القاهرة 22 اكتوبر 2024 الساعة 09:55 ص
بقلم: أمل زيادة
يحدث شيء صغير يجدد فينا الأمل والرغبة بالحياة، والسعي لتحقيق المزيد من الأحلام، وسط عتمة حياتنا التي تحاصرنا بالأحداث المتلاحقة، والأحزان، والألم، والخذلان..
سكان كوكبنا العزيز عدت للدراسة بالصدفة، شاهدت إعلان عن فتح القبول بالقسم في جامعتي جامعة عين شمس، صدفة من أجمل صدف حياتي القدرية، اعتدت أن أدرس كلما أتيحت إلى الفرصة، أوقن أن التعلم والقراءة يضيف للإنسان كثيرًا، لا توجد دراسة في أي مجال دون فائدة.. لذا عندما حانت الفرصة اقتنصتها، هذه المرة الدراسة أكاديمية، وليست دراسات حرة خاصة بالكتابة الإبداعية، بل إنها في المجال الذي أحب..
تجربة ثرية منذ بداية تقديم الأوراق، وحتى الاختبار الذي أهلنا للالتحاق بالقسم.. خضنا اختبارا لم يكن سهلا للمفاضلة بيننا للبدء في الدراسة..
فكرة البحث وتجميع المعلومات والمذاكرة بتركيز لخوض هذا المعترك الجديد والتسلح له، لم يكن يسيرا لكنه ممتعًا، الأجمل على الإطلاق العودة للورقة والقلم، طرق المذاكرة القديمة وليست الكتابة على الهاتف أو جهاز الحاسوب.
بمجرد أن عبرت بوابة الجامعة، عدت سريعًا للماضي، رحلة عمرها يكاد أن يكون ربع قرن.. المباني كما هي لم تتغير، كذلك المدرجات، قد يختلف لون المقاعد وإضافة بعض الأجهزة المستحدثة للتهوية، والشاشات الحديثة للتدريس والكتابة عليها.. ما زال الشباك الذي كنت أقف عنده آنذاك برفقة زملاء الدراسة يزين المكان، ويقف متحديا الزمن مثلنا جميعا، كل ما استجد عليه وجود جهاز تكييف ضخم أكل نصف مساحته!
انتبهت لشيء مهم.. أن الهواء ما زال كما هو معبق برائحة الحب والأحلام الوردية التي تناسب رواد هذا المكان العتيق..
حمدا لله ما زالت الأشجار كما هي، ما اختلف هو الممر الطويل الوحيد الذي كنا نسلكه للوصول للكلية، وقصر الزعفرانة بجامعة عين شمس..
حرص المسؤولين على وجود الأشجار العتيقة كما هي رغم تقليص المساحات الخضراء حولها، شيء يجب الإثناء عليه، اختفى الأسفلت واكتست الأرضيات كلها بالطوب المعشق، في منظر جمالي وحضاري رائع أتاح لذوي الهمم التنقل بسهولة، كما توجد عربات جولف لنقل العاملين وأولياء الأمور من أول البوابات الرئيسية حتى آخر الجامعة، ناهيك عن أكشاك الطعام والمشروبات والشحن الفوري وخلافه..
تجاهلت كل الحداثة التي تحيط بي، وأكملت جولتي داخل أروقة الذكرى لا الجامعة..
المدهش أن بها نباتات تصلح للتكاثر والتجذير، هذا يعني أن في القريب العاجل سأجدد مشتلي المصغر، اعتدت أن أقتني أي نبتة من أي مكان أزوره لأزرعه وأراعيه، كلما رأيته أتذكر تفاصيل هذا اليوم حرصًا مني على تذكر أول كل شيء من كل حدث، لأن أجمل ما في الحياة أوله..
قارنت بين نفسي منذ ربع قرن، والآن.. وجدت اختلافا كبيرا، وتحولا أكبر في الشخصية، وطرق التعامل، لكن العامل المشترك الوحيد هو الحلم..
كان هناك حلم وهدف منذ ربع قرن، تحقق، وما زال يتحقق، ويواصل شق طريقه رغم كل المعوقات..
مخطئ من يظن أن الحياة حالكة السواد، أو أن الفرصة تأتي مرة واحدة.. الفرص تتكرر، والأحلام تتجدد، والآمال لا تنتهي لأن سقف الطموحات أعلى..
أحمد الله أن كل ما تمنيت تحقيقه حدث وأكثر وما زال يحدث..
الأجمل على الإطلاق العودة للدراسة بذهن أكثر إدراكا ووعيا بما يجري.
سكان كوكبنا الأعزاء أهديكم أغنية بعبق الذكرى، سمعتها للمرة الأولى أثناء ذهابي للجامعة:
"راجعين نعشق وندوب ونعيش مع بعض حياتنا
ما يفيدش هروب من شوقنا ومن حكايتنا
وتعالى.. تعالى.. تعالى
يا حبيب العمر تعالى
كل اللي أنا شوفته في بعدك من عمري ده مش محسوب".
تأملوا كلماتها وانثروا حولكم شذرات عطركم المفضل.. أنصتوا لصوت الموسيقى وهي تداعب الذكرى وقت الصباح بلسعة برده المحببة لقلوبنا..
يكفي أن نحاط بما نحب، ونعيش مع من نحب، وعلى أرضنا التي نحب.. حتى ولو اختلقنا كوكبا داخلها أو خارجها، نفر إليه كلما شعرنا بالرغبة في ذلك..
لا ضير من العيش داخله، متخذين الكرة الزجاجية غطاء، نشاهد ما يجري حولنا بحذر ويقظة، لكن دون صوت رغبة في المحافظة على ما تبقى لنا من إنسانية وحب للحياة.
يكفي أن يكون كوكبنا رمزا للاستقرار، والعلم، والحب، والاجتهاد، داخل كل منا كوكب خاص به، الفارق الوحيد بيننا أن كوكبنا هذا كوكب شامل، يرحب بالجميع، بكل من يشعر بالضيق، كوكبنا يفتح أبوابه للجميع..
لكل من يبحث عن الدفء، والحب، والغد الذي نأمل أن يأتي محملاً لمصر بالخير الدائم.
|