القاهرة 19 نوفمبر 2024 الساعة 10:49 ص
• الشعر والتشكيل وجهان لعملة واحدة هي الإبداع.
• في ديواني الأخير (أنسنة الرؤية) أسرتني حكاية أميرة (مملكة ثاج الأثرية) بالسعودية.
• المقاهي الثقافية السعودية بمبادرة (الشريك الأدبي) تشارك في تنظيم الفعاليات الثقافية.
حوار: محمد زين العابدين
الشاعر إبراهيم الجريفاني هو شاعرٌ وكاتبٌ، وإعلاميٌ وناشطٌ اجتماعيٌ سعودي، وهو من شعراء قصيدة النثر، ويعتمد في أسلوبه على الومضة الشعرية، والصور المدهشة، وتكثيف المعانى في جملٍ قصيرة. ويطغى على أسلوبه الحس الصوفي والتأملي في الكون. أصدر (الجريفاني)عدة كتب، منها: "أنسنة الحرف"-"نثيث الروح"-"ترائب نورانية"-"وردُ الحب"-"رواءُ الشاعر". وفي هذا الحوار نطل على تجربته الشعرية، ونتعرف من خلاله على النهضة الثقافية، التي تشهدها المملكة العربية السعودية في الفترة الأخيرة.
-
أولاً نريد أن نعرف سر حرصك على إقامة حفلات توقيع كتبك في القاهرة؟
الحقيقة أنني حريص على إقامة حفلات توقيع لدواويني الشعرية بالبلاد العربية. ومنذ سبعة أعوام، أي منذ عام 2009؛ وأنا أعتبر القاهرة محطتي الأساسية لحفلات التوقيع الخاصة بدواويني. وفي كل عام تزيد المحبة ويزداد عدد المحبين بين أهلي في مصر الشقيقة. بالإضافة إلى أنني أطبع معظم كتبي في مصر؛ فبالتالي أحرص على التواجد للتواصل مع القراء بعد إصدار أي كتاب.
-
كيف بدأ مشوارك مع الكتابة؟ وبمن تأثرت من الشعراء في بداياتك؟
لقد تأثرت بشدة بسمات الحياة في البيئة الصحراوية؛ وربما كان اللون الأدبي السائد في البادية-وهو المسامرات الشعبية، والشعر النبطي- من أبرز المؤثرات الأولى في وجداني. وكنت شديد الانجذاب منذ الصبا لعالم الأدب والشعر. ثم خالفت الشائع، من حيث سيطرة الشعر الشعبي(أو النبطي)على قراءاتي؛ حيث لم أقع أسيراً له، بل وجدت عالماً أرحب بالنسبة لي، في الشعر العربي الفصيح، من خلال قصائد بدر شاكر السياب، وجبران خليل جبران، وميخائيل نعيمة وغيرهم، وازدادت وتنوعت قراءاتي الشعرية، وأحببت أن تكون لي بصمتي الخاصة.
وكان لشعراء المهجر بشكل عام تأثيراً كبيراً في وجداني؛ ربما بسبب أسلوبهم الجديد في الكتابة؛ الذي سعى للابتعاد عن قيود القصيدة العربية الكلاسيكية؛ وهو ما أتاح للقصيدة العربية القابلية للترجمة والانتشار عالمياً.
إذن أنا بدأت بكتابة الشعر النبطي، ثم تحولت لكتابة الشعر الفصيح. ولكن لأن تطلعاتي في الكتابة كانت أبعد من نطاق المحلية؛ فقد أخذت المنحى الخاص بالشعر العالمي الحديث، حيث وجدت أن الشعر الموزون مليء بالقيود التي تحول دون ترجمته.
-
عنوان كتابك الأخير (أنسنة الرؤية)، ما هو المدلول الذي قصدته منه؟
بالنسبة لعنوان ديوان (أنسنة الرؤية)؛ فأنت كشاعر وصحفي تعرف أن المملكة العربية السعودية تمر بمرحلة تحول كبيرة، تحت عنوان عريض هو "رؤية المملكة 2020|2030"؛ وبالتالي فإنني كمثقف سعودي أول سؤال يوجه لي يكون عما تشهده السعودية من تحولات، ومن مظاهر الانفتاح في شتى المجالات الثقافية والفنية والرياضية وبالنسبة لي كمثقف، أهتم بالجوانب الإنسانية في هذه الرؤية الجديدة، من خلال ما يقدم من مبادرات للنهوض بالإنسان السعودي. وبالنسبة للجانب الأدبي ضمن هذه الأنشطة؛ فلعل من أهم الأشياء في هذا الصدد إطلاق مشروع(الشريك الأدبي)، من خلال تحويل بعض المقاهي إلى مقاهٍ ثقافية.
