القاهرة 12 نوفمبر 2024 الساعة 12:02 م
بقلم: ليمان ستونLyman Stone
ترجمة وإعداد: د. فايزة حلمي
كانت الحكمة الشائعة في العديد من المجتمعات هي أن الزواج يشكل جزءاً أساسياً من الحياة الطيبة السعيدة، ولكن في المجتمعات الحديثة؛ أصبح هذا الأمر محل جدال أكبر، فقد أظهرت استطلاعات الرأي والمسح الاجتماعي العام أن عدداً أقل يعتقدون أن الزواج يشكل مفتاحاً للسعادة، أو أن الزواج يشكل أهمية كبيرة بالنسبة للشركاء الرومانسيين مدى الحياة.
إن ما يجعل هذه الاتجاهات مزعجة بشكل خاص هو أنها في بعض الحالات خاطئة تجريبياً، والواقع أن المتزوجين أكثر سعادة من غير المتزوجين، وعلى الرغم من تغيّر وجهات النظر العامة، فإن الحقيقة هي أن المتزوجين أكثر سعادة حقاً.
ولكن هناك طريقة أكثر دقة لتفسير وجهات نظر العدد المتزايد من الناس المتشككين في فوائد الزواج، ربما يكون المتزوجون أكثر سعادة، ولكن هذا ليس بسبب الزواج، بل ربما يكون الأشخاص السعداء أكثر ميلاً إلى الزواج! وهناك بعض الأدلة التجريبية القوية التي تدعم هذا الرأي.
لقد أظهرت إحدى الدراسات المؤثرة للغاية أنه في عدة عقود من البيانات الطولية، بدأت السعادة المبلغ عنها ذاتيا في الارتفاع قبل الزواج مباشرة، وبلغت ذروتها في عام الزواج، ثم انخفضت في غضون عام من الزواج، وكانت التأثيرات أكبر على النساء مقارنة بالرجال.
وقد استندت دراسات أخرى إلى هذا، ووجدت أن ارتفاع السعادة في الزواج كان بسبب عوامل سياقية أخرى، وليس الزواج نفسه، وقد دفعت هذه النتائج وغيرها من النتائج المماثلة العديد من الناس إلى استبعاد فوائد السعادة في الزواج باعتبارها مجرد نتاج للتحيز والاختيار: فالأشخاص السعداء يتزوجون؛ والزواج في حد ذاته لا يجعل الناس سعداء. ومع ذلك، تبين أن هذا البحث أكثر تشاؤما مما يبدو: فالأساليب نفسها التي تشير إلى أن الزواج لا يؤثر على السعادة تميل أيضًا إلى الإشارة إلى أن العديد من تجارب الحياة الأخرى مثل البطالة والترمل لا تؤثر أيضًا على السعادة كثيرًا.
بعبارة أخرى، يشير هذا البحث إلى أن السبب وراء قلة سعادة الفقراء أو العاطلين عن العمل أو الوحيدين أو المعاقين ليس أن أشياء سيئة حدثت لهم: فهم سيكونون غير سعداء مهما حدث.
ولكن هناك أبحاث أخرى حديثة تَحدّت هذه النظرة المتشائمة، فقد أظهرت البيانات المستمدة من مسح كبير أن الزواج يزيد من السعادة في الأمد البعيد، وهو ما يشير إلى أن "الاختيار" ليس القصة كاملة، وربما لا يجعل الزواج بعض الناس سعداء، ولكنه يبدو أنه يجعل البعض الآخرمِن السعداء.
غيْر أن البحوث المتعلقة بالسعادة تعاني من مشكلة، إذ لا يوجد سوى عدد قليل من مجموعات البيانات التي تتعقب الناس على مر الزمن وتقيس سعادتهم، والعديد من المسوحات الطولية؛ لا تسأل عن السعادة على الإطلاق.
