القاهرة 12 نوفمبر 2024 الساعة 09:50 م
كتب: جمال الفيشاوي
انطلقت على مسرح الهناجر المرحلة الثالثة من فعاليات مهرجان آفاق في دورته العاشرة في التاسع والعشرين من شهر أكتوبر إلى السابع من شهر نوفمبر لعام 2024م، تحت رعاية وزارة الثقافة المصرية، وبدعم من قطاع الإنتاج الثقافي، والدورة مهداة للفنان الراحل نور الشريف، ورئيس المهرجان الشرفي هذه الدورة النجمة الفنانة إلهام شاهين.
يقام مهرجان آفاق على ثلاثة مراحل، الأولى لمشاهدة واختيار العروض، والثانية ملتقى المسابقات التي يشارك بها عروض من مختلف فنون العرض المسرحي وتقام على مسرح آفاق وتشارك بها فرق محلية، ثم المرحلة الثالثة على مسرح الهناجر من العروض التي فازت من المرحلة الثانية ويضاف إليها عروض مسرحية من الوطن العربي.
كانت العروض التي تتفاعل مع قضايا المرأة حاضرة وبقوة داخل المهرجان، ومن هذه القضايا قصة الخادمتين اللتين تنظر إليهما الهانم نظرة دونية، وقصة الفتاة التي يستنزف شاب أحبته مشاعرها، وقصة الأم التي يتركها زوجها ويرحل ويترك لها خمسة أبناء، وقصة الفتيات الباحثات عن الزواج لظروف خاصة بها.
في السطور القادمة سنلقي نظرة على بعض من هذه النوعية من العروض
1 – الهانم
قدمت فرقة زلزال للفنون المسرحية (Team Zelzal Alex) من محافظة الإسكندرية العرض المسرحي الهانم عن النص المسرحي "الخادمتان" للشاعر والروائي والكاتب المسرحي الفرنسي جان جنيه، دراماتورج محمود رمضان، ومن إخراج أحمد حمدي، تمثيل حسناء بدر ورنيم سعيد، والعرض فاز بجائزة أفضل عرض ديودراما، وفازت حسناء بدر بأفضل ممثلة دور ثاني في المهرجان، وهذا العرض من عروض ديودراما.
الديودراما كمسرح يقوم على الثنائيات، بمعنى أنه مؤسس على شخصيتين وكيانين وطرفين فقط يتبادلان الأدوار والحوارية وتجاذب لغة التواصل عبر مشاهدة العرض في شكل صراع أو بوح، للولوج بجلاء في صراع العرض والتحولات النفسية والدرامية وتصاعد الأحداث وكذا ردات الفعل، عبر حركة الجسد والأداء والصوت، وقدرتها على التشخيص لشحذ النجاح.
وتدور الفكرة الرئيسية عن الظلم الواقع على المرأة والفارق الطبقي الذي يجعل الفقراء في حالة معاناة دائمة بسبب تسلط الطبقة الأعلى.
يوضح جزء من الأحداث عند جان جنيه أن شقيقتان تعملان في خدمة أرملة ثرية، فاعتادتا بعد خروج سيدتهما أن تتقمص إحداهما شخصية السيدة وترتدي ملابسها وتضع حليها وتنام في فراشها وتتكلم بلهجتها الأرستقراطية، وتقوم الأخرى بدور الخادمة، فتتولى خدمتها وتلبي أوامرها، وتخاطبها بلهجتها المستكينة، وتمضي الساعات وهما مستغرقتان في هذا الخيال إلى أن يقترب موعد عودة الأرملة، ثم في اليوم التالي يتبادلان الأدوار.
