القاهرة 12 نوفمبر 2024 الساعة 01:32 م
بقلم: شيماء عبد الناصر حارس
ومن المعقول جدا أن تصبح الكتابة حياة، فالنفس طالما كانت حية فهي ترى وتسمع كل جديد، مواقف واختلاط بالناس وعنف وغضب، حب وكره، لا بد من الكتابة المستمرة، حتى نفهم النفس طوال رحلة الحياة، والكتابة هي تعبير عن زاوية من زوايا العلاقات الإنسانية، الجزء الخاص بالبحث والتفتيش داخل النفس والروح.
طرح الأسئلة هو أهم ادوات الكتابة عن النفس، والأحلام والتي هي جزء أصيل من الذات البشرية، هل الاحلام قادرة على تغيير نظام عقلنا الكيميائي، تحويل السعادة إلى حزن وكآبة في لحظة واحدة، هل نحن كبشر عبارة عن بضعة تفاعلات عقيمة في المخ بين مركبات كيميائية تحولنا وتتحكم بنا وبمصائرنا وبكل شيء في العالم؟
لقد كان مجرد حلم ذلك الذي شاهدته وأنا نائمة، بضعة أحداث ومواقف وحكايات غير متوافقة ولا تسير على نظام واحد ولا منسجمة في شيء، لكن نثرت في ذاكرتي حدثًا عن وفاة أبي وعجزه وتحوله إلى مسخ بشري وكتلة عظام مشوهة، فتحت عيني وبدأت تنهال على رأسي الأسئلة لا أعلم من أين.
ما تفسير هذا الحلم؟! حزن، توقعات سيئة، ربما ليست القصة منحصرة في أبي، هي إشارة لزوجي لأنه كبير في السن، سيموت زوجي الذي أحبه ويعاملني برفق شديد ويعيش أبي الذي أكرهه ويعاملني بقسوة وغباء. يرن هاتفي وأحوله إلى الهزاز ثم الصامت، أحاول العثور على طريقة أو رد فعل مناسب في خيالي لو أخبروني أن أبي مات، هل أصمت.أعلى النموذج
وحينما يأتي وقت الكتابة، أبحث عن راحة أعرف أني لن أجدها، وأنا مثل لاجئ حرب لدي الكثير من المتاعب أؤجلها حتى تنتهي الحرب وحتى أجد مكانًا آمنًا بعيدا عن القصف، ربما أضطر لاستخدام هذا التشبيه لأني أشاهد أحداث الحروب كل يوم تقريبا، أعيش معهم في جو المأساة، واصطحب أصوات الفزع إلى نومي وأحلامي، واسأل نفسي ما جدوى الحياة بعد كل هذا العبث؟
وأنا بيدي المرتعشة أحاول لملمة أحزاني وأوجاعي لكن قلبي الحزين المرتجف يستعجب من كل هذا القدر من الآلام، هل الكتابة تريحني، وهل فهم نفسي سيأخذني إلى بر الأمان.
هل تكف روحي عن العبث بي وبقلبي وتهدأ قليلا، في هذا الوقت الذي أكتب فيه أشعر بضياع غريب، رغبة في الصراخ من كثرة الوجع، إن الكلمات في حد ذاتها ألم، واستحضاري لحالة الكتابة ألم، اغتراب في عالم مغترب، ورغم كل هذا القدر من التجارب لازلت مثل طفلة تتوجع حينما ترى عصفورا يبكي، وتجري فورا لأقرب حضن تعرفه لكي تختفي عن المشهد وتخبئ نفسها داخل حضن أكبر منها في محاولة للهروب، لكن الموقف رغم هروبها موجود، والعصفور يبكي وهي حزينة والحضن يتضاءل مع الزمن ويختفي.
في صفحات الألم تتوه البسمة ويذوب القلب، وفي صفحات الألم ترتعش الأيدي والعيون وكل الجسد، فكيف أكتب وأمسك بالقلم وأنا كلي ارتعش، وهل تفهمني نفسي ويهمها أصلا أن تفهمني مثلما أحاول فهمها، الناس حولي واجمون، أو ربما هكذا أراهم، أسقط حزني على وجوههم، وأتحاشى رؤية ابتساماتهم، لو أن هناك من يبتسم، أتذكر كل كلمات الأغاني الحزينة، وفي انكساري يغرق الجرح بالأعماق، وتتوه نفسي وسط كل هذا القدر من الآلام، فهل أستطيع أن أجدها، ولو وجدتها هل أستطيع فهمها.
|