وكان جارنا شاب أكبر مني في السن والجسم، أنا كنت باشوفهم وهما واقفين مع بعض مش فاهم أيه اللي بيحصل، قلت: وطبعا خطبها يا زعبلي؟ قال: خطبها واتجوزوا وكانت نظرتها لي إن أنا خرونج وحتى لما أنا كبرت كنت في نظرها خرونج كبير، ومرت السنين وعرفت هي إني خطبت ضحكت كتير وقالت للناس: هو الزعبلي يعرف يحب؟
وتنهد الزعبلي بلوعة وحرقة وقال لي كلام قلب دائرة معارفي ومعلوماتي، أنا أعرف أن المثل يقول: خذ الحكمة من أفواه المجانين، لكنه جعلني أقتنع بأن الحكمة من أفواه المحبين، قال: فرق كبير بين واحد مستوي يحب واحدة خضرا وواحدة مستوية تحب واحد أخضر، الخضرا تتعلم من المستوي أما المستوية فتحتقر الأخضر ، يوم فرحي أمي عزمتها مع القرايب، طول السهرة وأنا قاعد مع عروستي وهي تبص لي باستهزاء واحتقار وتضحك لأنها مش مصدقة إن أنا أعرف أحب.
هي دي بداية معرفتي وقصتي مع الحب يا أستاذ، أمانة عليك لما نرجعوا مصر بالسلامة بإذن الله تعالى تكتب القصة وتخلي عنوانها(الخرونج) وأنا مش هازعل، أزعل ليه هي دي الحقيقة وهو دا اللي حصل.
* الخرونق = كلمة عربية فصحى معناها الشيء التافه خارج المنافسة من شدة تفاهته.
|