ولأن المسح الاجتماعي العالمي يَسأل عن السعادة والحالة الزوجية، فمن الممكن استخدام هذه البيانات لمعرفة كيف تتغير السعادة حول الأحداث العائلية الرئيسية، وخاصة الزواج والطلاق والترمل، لذا؛ فإن المسح الاجتماعي العالمي يوفر حجم عينة صغير إلى حد ما مع فترة متابعة قصيرة إلى حد ما، وبالتالي لا يمكنه تقديم اختبار شامل لتأثير الزواج على السعادة.
وعلى الرغم من حجم العينة الصغير ونافذة الوقت القصيرة، فإن المسح الاجتماعي العالمي هو مسح طويل الأمد يتمتع بجودة بيانات عالية، وباعتباره أحد المسوحات القليلة التي تحتوي على بيانات طولية عن السعادة، فإنه يوفر نافذة لا تقدر بثمن حول ما إذا كان الزواج قد يعزز السعادة في الدّول المختلفة بعد الزواج؛ كما تُظهر جميع النتائج أيضًا تأثير أي شخص يقضي حوالي ليلتين إضافيتين شهريًا مع أصدقائه، مقدرًا بين نفس المستجيبين. ولأن تواتر قضاء الوقت مع الأصدقاء يتغير أكثر بكثير من الحالة الزوجية، فإن النتائج الخاصة بالوقت الاجتماعي مع الأصدقاء يتم تقديرها بدقة أكبر.
إن التأثيرات المترتبة على التغيّرات الأسرية الكبرى يتم تقديرها بشكل غير دقيق، مع وجود نطاقات خطأ واسعة، ومع ذلك، يمكن التوصل إلى بعض الاستنتاجات المهمة؛ فالزواج يزيد من السعادة بشكل كبير في غضون إطار زمني مدته عامان، وفي حين أن التأثيرات في نافذة السنوات الأربع تتضاءل إلى حد ما ولم تعد ذات دلالة إحصائية نظرًا لعينة المتابعة الأصغر.
بعبارة أخرى، فإن تعزيزات السعادة "للمتزوجين حديثًا" واضحة جدًا، ولكن حتى في الأمد البعيد، يبدو أن الزواج مرتبط بكون الشخص أكثر سعادة مما كان عليه قبل الزواج.
وعلاوة على ذلك، هناك أسباب أخرى للاعتقاد بأن الزواج قد يعزز السعادة، إن حقيقة أن جميع النتائج تُشير إلى تأثيرات سلبية للطلاق ووفاة الشريك، وأحياناً بشكل كبير، أمر مذهل، فإذا كان الخروج من الزواج يجعل الناس أقل سعادة، فمن المنطقي أن يكون البقاء في الزواج أحد مكونات السعادة.
وهناك تغيير آخر لابد من ذِكره: هو الصداقة، ومن بين الأسباب التي تجعل العديد من الناس اليوم يعتقدون أن الزواج ليس حيوياً للسعادة؛ هو صعود فكرة أن الدائرة الضيقة من الأصدقاء يمكن أن تحل محل أنواع أكثر تقليدية من العلاقات، فعندما أبلغ الناس عن زيادة في تواتر "الأمسيات الاجتماعية التي يقضونها مع الأصدقاء"، حتى لو كانت زيادات كبيرة، لم يكن هناك أي تغيير مرتبط بالسعادة، لا يعني هذا أن الصداقة لا علاقة لها بالسعادة، بطبيعة الحال، وخاصة أن "الأمسيات الاجتماعية التي تقضيها مع الأصدقاء" هي مقياس بدائي للغاية للصداقة الحقيقية.
ولكن هذا يشير إلى أنه على المستوى العالي، من غير المرجح أن يؤدي ملء حياتك بأمسيات الألعاب ونوادي الكتب والنزهات مع الأصدقاء إلى تحقيق قدر كبير من السعادة مثل الزواج؛ ببساطة، لا يوجد بديل للزواج.
|