القاهرة 22 اكتوبر 2024 الساعة 10:18 ص
كتبت: هبة أحمد معوض
في النصف الثاني من القرن التاسع عشر سطع اسم فريدريك نيتشه، حتى أصبح أبرز فلاسفة عصره والعصور السابقة واللاحقة عليه، فمنذ مؤلفه الأول ميلاد التراجيديا، الذي تمخض عن ثورة فكرية ضد العقل، حتى هكذا تكلم زرادشت الذي فيه ولدت فكرة موت الإله وثنائية العالم، وقد أحدثت كتاباته ضجيجًا هائلًا لا يزال صداها موجودًا حتى الآن،.
وقد كانت فلسفة نيتشه محل اهتمام كل من عاصروه من فلاسفة، وصبوا اهتمامهم على دراسته، وعلى الرغم من امتلاء المكتبة الغربية والعربية بدراسات وأبحاث عن فلسفته؛ إلا إنها لا تزال غير واضحة، أو بشكل أدق لم يستقر لها على تفسيرات حتمية واحدة.
ولعل تحديد نسقه الفلسفي أبرز دليل على ذلك، إذ إن البعض صنفه كفيلسوف وجودي، بينما وضعه آخرون في قالب الفكر العدمي، فيما انتهى الكثيرون إلى كونه فيلسوف قدم نسقه الفلسفي الخاص به في قالب غير نسقي، وأرى أن هذا الرأي هو الأرجح غالبًا.
أما جنونه - في العظمة والعقل - فهو ما اتفق عليه الجميع، إذ إنهم لم يتوقعوا ما آلت إليه أفكاره من بعد هكذا تكلم زرادشت، تحديدًا في مؤلفه هذا هو الإنسان، الذي كان المؤلف الأخير في رحلته الفكرية الفلسفية.
ورغم كون هذا المؤلف وضع نيتشه في خانة الشكوكية العقلية؛ إلا إنني أراه المؤلف الأكثر تعقلًا في مسيرته، ففيه تخلى عن كونه فيلسوفًا وكتب بقلم إنسان وشاعر عن حياته وكتبه، وانتقد نفسه حتى في أسلوب صياغته الكتابية، التي كانت أقرب إلى الحكم، وساقته إلى سوء الفهم على نحو ما تنبأ، ولكنه بررها بكونه لا يريد قراء متعجلين لا يفهمونه.
إن نيتشه في مؤلفه هذا هو الإنسان كان مختلفًا تمامًا، أرخ حياته بشكل موجز، من كونه قسًا بروتستانتيا صغيرا إلى تطور فكره وتحوله إلى فيلسوف غير نسقي مثير للفكر، وفيه لم يُعِد كلماته أو يحسب لها، بل أرادها جرانيتيه تستهدف إحداث انقلابات في نفسية القارئ، والحقيقة أن نيتشه لم يقف عند فكره هو فقط، بل تطرق أيضًا إلى التساؤلات الخلقية التي من الممكن أن تحدد مستقبل البشرية، كما واصل بحثه في الوجود الإنساني، الذي فيه خرج الإنسان من مرحلة الديدان إلى الإنسان الأعلى، ذي القيم الجديدة.
|