-
ما هي قصة فتاة (ثاج)، التي كتبت عنها قصيدة في بداية ديوان (أنسنة الرؤية)؟
عندما زرت المناطق الأثرية بالمدينة المنورة وجدة، لاحظت الاهتمام الشديد لوزارة الثقافة السعودية، وهيئة الآثار، بصيانة وترميم آثار الرسول عليه الصلاة والسلام، حيث أعيد ترميم الكثير من المواقع، مثل الآبار التي مر عليها الرسول، والمساجد الصغيرة التي صلى بها أثناء ترحاله بين المناطق المختلفة. وكان من أهم الإنجازات التي تمت أيضاً خلال السنوات الأخيرة، تتَّبع آثار فطاحل الشعراء القدامى، الذين عاشوا في ربوع الجزيرة العربية. لقد تزايد الاهتمام خلال السنوات الأخيرة بتوثيق كل الأماكن وتسجيلها في المنظمات العالمية ذات الشأن، مثل (اليونسكو) وغيرها. وكان من أبرز ما لفت انتباهي، خلال اطلاعي على هذه الجهود التوثيقية الكبيرة للآثار السعودية اكتشاف مملكة (ثاج)، وهي مملكة أثرية قامت قبل خمسة آلاف سنة، حيث اهتمت المملكة كثيراً بالحفريات في موقع هذه المملكة الأثرية، والتي بدأ التنقيب عنها منذ حوالي خمسين عاماً، بالمنطقة الشرقية.
والذي حدث أنني وجدت أثناء تجولي في معرض الكتاب بجناح هيئة التراث السعودية كتاباً توثيقياً عن آثار مملكة(ثاج)، على غلافه صورة القناع الأثري الذي عثر عليه بمناطق الحفريات، والحلي الخاصة بإحدى أميرات مملكة (ثاج) الأثرية -حسب تكهنات علماء الآثار- ومنذ تلك اللحظة زاد شغفي بالبحث والتنقيب حول هذا الموضوع، من خلال ما وجدته من أبحاث، ورسائل دكتوراه، ومقالات، وأفلام وثائقية، وأثارت قصة أميرة (ثاج) خيال الشاعر بداخلي، فكتبت عنها في كتاب (أنسنة الرؤية)، وأشركت معي الفنان التشكيلي الذي صمم الغلاف، حيث ضم قناع أميرة (ثاج) وحليها الذهبية، وتم الجمع بين القصة الحقيقية، والخيال الإبداعي، وأشركت معي أيضاً عالم الآثار المصري المعروف د. حسين عبد البصير، فكتب مقالاً علمياً توثيقياً عن قصة مملكة (ثاج)، تأكيداً على ثراء الوطن العربي بالحضارات الزاخرة المتعاقبة والمتنوعة.
-
نريد أن نتعرف بشكل أوضح على مشروع المقاهي الثقافية؟
الحقيقة أن وزارة الثقافة السعودية بدأت منذ عامين إحياء فكرة الشريك الأدبي، من خلال تحويل بعض المقاهي الموجودة في المدن، وتتميز بمواصفات معينة بعد تقييمها وتصنيفها إلى درجات، حيث يقيم كل مقهى عشر فعاليات ثقافية شهرياً. وهذه المقاهي الثقافية على غرار المقاهي الثقافية العتيقة بالقاهرة، وغيرها من العواصم العربية، ولكن بشكل أكثر تنظيماً فهي ليست أماكن لتجمع المثقفين وإقامة منتدياتهم الثقافية بينهم وبين بعضهم بشكل محدود، بل هي مقاهي تشارك في تنظيم الفعاليات الثقافية على غرار (أتيليه القاهرة) مثلاً. وهذه المقاهي الثقافية بدأت بأربعة وعشرين مقهى، ومن المستهدف أن تصل إلى ثمانين مقهى، تغطي كافة مناطق المملكة العربية السعودية.