حاول الدراماتورج وصار المخرج في طريقة بأنهما قاما بتمصير نص العرض، وكان من الممكن أن لا يكتب اسم جان جنيه على العرض، حيث سمعنا وشاهدنا ما قدمه المخرج الذي أضاف الغناء الشعبي على العرض، فقد قام المطرب بالغناء الشعبي دون أي مبرر لوجوده في العرض، وأن إحدى الخادمتين تقوم بممارسة الجنس مع زوج الهانم، ونفس الخادمة عملت علاقة مع بائع اللبن، كما أن الهانم تغار من الخادمة لقيام زوجها بممارسة الجنس مع الخادمة، وعندما يتقدم عريس لهذه الخادمة تبذل الهانم قصارى جهدها لإثنائه عن خطبتها، فتطعن فيها وكيف لهذا الرجل أن يتقدم للزواج من فتاة كانت مع بياع اللبن، واتهمت الخادمتان بأنهما حاولا سرقة مجوهراتها، وعندما هربت الخادمتان من منزل الهانم وسافرا إلى بلدتهم قامت والدتهم بطردهم حتى يذهبا إلى الهانم، لكن الهانم لم تقبل عودتهما لخدمتها مرة أخرى، وبالتالي انتهى العرض بأن الخادمتين تقومان بالبحث عن عمل حتى لا يكون مصيرهما الشارع، فالدراماتورج تناص مع نص جان جنيه في فكرة الحاكم والمحكوم، وأن الخادمتين شقيقتان وكانتا تقلد إحداهما الهانم وتقوم الثانية بخدمتها، ثم يتبادلان الأدوار، لكنه لمح لذلك بشكل سريع دون التركيز على عمل مشهد كامل ليظهر من هي السيدة ومن هي الخادمة، فقد كان التمييز من طريقة الأداء الصوتي للممثلتين ، فقد حاولت كل منهما ابتكار طريقة لتقليد الهانم، وتتحدث بطريقتها العادية عندما تؤدي شخصيتها كخادمة، كما شاهدنا من ملابس الخادمتين أنهما تشبهان الزي الأجنبي (الأوربي)، والسؤال: كيف تتحدث الخادمتان بلهجة شعبية مصرية؟ وتقوم بعمل علاقة مع زوج السيدة؛ كما نشاهد في الأفلام، وكذلك علاقتها مع بياع اللبن، وقد ترددت جملة العلاقة مع بياع اللبن كثيرا ثم نشاهدهما يرتديان ملابس أجنبية؟
2 – نزيف
قدمت فرقة مركز شباب النصر من محافظة الإسكندرية العرض المسرحي نزيف تأليف وإخراج عصام بدوي، تمثيل ولاء سلامة وأحمد مصطفي وهذا العرض من عروض ديودراما.
النزيف هو الاسم المستخدم لوصفة فقدان الدم أو التدفق غير الطبيعي للدم، ويعتبر النزيف في هذا العرض هو نزيف للمشاعر.
تدور الفكرة الرئيسية حول المشاعر التي نستنزفها بلا جدوى
تدور الأحداث حول فتاة من أسرة ميسورة الحال تعطي بسخاء كل من يسألها المساعدة، فهي دائما لا تحجب أي شيء عن المحتاجين، تتعرف على شاب يعدها بالزواج فتنفذ له كل طلباته، فكان يسلب منها الأموال بحجة الاحتياج، لدرجة أنه طلب منها تأسيس شقة ليتزوجا فيها فنفذت ذلك، لكنها اكتشفت أنه سيتزوج من أخرى، فطلبت منه أن يأتي إليها يوم زفافه وهو يرتدي بدلة الزفاف، وبالفعل يأتي إليها ويدور بينهما حوار بسيط نكتشف من خلاله علاقتها والبيئة الاجتماعية لكل منهما، ولماذا وثقت فيه، فمن خلال الأحداث نعلم أنه لم يلمسها وما زالت عذراء وهذا ما تخشى منه أي فتاة، فأثمنته على نفسها، وأثناء لقاء الشاب والفتاة في شقتها، توجه له بعض الأسئلة وتقيده، لكنه يجاوب بكل صدق كما طلبت، فتقوم بفك قيوده، معنى ذلك أنها حررته من سجنها على الرغم من أن حبه مازال يسكن قلبها، وعندما يأتي دور الشاب في توجيه الأسئلة لها يقيدها ويحاول ممارسة الجنس معها، لكنها تقاوم، ويخطر على بالها سؤال، لماذا والآن يفعل ذلك وهو سيتركها بعد لحظات ويتزوج من أخرى، وفي النهاية لا تسلم نفسها له ويتركها مقيدة، فهي بالنسبة له سقطت من تفكيره ولا تعني له أي شيء، فكانت بالنسبة له علاقة وانتهت، أما هي نجدها تلف الحبال حولها أكثر وأكثر ولا تستطيع فك قيودها بخروج هذا الشاب من حياتها، لكنها ما زالت متعلقة به، وعلى الرغم من أن الحكاية بسيطة، ولا تتبع البناء الدرامي الأرسطي (بداية، وسط، نهاية) وهذا النوع من العروض يطلق عليه مسرح حالة، كتبها المؤلف طبقاً للمدرسة الواقعية إلا إنه عندما قام بإخراجها دمج معها المدرسة التعبيرية فشاهدنا حركات التعبير بالجسد للممثل والممثلة بنعومة شديدة دون أن تكون مقحمة على العرض.
