القاهرة 22 اكتوبر 2024 الساعة 10:10 ص
بقلم: شيماء عبد الناصر حارس
أما حينما تحب، فأنت تحتاج إلى أن تكتب نفسك أكثر من أي وقتٍ مضى، في الحب يتحول الطعام إلى وجبة من أثير، والروح إلى ملاذ، في الحب نفهم الشفق ونذوب في النفس، نكتب نبضات وجداننا ونكتب أنفاس الحبيب، ننسى هذا العالم المليء بالضجيج، وفقط تجذبنا زقزقات العصافير، نبكي ونفرح في نفس النَفَسْ، نسافر إلى بعيد، حيث بلاد الأمل والحياة، البلاد التي تمتلئ بحارها بالنجوم، تلك البلاد هي عيون من نحب، فهل نفهم أنفسنا حينما نحب؟ أم نتحول إلى كيان آخر يأخذه المحبوب مركبًا شراعيًا في زرقة السماء يطير، تتحول كل الأشياء والمفاهيم إلى تركيبة مختلفة، فلا وجود لمنطق الحياة المعتاد.
تكتب الحبيبة صوت حبيبها ينساب ليلا عبر حديث يومي، صوته مثل رشفة قهوة محلاة بسكر فكره وثقافته، حينما يكون الرجل عذبًا جذابًا، يصبح صوته أكثر روعة، تشتاق له أكثر مع كل كلمة، هي مشتاقة للحب، تنشر رسائلها له كي تخبره كل الكائنات كم هي تحبه: "أن تكتب نفسك بدون شوائب، هذه الروح التي تسبح داخل كأسك الزجاجي المليء بالموسيقى، تخبرك الكثير، تخبرك أنك كنت في يوم من الأيام قطعة موسيقى متحركة، مجرد وتر ساكن فوق جبهة كمان، أو زر بسيط اللون على ظهر بيانو، فلتعد الآن إلى أصلك ولتتحدث كنغم شفاف، وبمنتهى العذوبة فلتخبر الخلق عن نفسك، تلك القطعة المستديرة اللألاءة ويفيض منها النور كلما زاد العزف وهجا وكلما زادت أنفاسي صخبا فوق قلبك.
قرر أن تكتب نفسك بدون أي شائبة من جسد وأعضاء، اكتبها كما أراها الآن، كما تخبرني عنها أزرار لوحة المفاتيح وتمليها علي موسيقى موزارت، نعم أنت كما أنجبتك منذ سنوات هذه العصافير وهي ترف على الأشجار، أنت كما شكلتك قطع السحاب وهي تمر بين أمواج الرياح، أنت كما رسمتك دوامات المياه على سطح النيل النائم بنصف عين، أنت كما أوحت بك رائحة أشجار الليمون لرائحة شجر الموز، أنت كما فاضت النجوم بقصائدها تغازل قمرًا يلهو عنها ليغازل فتاة صغيرة تحتضن حبيبها بنعومة أنيقة، وكما رقصت بك أقدام طفل يتعلم الرقص على دقات يصنعها أبواه بقلبيهما وكفيهما، وكما تكون في حالة حب، وكما تكون في لوثة عشق، وكما تكون غارقًا في عيني، أريد فقط منك أن تكتب نفسك بكل هذه المواصفات التي تقرأها في كتالوج عيني وهذا كي تصبح جاهزًا في يوم من الأيام لكي تمسك ريشة أحلامك وترسمني بدقة كما أراني في عينيك".
كتابة بين نفسين، نفسان تحاولان فهم نفسها وفهم الأخرى، الرسائل ليست فقط لتبادل الحب في هذه الحالة، إنما لكتابة الروح ورسم معشوقها، تأملات في القدر الحنون الذي ابتسم لنا أخيرا بعد الضياع، الكتابة احتفاء بفرحة النفس وتحليل جزيئات سعادتها، هنا النفس عنصران، عنصر للشخص وعنصر للمحبوب، البحث سيكون أعمق والفهم سيكون أصعب، لكنها في الأخير رحلة ممتعة بصحبة المحبوب.
|