القاهرة 29 اكتوبر 2024 الساعة 11:07 ص
بقلم: أمل زيادة
سكان كوكبنا الأعزاء، عدت إليكم بمزيد من الشغف والكثير من الحب والتحديات.. بدأ أول أسبوع دراسة بالنسبة لنا بسؤال محدد أثناء أسبوع التعارف، لماذا أنتم هنا؟!
تشابهت الإجابات لحد كبير، جئنا لندرس ما نحب للمرة الأولى في حياتنا، فلا تحت رهن تحكم التنسيق الذي يجبرنا على دراسة أشياء ضد رغباتنا وميولنا، ولا نحن ننصاع لرغبات العائلة التي تعيش على خرافة كليات القمة.
راقني دعابة أحدهم عندما قال:" قد تكون المرة الأولى في حياتي التي أنفق نقودًا لي، لشيء يخصني وليس للآخرين، اكتشفت أني أعيش لهم فقط، أين أنا من هذا العالم ؟!لا أدري، ورغم تأخر هذه الخطوة إلا أني لست نادمًا".
قال آخر:"بدأت حياتي بحثًا عن ذاتي، لكن عرقلتني رحلة الزواج، فهو وحده مقبرة الآمال!".
وقالت أخرى: "جئت لدراسة ما أحب، لو استمعوا إلي في السابق، لاختصرت عشر سنوات من عمري!".
كم من هؤلاء بيينا ممن تركوا نفسهم للأيام، أداة تسرق عمرهم، وداخلهم حلم دفين، طالما حلموا به، بل ربما ما زال يطاردهم في منامهم إلى الآن.
أوقن أن الحياة فرص، وحده الماهر الذي يطوع هذه الفرص لصالحه، لتنمية مواهبه أو للترفيه عن ذاته وسط فوضى أيامنا ومتطلباتها التي لا تنتهي.
لا أخفي عليكم أن ما جمعنا هو "الحلم والتحدي".
أعلم أن ما نفعله ليس شيئا خرافيا أو معجزا، لكنه بالنسبة لنا كذلك، لأننا نقوم بأشياء كثيرة لا علاقة لها ببعض. وهذا قمة التحدي.
أتوقف دائما أمام رغبات الأهل، وتحكمهم بنا دون إعمال للعقل أوالعودة إلينا والانتباه لما نريد..
لا أدري لماذا يفعلون ذلك، أعلم أن كل شيء مقدر، لكن ماذا عن المجازفة والتجريب، لسنا في سباق مقيد بزمن لتحصيل قدر محدد من العلم، وإنما نحن بصدد سباق مع الأيام، مع القدرة على التلقي والعطاء..
فمن يأتي مبكرا يترك بصمة في شخصيتنا عمن يأتي متأخًرا، يكفي أن في السابق نكون محاطين بمن نحب بمن نتوق لرؤية نظرات الفخر في أعينهم، وهم ليسوا معنا في حاضرنا الذي نسعى لتجميله، رغما عن أنف الظروف والحاقدين.
وسط كل هذه المستجدات، تذكرت نبتاتي التي انشغلت عنها، في أشياء متضادة لا تجمعها شيء، سوى كوني عاملا مشتركا بينهم.
تحدت نبتاتي العطش، وأثمرت، أينعت وريقاتها وفروعها بعد أن كانت في فترة طويلة من الخمول.. لم أقصر في رعايتها بل كانت أولى اهتماماتي، مراقبة نموها المتجمد، يبدو أن الخريف بأيامه المتقلبة، لها أثر كبير على نبتاتي وليس علينا فقط!
أحب نسمات هذا الفصل المميزة، لسعة البرد التي تجتاح القلوب مع صوت حفيف الأشجار وهدير الرياح الذي يزأر بالخارج، لا سيما وصوت موسيقى أو أغنية محببة، تؤجج الذكرى وتشعل الحنين..
تعيدنا لأيام كانت أكثر دفئا بوجود من نحب، ممن أبعدهم الموت عنا وعن عالمنا، هم في قلوبنا دوما ونراهم في أحلامنا بانتظام، ورغم ذلك نشتاق للحظة حقيقة تتقابل فيها الوجوه، وتتلامس فيها الأجساد.
بكل الأحوال، كوكبنا الهادئ المستقر يضج بالرومانسية في أيامه الباردة بصفة خاصة، حيث تتلون لياليه بألوان الحب و نتدثر برداء ليس من صوف وإنما مغزول بحرفية من دفء المشاعر.
في كوكبنا لسنا في حاجة للوقود أو وسائل التدفئة الحديثة، يكفي أن يعم الحب أرجاء كوكبنا، وأن يظلل حياتنا بالهدوء والسكينة..
لدي فضول لمعرفة ماذا لو قرر الجميع الالتحاق بكوكبنا؟!
ماذا سيصطحبون معهم؟!
بصفة خاصة سآخذ معي نبتاتي، ومكتبتي، وهاتفي بقائمة مميزة من الأغاني والموسيقى..
قد أحضر علبة ألوان وأوراق.. ماذا عنكم؟!
تناقشت مع بعض رفاقي بهذا الشأن، قالوا إن سر جمال حياتنا تقلباتها، تمر يوما بأحداث صاخبة مزعجة، ويوما آخر بأحداث لاهثة ليست بذات الأهمية.
أي أنهم يرون أن سر تميز حياتهم في عدم انسيابيتها، لذا قد يملون من السكن في كوكبنا الذي يتميز بالهدوء والاستقرار.
بكل الأحوال، لن نختلف كثيرا، فليأتوا متى يشاؤون، فكوكبنا يفتح أبوابه للجميع طوال الوقت.
من الممتع أن تكون مقصدًا للراحة والتأمل والبحث عن الذات، أظن أن كوكبنا يحث على ذلك..
لذا كونوا بالقرب، فالأيام الجميلة لم تأت بعد.
|