القاهرة 16 اكتوبر 2024 الساعة 01:16 م
بقلم: د. حسين عبد البصير
يعد افتتاح المتحف المصري الكبير حدثًا تاريخيًا فارقًا ليس فقط لمصر بل للعالم بأسره، حيث يمثل هذا المشروع الضخم الذي يضم كنوزًا أثرية لا تقدر بثمن، بداية جديدة للمتاحف المصرية، سواء على مستوى البنية التحتية أو العروض المتحفية، كما أن التأثير الذي سيحدثه المتحف المصري الكبير على المتاحف الأخرى في مصر سوف يكون ملحوظًا، لأنه سيجذب عددًا كبيرًا من الزوار؛ نظرًا لمجموعاته الفريدة، خصوصًا مع العرض الكامل لمجموعة توت عنخ آمون عند افتتاحها.
ومع ذلك، يمكن أن يتحول هذا التأثير إلى فرصة لتعزيز التنسيق بين المتاحف المصرية، من خلال تنظيم معارض مشتركة، أو إعادة توزيع بعض المقتنيات بشكل يعزز التجربة السياحية الثقافية في مختلف المحافظات، ما يسمح لكل متحف بالحفاظ على طابعه الخاص وجذب فئة معينة من الزوار.
يمكن أن يتم التكامل بين المتاحف المصرية المختلفة من خلال تطوير برامج الترويج المشتركة التي تتيح للزائر فرصة زيارة أكثر من متحف عبر تذاكر موحدة أو تقديم مسارات سياحية متكاملة، كما يمكن تفعيل دور التكنولوجيا الحديثة، مثل التطبيقات الذكية والجولات الافتراضية، لتوحيد تجربة الزائر بين المتاحف. إضافة إلى ذلك، يمكن تبادل القطع الأثرية وتنظيم معارض مؤقتة بين المتاحف، لتعزيز التنوع والتجديد المستمر في العروض، مما يشجع الزوار على زيارة المتاحف بشكل دوري.
ولتعزيز جاذبية المتحف المصري الكبير ينبغي التركيز على بعض العناصر الأساسية التي من شأنها أن تجذب شريحة واسعة من الزوار، ومن أبرز هذه العناصر عرض القطع النادرة والمهمة مثل مجموعة توت عنخ آمون التي سوف تعرض للمرة الأولى بشكل كامل عند افتتاحها.
بالإضافة إلى ذلك، يجب استغلال التكنولوجيا الحديثة لجعل التجربة أكثر تفاعلية، حيث يمكن للزوار الاستفادة من الواقع المعزز والواقع الافتراضي للتعرف على تاريخ مصر القديمة بطريقة مبتكرة، كما سوف يكون من المهم تقديم برامج تعليمية وورش عمل تستهدف الأطفال والشباب، مما يعزز وعي الأجيال الجديدة بالحضارة المصرية. إلى جانب ذلك، توفير مرافق وخدمات عالية الجودة مثل المطاعم والمتاجر سوف يسهم في خلق تجربة متكاملة للزوار.
على صعيد آخر، من المتوقع أن يكون للمتحف المصري الكبير أثر كبير على القطاع السياحي في مصر، فمن المرجح أن يصبح هذا المتحف وجهة سياحية رئيسة على غرار متحف اللوفر أو المتحف البريطاني ومتحف المتروبوليتان، مما سوف يزيد من تدفق السياح إلى مصر بشكل عام، ومنطقة أهرامات الجيزة بشكل خاص.
كما يساهم الافتتاح أيضًا في زيادة متوسط مدة إقامة السائح في مصر، حيث سوف يصبح المتحف وجهة رئيسة تستحق تخصيص وقت كافٍ لاستكشافها، ما يعزز من تأثير السياحة على الاقتصاد المصري.
إلى جانب ذلك، من المتوقع أن يجذب المتحف استثمارات جديدة في قطاعي الضيافة والنقل، مما يعزز من التنمية الاقتصادية ويجعل من مصر مركزًا عالميًا للثقافة والسياحة.
سوف يعيد افتتاح المتحف المصري الكبير تشكيل خريطة السياحة في مصر، وسوف تتحول منطقة أهرامات الجيزة، والتي تضم الأهرامات الخالدة وتمثال "أبو الهول" العظيم إلى مركز جذب سياحي عالمي، وسوف تصبح الوجهة الأولى للسياح الذين يزورون مصر. وسوف يسهم ذلك في إعادة توزيع الزوار على مناطق أخرى، ويمكن أن يعزز من الترويج لوجهات سياحية قريبة مثل المناطق الأثرية والسياحية في "أبو رواش"، و"أبوصير"، وسقارة، ودهشور، واللشت، والواحات البحرية، والفيوم، وبني سويف.
كما سوف يحفز هذا الحدث السياحة الداخلية؛ إذ سوف يكون المتحف جاذبًا للسياح المصريين إلى جانب السياح الأجانب، مما يعزز من قيمة السياحة الثقافية والتعليمية داخل مصر.
لتحقيق أقصى استفادة من زيارة المتحف المصري الكبير، أنصح الزوار بتخصيص وقت كافٍ لاستكشاف المتحف؛ نظرًا لحجمه الكبير وتنوع مقتنياته. يمكن أن يسهل التخطيط المسبق للجولة على الزائر الاستمتاع بتجربة غنية؛ إذ يمكن استخدام تطبيقات متخصصة أو الخرائط المتاحة على الموقع الرسمي لتحديد الأقسام التي يرغبون في زيارتها أولاً. سوف تكون الجولات الإرشادية أيضًا مفيدة جدًا للزوار الذين يسعون للحصول على معلومات معمقة حول القطع الأثرية، خصوصًا مجموعة توت عنخ آمون عند افتتاحها. إضافة إلى ذلك، من المهم للزوار الاطلاع على الفعاليات الخاصة أو المعارض المؤقتة التي قد تقام خلال زيارتهم، مما يتيح لهم الاستفادة القصوى من التجربة.
ويعكس الدعم الرئاسي لمشروع المتحف المصري الكبير الاهتمام غير المسبوق الذي يوليه السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي والدولة المصرية بكل أجهزتها لقطاع السياحة والآثار، والذي يشكل جزءًا أساسيًا من التراث المصري وحجر زاوية في الاقتصاد السياحي. ويتجسد هذا الدعم في مشروعات تطوير البنية التحتية المتعلقة بالسياحة والآثار، مثل تحسين الطرق المؤدية إلى المتاحف والمواقع الأثرية، وتوفير تسهيلات النقل، وبناء المرافق المحيطة التي تخدم الزوار والسياح. كما يسهم هذا الدعم في تعزيز البحث العلمي والاكتشافات الأثرية، بالإضافة إلى الترويج للتراث المصري عالميًا.
لا يقل اهتمام الدولة المصرية بتطوير المتاحف الإقليمية أهمية عن المتاحف الكبرى، وتسهم المتاحف الجديدة مثل متحف شرم الشيخ ومتحف الغردقة ومتحف العواصم في العاصمة الإدارية في تعزيز وعي المصريين والزوار الأجانب على حد سواء بقيمة التراث الثقافي المصري، وتحمل هذه المتاحف رسالة قوية تتمثل في أن مصر ليست فقط القاهرة والإسكندرية، بل تمتد بتراثها وتاريخها إلى جميع أنحاء البلاد. ويتيح هذا التنوع للزوار فرصة اكتشاف تراث مختلف المناطق، ما يعزز من جذب السياحة إلى المحافظات ويؤدي إلى تنشيط الاقتصاد المحلي.
|