القاهرة 20 اكتوبر 2024 الساعة 04:27 م
بقلم: د. حسين عبد البصير
قدّم الأدب المصري القديم بعض القصص التي يمكن اعتبارها مناسبة للأطفال، رغم أنها لم تكن مخصصة لهم بشكل مباشر. تركزت هذه القصص على قيم أخلاقية ودينية، وشملت الأساطير والحكايات التي تحمل معانٍ تعليمية. من أبرز هذه القصص "قصة الأخوين" و"قصة الفلاح الفصيح"، وهما قصتان تحتويان على عناصر خيالية وأحداث درامية تصلح للأطفال، إذ تساهم في تعليمهم قيم مثل الصدق، الشجاعة، والعدل.
قصة الفلاح الفصيح تتحدث عن فلاح فقير يتعرض للظلم من قبل أحد النبلاء الذي استولى على حماره وما يحمله من مؤونة. الفلاح لم يستسلم، وذهب إلى الملك ليقدم شكواه. بفضل إصراره وفصاحته، لفت انتباه الملك الذي أعجب ببلاغته وأعاد له حقه. تحمل هذه القصة في طياتها قيمة الإصرار على الحق والمثابرة في مواجهة الظلم.
قصة الأخوين تدور حول اثنين من الإخوة، أحدهما يُتهم ظلماً بخيانة أخيه، مما يؤدي إلى أحداث مأساوية. تعكس القصة مفاهيم مثل الوفاء والخيانة، وتشجع الأطفال على التفكير في نتائج الأفعال والعلاقات بين الأفراد.
دُرِّس الأدب في مصر القديمة عادة في المنازل أو في المدارس التي كانت ملحقة بالمعابد. كانت هذه المدارس مخصصة لتعليم أبناء النبلاء أو أولئك الذين يعدّون للعمل الإداري والكهنوتي. كان التعليم يشمل تعلم القراءة والكتابة الهيروغليفية، وغالباً ما كان الطلاب يتعلمون من خلال نسخ النصوص المقدسة أو الأدبية، مما ساعدهم على فهم الأخلاق والقيم التي يقوم عليها المجتمع المصري القديم. التعليم في المنازل كان يخص الأطفال في الطبقات الاجتماعية العليا، بينما كان التعليم في المعابد يستهدف إعداد الكهنة والمسؤولين.
التنقل بين السطور في النصوص الهيروغليفية كان يتم بدقة تحت إشراف المعلمين. الكتابة كانت تتم إما من اليمين إلى اليسار أو العكس، وكان الطلاب يتعلمون كيفية قراءة النصوص بطريقة منهجية، حيث كان للنصوص المقدسة أهمية كبيرة في حياتهم الدينية والاجتماعية.
القصص المصرية القديمة وجدت مكتوبة على البرديات، وهي أكثر وسيلة استخدمها المصريون لتوثيق الأدب والتعليم، كما نُقشت على جدران المعابد والمقابر، حيث كانوا يخلدون فيها أعمالهم الأدبية والنصوص الدينية.
لم تكن العناوين في الأدب المصري القديم موجودة بالشكل الذي نعرفه اليوم. النصوص غالباً ما كانت تُعرف من خلال بداية القصة أو بذكر الشخصية المحورية أو الحدث الرئيسي. كانت العناوين غير رسمية وتظهر بشكل عفوي مع مرور الزمن.
كان لتدريس الأدب دور كبير في تعزيز القيم الأخلاقية والدينية. الهدف من تدريسه في المدارس أو المنازل كان تشكيل جيل قادر على فهم مسؤولياته تجاه المجتمع وأداء دوره بشكل صحيح. لم يكن التعليم مقتصراً على أبناء الملوك والأمراء، فقد أُتيح التعليم لأبناء الطبقة الوسطى والمجتهدين ممن يسعون للعمل في وظائف إدارية أو دينية. لكن رغم ذلك، ظل التعليم مرتبطاً بطبقة معينة من المجتمع، مما ساهم في تفاوت مستويات المعرفة بين الأفراد.
كانت مصر القديمة تعاني من نسب مرتفعة من الأمية بين الطبقات الفقيرة والعامة، حيث كان التعليم مقتصراً على فئة محدودة من المجتمع. الأميّة كانت منتشرة لأن التعليم كان مكلفاً وصعب الوصول إليه للجميع، لا سيما في القرى والمناطق البعيدة عن مراكز التعليم في المعابد.
من خلال هذه القصص، تتضح رغبة المصريين القدماء في تعزيز القيم الأخلاقية والاجتماعية، حيث استخدموا الأدب كأداة لتربية الأجيال على مفاهيم العدل، والصدق، والشجاعة.
|