والعرض به تفاصيل كثيرة وكل منها محسوب بدقة ، فقد احترم هذا العرض عقلية المتلقي، فاحترمه المتلقي للعرض وصفق له.
3 – كحل
قدمت فرقة أفانسيه من محافظة الجيزة العرض المسرحي كحل، تأليف إسراء محبوب ومن إخراج أحمد السيد، تمثيل ناردين عادل (سميرة)، مارينا حنا (عبير)، محمد سعيد (صلاح)، نورهان عبد العليم (مديحة)، عمر النحراوي (على)، سهر محمد (سارة)، محمد سامح (زياد)، نور بيلي (سلمى)، حسن الزربة (عبد الله)، ندي قطب (مروة)، يوسف أحمد بهيج (الأب)، هنا محمد (سلمى الطفلة)، وهذا العرض من العروض الطويلة.
كلمة كحل تعني السواد، وذات كحل هو سواد يعلو الأجفان، والكُحْل حجر يطحن ليستخدم مسحوقه لتكحيل العيون، ويستخدم كمادة للتجميل للنساء، والكُحْل يُشتَفى به.
تدور الفكرة الرئيسية للعرض حول مفهوم الأمان في ظل غياب الأب، والتباس مشاعر المرأة فهذه الأم تتحمل مسئولية الأبناء بمفردها فيظهر صراعها بين الماضي والمستقبل.
وتدور الأحداث حول عائلة مكونة من أم لها خمسة أبناء ولدان وثلاثة بنات تركها زوجها وغادر المنزل وجعلها تواجه الحياة بفردها في تربية الأبناء، هذه الزوجة تعيش في منزل والدها المتوفى مع والدتها في شقة بالطابق السفلي، وفي الطابق العلوي يعيش شقيقها مع زوجته وابنه على، وعبير وشقيقها صلاح على خلاف دائم بسبب زوجته وتطلعه إلى اغتصاب نصيبها في المنزل، فهذا الرجل من نوعية الرجال الذين يطيعون أوامر زوجاتهم (ماشي ورا مراته)،فهو نموذج من الحياة لرجل متزوج، تلتبس مشاعر تلك المرأة، وتريد أن يقوم الأبن زياد الذي أصبح مهندساً بدور الأب في رعاية أشقائه حيث أن عبد الله شقيقة الأكبر مدمن مخدرات، وعبد الله على خلاف دائم مع أمه بسبب المخدرات، واحتياجه الدائم للمال، أما البنات فنرى مروة فاتها قطار الزواج وتعمل في محل ملابس، وسلمى تعيش قصة حب مع علي أبن خالها صلاح، أما الفتاة الصغرى سارة لا تتذكر عن أبيها شيء، إلا أنها تتوهم الذكريات السعيدة معه، وأنه موجود، وتتحدث عنه عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي وأنها تريد أن تراه، فالعرض مس عدة قضايا لهذه الأسرة، منها غياب الأب، وإدمان الابن، وعنوسة البنت، وقضية الحجاب... وهكذا من القضايا الحياتية.
إن نص العرض من نوعية النصوص الاجتماعية التي لا تتبع المسرح الأرسطي (بداية، وسط، نهاية) لكنه يصنف على أنه مسرح الأوتشرك، ويعني هذا المصطلح الذي ظهر في الاتحاد السوفيتي بأنه مسرح التحقيق والاستطلاع، أو الريبوتاج، فمسرح الأوتشرك هو مسرحة الظواهر الاجتماعية والسياسية الكبرى، وتتخلص صورة الأوتشرك الدرامية من الوحدات الأرسطية الثلاث، وتقدم الموضوع بطريقة صحفية.
|