القاهرة 15 اكتوبر 2024 الساعة 10:36 ص
بقلم: أمل زيادة
هلت الشهور "الرائية" بجمالها النادر، وتزايد معها التهافت على الإقامة في "الكوكب التاني"، خاصة بعد ازدحام أيامنا بالعديد من المؤرقات التي لا يد لنا فيها.. لا ألومهم على قرار الانتقال لكوكبنا حيث الهدوء والسكينة، حيث يحن الجميع لأيامٍ كان عنوانها الاستقرار على الأصعدة كافة، لا سيما العاطفية منها، خاصة وأن هذه الأجواء تهل علينا محملة بالذكرى والشجن..
شهور "أكتوبر، ونوفمبر، وديسمبر"، والشتاء بلياليه الطويلة الجميلة التي تحفز المشاعر على الركض تحت المطر، والتنزه في الطرقات الخاوية التي نتدثر بمشاعرنا فيها للحصول على الدفء، أيام تشجع على الوقوع في الحب، وتزداد الرغبة في القراءة، والكتابة، والطهي خاصة المخبوزات..
كل شيء في الشتاء يصبح مختلفا، وأكثر جمالًا وشاعرية..
احترت كثيرا فيم أكتب هذا الأسبوع، لكن ما شجعني على الكتابة مشاهدة فيلم أثار داخلي تساؤلات عديدة.. ماذا لو غيرنا الماضي؟! هل نرضى بالمستقبل بعد هذا التغير؟!
تدور قصة الفيلم حول فتاة تتعرض لحادث تفقد فيه حبيبها، وتقع فريسة غيبوبة لأسابيع، ثم تعود للحياة لتكتشف أنها حتى لم تشارك حبيبها الوداع..
تزين جدران غرفتها بصور وقصاصات ورقية، توثق أبرز اللحظات بينهما بالتاريخ واليوم والساعة، والأغاني التي كانوا يستمعون إليها معا..
تكتشف عن طريق الصدفة، خلال وجودها في المنزل وأثناء سماعها لأغنية مفضلة لهما، أنها عادت بالزمن لهذه اللحظة، وتعيد كل ما حدث بكل تفاصيله مع دراية منها أنه لم يعد معها في المستقبل، لذا تتأمله بحب وتعتقد أنها كانت تحلم..
يتكرر الأمر معها على فترات متفرقة، لتدرك ان باستطاعتها العودة للماضي، إذا استمعت إلى الأغاني المفضلة لهما، ولكي تتجنب ذلك فإنها تعيش كل حياتها وهي تضع على أذنيها سماعات بأغانٍ صاخبة!
المثير في هذا الموضوع أنها عقب عودتها من كل ذكرى تشعر بالألم أكثر، لذا انضمت لجلسات دعم نفسي!
توقفت كثيرا أمام فكرة الفيلم وتساءلت، ماذا لو حُبسنا في الماضي؟ هل سنفتقد أيام المستقبل؟ هل سنشتاق لنسخنا في المستقبل؟! ما الذي سيختلف فينا؟!
هل المعرفة المفرطة تؤرق حقا؟! هل معرفتك لما حدث بعد ذلك يفقدك متعة الاستمتاع باللحظة؟!
أسئلة كثيرة أثارها الفيلم داخلي، ولم أجد لها إجابة، ربما يجد القراء إجابة لها!
ولكن جاءت نهاية الفيلم أكثر إدهاشا وحزنًا حد البكاء.. لم تفلح محاولاتها في إثناء حبيبها عن ركوب السيارة تجنبًا لوقوع الحادث، لذا قررت سؤال حبيبها في إحدى نوبات العودة بالزمن: ماذا لو حدث حادث مأساوي وفرقنا الموت، وكانت لديك الفرصة للتغيير، هل تفضل أن تترك الأمر يسير وفقًا لما هو حدث بالفعل وتعيش وحيدا، أم تحاول تجنب اللقاء والوقوع في الحب؟!
قال دون تردد: الخيار الثاني!
اندهشت قائلة: حتى ولو لم أكن معك؟!
فأجاب بثقة: لكنك ستكونين بخير، تتمتعين بالحياة حتى ولو مع شخص آخر، ويكفي أن تكوني سعيدة..
شكرته ونفذت نصيحته في مشهد درامي، جاء أكثر مشاهد الفيلم صدقًا.. حيث ودعته باكية قائلة: الآن أودع حب حياتي!
توقفت كثيرا أمام النهاية غير المعتادة، وتساءلت ما الممتع في العودة للماضي؟ لماذا يهتم صناع السينما بهذا الشأن حد الهوس؟!
هل لأن الماضي أكثر هدوءا مقارنة بأيامنا؟! هل هو فضول؟ أم ملل ورغبة في المجازفة؟!
إجراء شيء غير اعتيادي وقطعا سيكون ممتعا كونك تدري ما سيكون؟
لو سألني أحدهم منذ سنوات هل توافقين على العودة بالزمن لتغيير بعض الأشياء والقرارات لوافقت دون أدني تردد.. لكن بمرور الوقت أدركت أن هذا قرار خاطئ، لأنه دون هذه القرارات التي أعترض عليها، ما أصبحت في نسختي الحالية، الأكثر دراية وثقة ونضجا..
لذا إذا خيرت بين العودة للماضي لتغييره، أو البقاء في الحاضر، فإني سأرفض خوض هذه التجربة بشكل قاطع، رغم أن بها أشخاص فارقونا..
لن أعيد الكرة، كل مرة أعود فيها للماضي ستتجدد الذكرى، ومن يعيش على أنقاض الماضي والذكريات لن ينعم بحاضره، ولن يتقدم خطوة للأمام..
ولكن يمكنني أن أقبل السفر للمستقبل!
السفر للمستقبل سيجعلنا ندرك معنى ما لدينا، وسيخبرنا بضرورة تصحيح بعض المسارات وطرق التعامل، حتى لا يغادر من نحبهم وهم لا يعلمون أننا نحبهم، لتجنب الشعور بالتقصير تجاه أي شيء..
نصيحتي لكل سكان كوكبنا أن استمتعوا بأيامكم مهما كدرتها الظروف، ومهما ضغطتنا الحياة، لأن أيامنا تزداد قيمة بوجود من نحبهم حقا ونهتم لأمرهم.. هؤلاء وحدهم من يستحقون منا كل لحظة، لأنهم يحبوننا حبا حقيقيا، لا يتحججون بالظروف ولا المسافات.. الحب لا يحتاج معجزات ليصل للقلوب، ولا يحتاج للثراء للتعبير عنه.
استمتعوا بكل لحظة في أيامكم مع من تحبون، لأنهم يستحقون كل هذا الحب، وكل هذا العطاء والهدوء..
هنيئا لنا بكوكبنا الذي تزداد أجواؤه رومانسية في الشهور الرائية، وترقبوا مزيدا من العاطفة مع اقتراب أجواء الحب، وأيام الشتاء الرمادية.
|