-
في ختام قصيدتك (الأرضُ تعيشُ تصَّحُراً أخلاقياً)، لخَّصتَ حالة العالم المعاصر، الذي فقد عقله وضميره، إلى هذا الحد أنتَ متشائمٌ من حال العالم؟ وكيف ترى السبيل لإنقاذ الإنسانية؟
الشاعر يجب ألا ينعزل عن عالمه، فيجب أن يعيش على أرض الواقع، ويشعر بمعاناة الآخرين. ومن يرى العالم الآن وأحداثه الساخنة المتلاحقة، وطريقة الإدارة العالمية الطائشة للأزمات سيكتشف بكل أسف أن العالم إذا لم يهب المتعقلون لانتشاله من أزماته فإنه يتجه إلى هاوية الجحيم، فمن أسوأ ما يوجد مثلاً في نظام عمل الأمم المتحدة، ما عرف على مدار تاريخ تأسيسها -وحتى الآن- بحق (الفيتو)، فهذا من أهم نقاط الضعف في سياسات الأمم المتحدة، ويشل اتخاذ القرارات اللازمة لضبط دفة الأمور ومعالجة الأزمات، فيجب التخلص من هذه الثغرة الفظيعة في نظام عمل الأمم المتحدة، ويجب أن تتوحد الدول العربية ليكون للعرب صوت قوي بالأمم المتحدة. وطالما ترك المجرمون الدوليون بدون عقاب، فسيزداد العالم اضطراباً.
-
تلجأ كثيراً في نصوصك للاقتباس القرآني، فكيف توظفه لخدمة رؤيتك دون خشية اجتراح المقدس؟
إن أي شاعر أو كاتب عربي يجب أن يكون مرجعه اللغوي هو القرآن الكريم. والقرآن الكريم نزل بلسان العرب، فيجب أن نستفيد من الصيغ البلاغية الموجودة في القرآن الكريم، وتوظيفها لخدمة النصوص الأدبية، وأي اقتباس يمكن توظيفه لخدمة النص الشعري وإثرائه يجب الأخذ به.
وأعتقد أننا سوف نفقد الكثير إذا لم نلتفت لجماليات القرآن الكريم ونوظفها، ويجب على الشاعر أن يطلق العنان بجرأة للاقتباس من القرآن دون أن يكون نصه متماهياً مع الآيات القرآنية، فهذا مرفوض طبعاً.
-
يلاحظ في نصوصك الجرأة في استعمال التراكيب اللغوية، فلماذا تركز على هذا الجانب؟
بحكم كونك شاعراً تعرف كم يحتاج الشاعر إلى ابتكار صور إدهاشية، واللغة الشعرية في الشعر الحديث لها ابتكاراتها التي لا تنتهي، اللغة الشعرية يجب أن تركز على الإدهاش والومضة والصور الثرية. واللغة الشعرية يجب أن تتخفف من الحروف والكلمات الزائدة، مثل حروف العطف مثلاً، لأن لغة الشعر بطبيعتها هي لغة مكثفة، وقد استفدت أنا في هذا السياق من قراءاتي الشعرية المختلفة، وخصوصاً للشعر المترجم، وهناك العديد من النماذج الشعرية الرائدة في تفجير طاقات المفردات اللغوية، مثل الشاعر الكبير (أدونيس).
والخلاصة أن اللغة لا يجب أن تكون قيداً بالنسبة للشاعر، بل أداة طيعة من أدواته، فاللغة كائن حي متطور، ولغتنا العربية يجب أن تساير التطور، وهي طيعة لذلك.
-
أعرف عشقك الشديد للفن التشكيلي وجمعك في أمسياتك بين الشعر والفن؛ فهل كانت لك تجارب في مجال الفن التشكيلي؟
أولاً أنا أرى اللوحة الفنية كقصيدة، وفي المقابل أرى القصيدة كلوحة شعرية. وبالتالي فإن الشعر والتشكيل وجهان لعملة واحدة -وهي الإبداع- وقد كنت أمارس الرسم بالفعل في فترة الصبا ولكن شعرت أن عشقي الأكبر هو للكتابة الشعرية، ولكن بقيت على صلة بالفن التشكيلي كمتذوق ومتابع للوحات الفنية، وأحرص دوماً في حفلات التوقيع الخاصة بكتبي، على إقامة معرض تشكيلي لمجموعة من الفنانات العربيات، من مختلف الدول العربية؛ تجسيداً لفكرة وحدة الفنون وتكاملها من جهة، وتجسيداً للتلاقي العربي من جهة ثانية، بالإضافة إلى منح الفرصة للمبدعة العربية للتعبير عن رؤيتها الخاصة.
|