القاهرة 05 نوفمبر 2024 الساعة 10:18 ص
شيماء عبد الناصر حارس
للكتابة وجع ليس له مثيل، مهما حاولنا تشبيهه بأي شيء فلن يشبهه، يكفي أن تكتب حتى تعرف ماهية هذا الوجع، بالطبع ليس المقصود أي كتابة، ولكنها الكتابة للنفس وعن النفس، يكفي أن تكتب رسالة لحبيب مثلا فتخيل قدر ضخات الدم التي يدفع بها القلب نحو الأعضاء، كم من الهرمونات المتنوعة، إنك تضخ روحك عبر القلم، تضخ لترات من الدم ليس فقط الحبر على الورقة، هذا القدر من الأداء المتنوع للجسد لا بد أن يكون له صدى على الكلمات، وحتى الأحلام التي يراها النائم حينما يحاول كتابتها فإنه يجعل الجسد يعيد أداؤه أثناء تلك الأحلام ولكن هذه المرة ربما بشكل مضاعف، فهو يتجاوب مع فاتنازيا الحلم ومع مجهود الكتابة، فالأداء مضاعف، جرب ولو مرة أن تكتب حلما.
الأحلام جزء من النفس الني نحاول فهمها، لا يحلم الناس أحلاما متشابهة فلكل شخص أحلامه التي تنبع من تجربته الحياتية ومساره في العالم، المسار الشخصي جدًا، وعودة للنفس بأوجاعها وأحلامها، مفهوم الوجع، مفهوم النفس، الأحلام، كل هذه المعاني تحتاج إلى بحث، الفهم مسألة عقلية صعبة تحتاج إلى قراءة وتحليل، هل لا بد للقراءة في علم النفس والفلسفة حتى يفهم المرء نفسه أم يمكنه الاكتفاء بالكتابة والتحليل ـ ولماذا نريد أن نفهم أنفسنا، هل لمعرفة ما يخفيه المستقبل مثلا من ردود أفعال على المواقف المختلفة، فمن قتل مثلا كان يعرف مسبقًا أن لديه هذه القابلية في فهل هذا الشيء، بعيدًا عن المعنى الأخلاقي أو القانوني للقتل، هل تحليل ردود الفعل الذاتية تساعد على فهم النفس، وليس أي تحليل، أن تكتب تصرفاتك بالقلم، تفرغ عقلك تماما حتى تستطيع أن تجعل الذهن صافيًا، أن تفكر شيء وأن تكتب شيء آخر، تحويل مجموعة من الهرمونات والرسائل بين الخلايا العصبية في المخ إلى مجموعة من الكلمات المتناسقة أو حتى غير المتناسقة في البداية بحركة اليد أو بطرقات على لوحة المفاتيح تجربة ليست بهذه السهولة وأيضًا التركيز وتوليد الأفكار وتذكر الأحداث، وقد تتحول هذه الخواطر الذاتية مع الوقت إلى تجربة جديرة بأن يعرفها العالم كما في تجارب كثيرة قرر أصحابها مشاركتها، وأن تمتلك لغة الخاصة فيبدأ السحر في الظهور.
خلف أبواب العقل المغلقة مئات من القصص والحكايات، يبدأ العقل نفسه باللعب فيها وترتيبها بطريقته الخاصة لكن حينما نكتب وخاصة أثناء الكتابة المنتظمة فإن المجال يضيق أمام العقل في اللعب بتفاصيل الحكايات والأحداث، الوقوف على أرض صلبة والتماس مع الحقيقة، كلما كتبنا كلما عرفنا ماهية الأحداث وحددنا شكلها الواقعي، واختبرنا ألاعيب العقل وتجاوبنا معها، كأن الأمر أشبه بمطاردة غزال جميل، يختبئ ويجري ونحن وراءه، في كل يوم نصطاده نفرح، واليوم الذي نهزم به نكتفي بصيد أرنب بري أبيض لطيف مشبع.
|