القاهرة 06 نوفمبر 2024 الساعة 12:12 م
بقلم: عمرو خان
تلتهم الحروب سنوات من عمر كوكب الأرض، وتجور على شبابه حتى تستعجل شيخوخته، فترانا نعيش اليوم مآسي ما كان لنا أن نعيشها في تاريخنا المعاصر. نحن ندفع ثمن ما اقترفه آخرون منذ عقود مضت وانقضت، ولكن آثارها باقية، وتداعياتها ممتدة عبر الزمان والمكان بأشكال متعددة.
تعد الحروب من أبرز التحديات التي تواجه البشرية، حيث تؤدي إلى تدمير الحياة والمقدرات، تاركة وراءها آثارًا عميقة تؤثر في البيئة وتؤدي إلى تغيرات جذرية في الأنسجة الاجتماعية والسياسية للدول المتضررة. في هذا السياق، برزت النزاعات المعاصرة، مثل الحرب الروسية الأوكرانية، والحرب الإسرائيلية على فلسطين ولبنان، والنزاع المستمر في السودان، كأمثلة صارخة على كيف يمكن أن تكون تبعات الحروب مدمرة للبيئة وتسبب تداعيات سلبية على الأجيال القادمة.
تتطلب دراسة هذه الحروب فهمًا عميقًا لتاريخ الصراعات وآثارها البيئية، من خلال تحليل الممارسات الحربية، وأساليب تدمير الطبيعة التي ارتكبت عبر الزمن.
• الحرب الروسية الأوكرانية وتأثيرها على البيئة
تبدأ الحرب الروسية الأوكرانية التي اندلعت في فبراير 2022، كواحدة من أبرز النزاعات المعاصرة، بتأثيرات سلبية فورية على البيئة. فقد أدى استخدام الأسلحة الثقيلة وتفجير المنشآت الصناعية إلى تدمير الغابات، وتلوث التربة والمياه الجوفية. وفقًا لتقرير الأمم المتحدة للبيئة، تقدر الخسائر البيئية الناتجة عن النزاع بمليارات الدولارات، مع تضرر نحو 20% من الأراضي الأوكرانية بسبب العمليات العسكرية.
علاوة على ذلك، تسببت الحرب في نزوح جماعي للسكان، مما أدى إلى ضغوط إضافية على الموارد الطبيعية في الدول المجاورة مثل بولندا ورومانيا.
بالإضافة إلى ذلك، أظهرت التقارير أن الحروب يمكن أن تؤدي إلى زيادة انبعاثات الكربون بسبب استخدام الوقود الأحفوري في العمليات العسكرية، مما يسهم في تفاقم تغير المناخ.
• الحرب الإسرائيلية على فلسطين ولبنان
الحرب الإسرائيلية المستمرة على فلسطين ولبنان، والتي بدأت منذ منتصف القرن العشرين، لها آثار بيئية كارثية، فالحصار المفروض على غزة منذ عام 2007، على سبيل المثال، أدى إلى تدمير البنية التحتية وتلويث المياه، حيث لم يعد السكان قادرين على الوصول إلى مصادر مياه نظيفة. كما ساهمت العمليات العسكرية في تدمير الأراضي الزراعية، مما أثر بشكل مباشر على الأمن الغذائي.
وفي لبنان، تسببت الحرب الأهلية التي استمرت من 1975 إلى 1990 في تدهور البيئة، حيث تضررت الغابات والموارد المائية. ووفقًا للتقارير، يُقدر أن أكثر من 25% من الغابات في لبنان قد دمرت خلال النزاع، مما أدى إلى تأثيرات بعيدة المدى على التنوع البيولوجي.
• النزاع في السودان وتأثيره على البيئة
أما النزاع في السودان، الذي تفجر منذ عام 2003 في دارفور، يعد من بين أكثر النزاعات دموية في التاريخ الحديث. فقد أدت الحرب الأهلية إلى تدمير البيئة بشكل كبير، حيث تم استخدام الأسلحة الكيمائية، مما أسفر عن تلوث التربة والمياه.
وفقًا لتقرير منظمة الصحة العالمية، يُعتقد أن حوالي 2.7 مليون شخص نزحوا بسبب النزاع، مما أدى إلى زيادة الضغط على الموارد الطبيعية في المناطق المضيفة.
أثر النزاع أيضًا على التنوع البيولوجي، حيث تم تدمير المواطن الطبيعية بسبب النزوح والزراعة غير المستدامة. كما ساهمت السياسات الحكومية الفاشلة في إدارة الموارد الطبيعية في تفاقم هذه الأزمة البيئية.
• آثار تاريخية للحروب على البيئة
وتاريخ الحروب بشكل عام مليء بالأمثلة على كيف يمكن أن تؤدي الصراعات إلى تدهور البيئة. على سبيل المثال، خلال الحرب العالمية الأولى والثانية، استخدمت القوى المتحاربة تكتيكات دمرت البيئة، مثل حرق الغابات وتفجير المصانع.
وفي دراسة أجرتها جامعة كولومبيا وجدت أن الحرب العالمية الثانية أدت إلى تدمير حوالي 25% من الغابات في أوروبا.
• النتائج والتداعيات المستقبلية
إن آثار الحروب على البيئة ليست مجرد أحداث عابرة، بل إنها تترك بصمات طويلة الأمد على الحياة. ومن المتوقع أن تؤدي التداعيات البيئية الناتجة عن الحروب الحالية إلى تفاقم الأزمات الإنسانية في المستقبل، مع زيادة التنافس على الموارد الطبيعية النادرة. لذا، ينبغي على المجتمع الدولي أن يتخذ خطوات فورية لتقليل آثار النزاع على البيئة، من خلال تعزيز السلام والتنمية المستدامة.
إن الحروب لا تلتهم فقط أرواح البشر، بل تلتهم أيضًا مستقبل كوكب الأرض. ويجب أن نعي جميعًا أن آثار النزاع تمتد عبر الزمان والمكان، مما يتطلب منا التفكير بجدية في كيفية معالجة هذه القضايا البيئية والتاريخية، من أجل بناء عالم أكثر استدامة وسلامًا.
|