القاهرة 09 اكتوبر 2024 الساعة 10:59 ص
بقلم: أحمد محمد صلاح
في رأيي أن من يريد أن يصبح سياسيًّا فلا بد أن يبدأ بأفلاطون، وأن يبدأ قراءته السياسية بمحاورة الجمهورية، هذه المحاورة التي وضعت في كتاب يحمل الاسم نفسه، وبها عدد من النقاط التي يسعي من خلالها أفلاطون لأن يصل إلى المدينة الفاضلة.
وقد شغلت فكرة المدينة الفاضلة الفلاسفة كافة، بل والحكام أيضا، بل وقد تطرف البعض في التفكير والقول بأن ذهب إلى أن الأنبياء كانوا كذلك يحلمون بالمدينة الفاضلة، ولكن عند أفلاطون كان الأمر مختلفا إلى حد ما، حيث أنه وضع أسسا سياسية واجتماعية واضحة، من خلال خبراته التي اكتسبها في سفراته، ليضع تلك الأفكار، وليس من الغريب ان نقول إن بعض القانونيين قد استمدوا تلك الأفكار في الدساتير، أو القوانين، لتصبح أفكار أفلاطون نوعًا من الإلهام فيما بعد.
ولنستعرض بهدوء المدينة الفاضلة عند أفلاطون، فيقول برتراند راسل: تتألف أهم محاورات أفلاطون «محاورة الجمهورية» من ثلاثة أجزاء بصفةٍ عامة، أولها (وهو يمتد إلى ما يقرب من نهاية الكتاب الخامس) يُعنى ببناء دولة مُثلى، وهذه الصورة من الدولة المثلى هي أول ما عرف العالم من "مدن فاضلة".
ومن النتائج التي وصل إليها أفلاطون في هذا الجزء أن الحكام يجب أن يكونوا فلاسفة، وأما الكتابان السادس والسابع من الجمهورية فيُعنيان بتعريف كلمة "فيلسوف"، ومناقشة هذا الأمر تؤلف الجزء الثاني.
وأما الجزء الثالث فيتألف قبل كل شيء من مناقشة أنواع مختلفة من الدساتير الفعلية، ما لها من حسنات ومن سيئات. ويقصد أفلاطون أن الحاكم لا بد أن يكون مطلعا على كافة الأشياء التي قد تمس دولته، وأن يكون ذا معرفة جيدة بها.
ويستطرد برتراند راسل: إن الغاية الشكلية التي ترمي إليها «الجمهورية» هي أن تحدد معنى كلمة "عدالة"، لكن الحوار قد انتهى في مراحله الأولى إلى نتيجةٍ هي أنه لما كان الأيسر في كل شيء أن يُنظر إليه مكبرًا عن أن يُنظر إليه مصغرًا، فالبحث فيما يجعل الدولة العادلة عادلةً أجدى من البحث فيما يجعل الفرد العادل عادلًا، ولما كان يتحتم أن تكون العدالة إحدى صفات أفضل دولة يمكن للخيال أن يصورها، فإن أفلاطون يبدأ بتصوير تلك الدولة المثلى، وبعدئذٍ يأخذ في تحليلها ليرى أي جوانب كمالها يمكن أن يُسمى "عدلًا".
إذًا فالعدل من وجه نظر أفلاطون هو عدل الدولة الذي ينعكس بالضرورة على الأفراد، ومن ثم تحدث حالة من الرفاهية والترف، التي تؤدي إلى نوع من الاستقرار السياسي والاقتصادي.
ويستكمل راسل: يبدأ أفلاطون بتقريره أن أبناء المدينة يجب تقسيمهم إلى ثلاث طبقات: الشعب، والجنود، وأولياء الأمر. وأولياء الأمر وحدهم هم الذين يؤذن لهم بتولي السلطة السياسية، وعدد أفراد هذه الطبقة أقل جدًّا من عدد الأفراد في الطبقتين الأُخريين.
والظاهر أن المقصود هو أن أفراد هذه الطبقة عند بداية تطبيق هذا النظام ينتخبهم المُشرِّع، لكنهم بعد ذلك سيصبحون أصحاب حق في هذه الطبقة بحكم الوراثة في أغلب الأحوال، فلا نستثني إلا حالات شاذَّة، حيث يجوز للطفل المتفوق من أبناء إحدى الطبقتين الدُّنيَين أن يرتقي إلى طبقة أولياء الأمر، كما يجوز لمن تبدو عليه علامات النقص من أبناء طبقة أولياء الأمر وشبانها أن ينخفض إلى واحدة من الطبقتين الأخريين.
والمشكلة الأساسية -كما يرى أفلاطون- هي أن يستوثق من أن أولياء الأمر سيُنفذون ما أراده المشرع، وله عدة مقترحات لتحقيق هذه الغاية، بعضها تربوي، وبعضها اقتصادي، وبعضها ديني، وفي كثيرٍ من الأحوال لا ندري إلى أي حدٍّ أراد أفلاطون أن تُطبَّق هذه المقترحات على الطبقتين الأخريين -أي فيما عدا طبقة أولياء الأمر- نعم إنه من الواضح أنه يريد ببعض مقترحاته أن تطبق على الجنود، لكنه معنيٌّ قبل كل شيء بأولياء الأمر وحدهم، الذين يريد لهم أن يكونوا طبقةً متميزة عن الأخريين، مثلما كانت فئة الجزويت في باراجواي القديمة، وفئة رجال الكنيسة في الدول الكنسية حتى سنة 1780م، والحزب الشيوعي في جمهوريات روسيا السوفيتية.
ملخص ما يطرحه أفلاطون أن يتم انتخاب المتميزين من الشعب ليصبحوا حكاما بعد أن يمروا باختبارات عدة في المعرفة، وأن يكونوا فلاسفة يستطيعون الحكم علي الأشياء، أما الطبقة التي تلي ذلك فهي طبقة الجنود، ثم تليها طبقة الشعب بطوائفه المختلفة، ويقول أفلاطون بأن من يثبت تميزه من الطبقتين الأدنى يتم ترقيته إلى الطبقة الأعلي، والعكس، فإذا كان أحد أفراد الطبة الحاكمة ليس على المستوى، فإنه يمكن أن يتم إنزاله إلى الطبقة السفلى أو التي تليها.
|