القاهرة 19 نوفمبر 2024 الساعة 10:46 ص
بقلم: حاتم عبدالهادي السيد
حينما يُذكر شعراء سيناء يذكر عبد القادر عيد عياد، أحد أكبر أقطاب شعراء العامية في مصرنا الغالية.
حين دعوت شاعر مصر الكبير عبد الرحمن الأبنودي واستمع إلى عبد القادر، قال لي: لديكم هنا مدرسة شعرية للعامية المصرية، توظف البيئة البدوية لتجديد ثوب الشعر، وقد اتفق معه د. يسري العزب في ذلك أيضًا.
لقد نشأت وعبد القادر عياد منذ أن كنا في الثانوية العسكرية، ثم في الجامعة، وتوثقت العلاقة بيننا حين كنا باتحاد الطلاب بكلية التربية بالعريش، وكان الشعر بيننا هو رحلة حياة ممتدة.
وعبر رحلة الشعر كانت هناك آمالٌ لدينا لوضع سيناء على خريطة الإبداع المصري، وقد كان.
رحل صديقي فجأة، وكأن القدر يخطف من بيننا الأجمل دائما.
بدأنا رحلة الشعر في المنتدى الأدبي بالعريش وكان معنا شيخ شعراء سيناء، ومجموعة من الأدباء والشعراء منهم: د. رمضان الحضري، عماد قطري، إسماعيل أبو زعنونة، وغيرهم.
في البداية جاءني عبد القادر فرحا، وهو يحمل بين يديه ديوانه الأول بالفصحى: "الفارس والمدينة"، وتأملته بدهشة وهو يفخر ببداوته، فيقول:
أنا بدوي
من البيدا قد انشطرت لنا أسرة،
تركت العيش بالبيضاء لكني
حنين الخيل في شوق يراودني
فأترك هذه العربة،
لكي أعدت على مهري
وفوق غبيط ناقتنا أشد الرحل...
ولقد كان اللواء منير شاش محافظ شمال سيناء يحب الشعر، وكان يجلس معنا على مقهى السلطانة بالعريش ليستمع إلينا، وكانت قصائد عبد القادر العامية هي أجمل ما يفوح من عطر بين دخان الأرجيلة، وفنجان القهوة الشعري الجميل.
أصدر عبد القادر بعد ذلك عدة دواوين منها : "ابتعدي عن روضتي"،"منى القلب"، "العودة"، ثم تولت دواوين العامية : "خلاص هبعد"،" السيجة"،"حتى لو دبحتيني"،"بحبك موت"،ثم أصدر العديد من الدواوين تحت مسمى: "الأعمال الكاملة".
كان عبد القادر عياد خفيف الظل، هادئ الطباع، يساعد الشعراء الشباب، وهي رسالة أكملناها معا على طوال السنوات، واختتم شاعرنا مشروعه الشعري بإقامة صالون ثقافي حمل أول الأمر اسم سيناء، وقد صممت -أنا - أن يكون الصالون باسمه، وقد كان...
كانت لدينا قناعات ممتدة، ورسالة تجاه مدينتنا، التي لم يكن يعرفها المبدعون، ولا نقاد الأدب في مصر.
كم سافرنا معًا لحضور ندوات الشعر والقصة في صالون الكاتب محمد جبريل، الورداني ناصف، حزين عمر بنقابة الصحفيين بمصر، والتقينا بكبار الأدباء والنقاد في الوطن العربي بمعرض الكتاب، ولم نترك صالونا، أو محافظة مصرية لم نذهب إليها سويا لنشر رسالتنا النبيلة في التعريف بالأدب والتراث، والثقافة السيناوية، التي تجمع البداوة، والمعاصرة المدينية.. وكان البحر المتوسط والنخيل، وشاطىء الفيروز، والصحراء هي أدواتنا ، وموضوع كتاباتنا، وقصائدنا التي نفتتح بها مغالق وبوابات النقد والإبداع في مصر، بل وفى الوطن العربي.
كان عبد القادر شاعر الرومانسية الأجمل، وشاعرا وطنيا مجيدا، وكان شعره عن الحب مثار تقدير من شعراء ونقاد مصر، يقول:
وحتى لو دبحتيني
وحتى لو رميتي القلب في السلة،
ما عمري في يوم راح أنساكي،
ولا عنك ... راح اتخلى ....
وعن الجندي المصري وبسالته، في انتصارات أكتوبر المجيدة على الصهاينة، قال :
حطمت سواعدك خط بارليف الرهيب
اللي كانوا مركبينه
عقد في رقبة سجينة
أو كدبلة في صباع
يعني خطبة بالغصوبة،
فين بقى طعم الخطوبة ؟!
كان شاعرنا القدير عبد القادر عيد عياد أحد المجددين في شعر المصرية من خلال مزجه اللهجة البدوية السيناوية بالشعر العامي، واستطاع أن يطوع اللهجة لخدمة القصيدة، كما كتب الرباعية البدوية، والأغاني، ومزج الشعر بخصوصية سيناء، فغدت لقصائده فرادة، وبصمة، وحضورا في مسيرة القصيدة العامية المصرية.
رحل عبد القادر فى هدوء، وظلت قصائده ودواوينه الجميلة شاهدة على عبقرية سيناء، وتميزها، وفرادتها بأن كانت صاحبة أقدم أبجدية في العالم القديم.
|