القاهرة 09 اكتوبر 2024 الساعة 11:03 ص
بقلم: د. حسين عبد البصير
اعتمدت حقوق الإنسان في مصر القديمة على مجموعة من القيم والمبادئ التي حكمت المجتمع المصري القديم بشكل متوازن ومنصف، وقد اتخذت العدالة مكانة مركزية في النظام المصري القديم، حيث جسدت فكرة "الماعت" مفهوما للعدالة والنظام الذي لا يمكن التخلي عنه، وقد اعتمد المصريون القدماء على الماعت كقيمة عليا تضمن تحقيق التوازن بين الأفراد والكون والمجتمع بمختلف طبقاته.
حرص الملك المصري القديم على تمثيل "الماعت" والعمل على تطبيقها في جوانب الحياة كافة، حيث اعتبر الملك حامي النظام وقائد العدالة، وكان عليه ضمان التوازن بين السماء والأرض، وبين الحكام والمحكومين.
وقد اتبع الملوك المصريون القدماء نظامًا قضائيًا منظمًا يقوم على مجموعة من القوانين المكتوبة التي كان القضاة مسؤولين عن تنفيذها وفقًا للماعت، كما طبق القانون على الجميع دون استثناء، فتمتع جميع المصريين بحقوق متساوية أمام القانون، سواء أكانوا ملوكًا أو عمالاً أو حتى عبيدًا.
تميزت القوانين المصرية القديمة بالشفافية والعدل حيث اهتمت بحل النزاعات بشكل سلمي ومنصف، وعملت المحاكم على تحقيق التوازن بين حقوق الأفراد وحماية المجتمع من الفوضى والظلم، وقد أظهرت النصوص القانونية القديمة التزام المصريين بالعدالة كقيمة عليا تعزز السلم الاجتماعي والازدهار.
وضمن النظام القانوني المصري القديم حق الأفراد في الحصول على العدالة والمطالبة بحقوقهم حتى لو كانوا من أدنى الطبقات الاجتماعية، وقد احتوت النصوص القانونية على نصوص واضحة تنظم العلاقات بين الأفراد وتحدد حقوقهم وواجباتهم بما يتوافق مع قيم الماعت لذلك كان المجتمع المصري القديم يتمتع بنظام قضائي يحمي حقوق الجميع دون استثناء.
وقد سمح النظام القضائي في مصر القديمة لأي فرد برفع قضية أو تقديم شكوى للحصول على حقوقه دون تمييز، وكان القضاء في مصر القديمة يتمتع باستقلالية، حيث أصدر القضاة أحكامهم بناءً على الأدلة والشهادات المقدمة أمامهم، وكان المتهمون يحصلون على فرصة للدفاع عن أنفسهم وتقديم شهاداتهم قبل إصدار الأحكام، ما يعكس روح العدالة التي كانت تسود المجتمع.
كما تمتع العمال بحقوق أساسية في مصر القديمة، وحصلوا على أجور مقابل عملهم في بناء الأهرامات والمعابد، حيث قدمت الأجور في صورة مواد غذائية مثل الحبوب والبيرة، وإذا تأخرت الأجور نظم العمال احتجاجات وإضرابات للمطالبة بحقوقهم، ويشار أن أحد أقدم الإضرابات المعروفة في التاريخ حدث في عهد رمسيس الثالث عندما قام عمال دير المدينة بإضراب للمطالبة بدفع أجورهم المتأخرة، وقد استجاب المسؤولون لمطالبهم مما يظهر أهمية حقوق العمال في النظام المصري.
وقد شهدت مصر القديمة أيضًا حقوقًا متقدمة للمرأة مقارنة بحضارات أخرى، فكان للمرأة الحق في امتلاك الأراضي وإدارة ممتلكاتها الخاصة كما كان بإمكانها الدخول في العقود القانونية، والمشاركة في الأنشطة الاقتصادية، وإذا ما تعرضت المرأة للظلم كان بإمكانها رفع دعوى أمام القضاء مثلها مثل الرجل، كما تمتعت المرأة بحقوق الزواج والطلاق وفقًا للقوانين المعمول بها.
وقد أكدت النصوص المصرية القديمة على معاملة العبيد والخدم بإنسانية واحترام على الرغم من مكانتهم الاجتماعية المنخفضة، حيث نصت القوانين على معاقبة أي شخص يسيء معاملة الخدم أو العبيد، وفي بعض الحالات كان العبيد يتمتعون بفرص لتحسين أوضاعهم أو حتى نيل حريتهم إذا أثبتوا ولاءهم أو كان لهم علاقة جيدة مع أسيادهم.
وقد ساعدت فكرة "الماعت" في تعزيز العدالة داخل المجتمع المصري القديم، وساهمت في تحديد العلاقة بين الأفراد على مختلف مستوياتهم الاجتماعية، حيث اهتم المصريون بإرساء مبدأ التوازن في كافة جوانب الحياة سواء أكان ذلك في التعامل مع الطبيعة أو مع الآخرين من الأفراد والجماعات لذلك حرص الملوك المصريون على تطبيق النظام القانوني على الجميع دون تمييز.
أدت فكرة الماعت إلى نشر ثقافة التوازن والانسجام بين الأفراد وبين الحاكم والمحكوم ما جعل العدالة ركنًا أساسيًا في حياة المصريين القدماء، وتعاملت مصر القديمة مع قضايا حقوق الإنسان من خلال نظام قانوني معقد وشامل يهدف إلى حماية حقوق الأفراد بغض النظر عن مكانتهم الاجتماعية.
حتى أنه يذكر أن العمال في مصر القديمة نظموا إضرابات للمطالبة بحقوقهم إذا تعرضوا للاستغلال أو لم يحصلوا على أجورهم كان ذلك النوع من الاحتجاجات نادرًا في التاريخ القديم، لكنه يعكس أهمية حقوق الإنسان في مصر القديمة واحترام النظام القانوني لتلك الحقوق بشكل عادل ومنصف، فقد كانت حقوق الإنسان محمية بشكل متساوٍ سواء أكان الفرد ملكا أو عاملًا أو حتى عبدًا.
اهتم النظام القضائي المصري بتنفيذ العدالة وحماية حقوق جميع الأفراد في المجتمع طبق القانون على الجميع بما يتماشى مع قيم الماعت التي تمثل العدالة والحق، لذلك ساهمت القوانين المصرية في الحفاظ على السلم الاجتماعي والاستقرار السياسي وضمان حقوق الأفراد مهما كانت مكانتهم.
|