القاهرة 09 اكتوبر 2024 الساعة 11:00 ص
بقلم: عمرو خان
تعد أفريقيا من أكثر القارات تأثرًا بتغير المناخ، ورغم مساهمتها الضئيلة في انبعاثات الغازات الدفيئة العالمية فإنها تتحمل العبء الأكبر لتفاقم الكوارث الطبيعية الناجمة عن الاحترار العالمي. وفي السنوات الأخيرة، شهدت القارة زيادة ملحوظة في تكرار وشدة الكوارث الطبيعية مثل الجفاف، الفيضانات، العواصف، وارتفاع درجات الحرارة، ما أسفر عن أزمات بيئية، اقتصادية، واجتماعية متفاقمة.
* تأثير تغير المناخ على القارة الإفريقية:
إن أحد أكبر التحديات التي تواجه المجتمعات الأفريقية هو تغير المناخ، إذ يؤثر بشكل مباشر على النظم البيئية والاقتصادات المعتمدة بشكل رئيسي على الزراعة، وهذه الآثار الناتجة عن الاحترار العالمي تظهر بعدة أشكال، الجفاف المتزايد يؤثر على دول شرق أفريقيا مثل كينيا وإثيوبيا والصومال، ما يؤدي إلى نقص المياه وفشل المحاصيل الزراعية، مما يهدد الأمن الغذائي ويزيد من معدلات الفقر.
وعلى الجانب الآخر تتعرض دول غرب إفريقيا لفيضانات مدمرة بشكل متكرر، كما هو الحال في نيجيريا وغانا، حيث يؤدي ارتفاع مستوى الأمطار إلى تدمير البنية التحتية وتشريد الملايين، هذه الفيضانات تؤدي إلى فقدان الأراضي الزراعية وتدهور سبل العيش، مما يزيد من معاناة المجتمعات المحلية ويضع ضغوطًا إضافية على الموارد المحدودة.
* تصاعد حدة الجفاف وانعدام الأمن الغذائي:
وفي هذا السياق يعد تكرار الجفاف في إفريقيا أحد أكبر التحديات، خاصة في مناطق الساحل الإفريقي وشمال القارة. على سبيل المثال شهدت إثيوبيا موجة جفاف شديدة في عام 2021، ما أدى إلى تدهور الأوضاع الزراعية ونفوق الماشية، بالإضافة إلي تقليل الإنتاجية الزراعية المؤدية إلى ارتفاع معدلات الفقر والجوع، وزيادة التوترات الاجتماعية والهجرة الداخلية والخارجية.
إن الجفاف يدفع أيضًا ملايين الأفراد للنزوح بحثًا عن مصادر المياه والغذاء، مما يخلق أزمات اجتماعية وأمنية حيث تتنافس المجتمعات على الموارد المحدودة. ووفقًا لتقارير الأمم المتحدة، قد يؤدي تغير المناخ إلى زيادة نسبة الأشخاص الذين يعانون من نقص التغذية بما يصل إلى 20? في العقود المقبلة، ما يمثل تحديًا كبيرًا أمام الحكومات والمنظمات الإنسانية.
* الفيضانات والعواصف الاستوائية:
في إفريقيا جنوب الصحراء دمرت الفيضانات المتكررة مدنًا بأكملها وأثرت على البنية التحتية الحيوية. وتعاني نيجيريا، من الفيضانات الموسمية التي تعد واحدة من أسوأ الكوارث الطبيعية التي تؤدي سنويًا إلى تشريد مئات الآلاف، فضلًا عن تدمير المنازل والمرافق الصحية والمدارس.
وكذلك تفعل الأعاصير والعواصف الاستوائية الحادة في مناطق جنوب أفريقيا، موزمبيق، ومدغشقر. ففي عام 2019، ضرب إعصار "إيداي" موزمبيق، ملاوي، وزيمبابوي، متسببًا في دمار واسع النطاق وتدمير المحاصيل والمنازل، بالإضافة إلى قتل مئات الأشخاص وتشريد الملايين. هذا النوع من الكوارث يعزز هشاشة تلك الدول، التي غالبًا ما تفتقر إلى القدرات المالية والفنية اللازمة للتعافي السريع.
* تحديات التكيف والمقاومة:
في مواجهة هذه التحديات المتزايدة، تحتاج القارة الأفريقية إلى تطوير استراتيجيات تكيف فعالة ومرنة، ولكن للأسف تعاني غالبية الدول الأفريقية من ضعف القدرات المؤسسية والمالية، مما يجعلها أقل قدرة على التكيف مع التغيرات المناخية. كما أن قلة الاستثمارات في مشاريع البنية التحتية المقاومة للكوارث وغياب التكنولوجيا المتطورة يزيد من تفاقم التأثيرات ويضع ضغوطًا أكبر على الحكومات المحلية.
ورغم وجود بعض المبادرات الإقليمية والدولية لدعم القارة في مواجهة تغير المناخ، مثل "مبادرة السور الأخضر العظيم" التي تهدف إلى مكافحة التصحر في منطقة الساحل، فإن الاستجابة حتى الآن غير كافية.
تحتاج أفريقيا إلى دعم مالي وتقني أكبر من المجتمع الدولي لتطوير أنظمة الإنذار المبكر وإجراءات الحد من تأثير الكوارث الطبيعية، بالإضافة إلى تعزيز الزراعة المستدامة واستثمارات في البنية التحتية.
* التطلعات نحو المستقبل:
من الضروري أن يتحرك المجتمع الدولي بفعالية أكبر لدعم إفريقيا في مواجهة تحديات تغير المناخ، وينبغي أن تشمل هذه الجهود توفير التمويل اللازم للمشاريع البيئية المستدامة، تطوير تقنيات زراعية تتكيف مع الظروف المناخية القاسية، وتقديم الدعم للبرامج التي تحسن إدارة الموارد المائية.
كما يجب أن تتضافر الجهود الحكومية في إفريقيا مع الدعم الدولي لتعزيز القدرة على التكيف مع تغير المناخ، من خلال زيادة المعرفة المجتمعية حول إدارة المخاطر البيئية، وتطوير أنظمة إنذار مبكر لمواجهة الكوارث الطبيعية قبل وقوعها، بالإضافة إلى تقديم حلول دائمة لسكان المناطق الأكثر عرضة للجفاف والفيضانات.
في النهاية، يمثل تغير المناخ تحديًا وجوديًا لإفريقيا، ولا يمكن ترك القارة وحدها في مواجهة هذه الكوارث المتزايدة، ويجب أن تتضافر جهود الحكومات الإفريقية والمجتمع الدولي لإيجاد حلول مستدامة وفعالة لمواجهة هذه التحديات، وإلا فإن الأزمات البيئية والاجتماعية ستستمر في التفاقم، مما يهدد حياة الملايين من الأفارقة ويؤثر سلبًا على مواردهم الطبيعية ومستقبلهم.
|