القاهرة 08 اكتوبر 2024 الساعة 11:14 ص
كتب: جمال الفيشاوي
قدم العرض المسرحي "صانع النجوم" نتاج ورشة التمثيل الاحترافي 2 تدريب وإخراج الفنان الدكتور علاء قوقة أستاذ التمثيل والإخراج بالمعهد العالي للفنون المسرحية، والذي يعتبر من أهم أساتذة حرفية الممثل في الوطن العربي، العرض من إنتاج أكاديمية الفنون برئاسة د.غادة جبارة، وبإشراف المخرج ومصمم الديكور محمود فؤاد صدقي المشرف العام على مسرح نهاد صليحة بأكاديمية الفنون، والمدرس المساعد بالمعهد العالي للفنون المسرحية.
وقد اشترك في العرض سبعة عشر شاباً وشابة بأعمار مختلفة، وهو عرض تخرج دفعة من الشباب لإبراز مواهبهم في الأداء التمثيلي، وتعتبر هذه التجربة بالنسبة لهم تجربة مميزة وممتعة وجادة وأن كلاً منهم يستطيع أن يضع قدمه على بداية الطريق، فهذا العرض وراءه مخرج اختفي ليظهر ممثليه بالشكل اللائق.
ودكتور علاء قوقة ممثل ومخرج وأستاذ في المعهد العالي للفنون المسرحية بأكاديمية الفنون وشغل منصب رئيس قسم التمثيل والاخراج فهو يجمع الشروط الصالحة كلها بأن يكون مدرباً لورشة فن التمثيل، ولعب دكتور علاء في تقديمه للعرض المسرحي على فكرة التدريب الذي يعتمد على الارتجال وتلقائية الممثل في الأداء التمثيلي، ويعتبر الممثل هو أهم عنصر في المسرح، وفي الدراما بشكل عام حيث أن الممثل هو الوسيط الذي يقوم بتوصيل الرسالة للمتلقي.
ويحسب للورشة أنها عملت على تدريب الممثلين على فنون التمثيل بأشكال مختلفة منها مهارات الإلقاء وضبط الإيقاع في الأداء والاشتغال على جسد الممثل ولياقته البدنية وتنمية قدرات ومهارات التركيز والخيال، وتعاون الممثل مع زملائه الممثلين الآخرين وتوصيل الرسائل والأفكار المطلوبة، وتم تقديم المشاهد بشكل بسيط كما أنها لم تبعد عن واقعنا المعيش، وقد وصل عدد كبير من المتدربين إلى مستوى عالٍ جدا من الحرفية وهي مسألة مهمة بالنسبة للمثل، وعلى الرغم من وجود بعض من هؤلاء المتدربين الذين يقفون للمرة الأولى على خشبة المسرح، فمن الممكن أن يمثل الممثل في أي عمر حتى وإن كان لم يقف مطلقا على خشبة المسرح، فمن خلال التدريب الجيد من الممكن أن يصبح ممثلاً جيدا.
-
الدراسة الأكاديمية والتطبيق العملي:
من خلال العرض شاهدت جزءًا من رسالة الدكتوراه التي حصل بها دكتور علاء على الدرجة العلمية من المعهد العالي للفنون المسرحية عام 2006م بعنوان تنمية قدرات التركيز للممثل، وهي رسالة علمية مهمة قابلة للتطبيق وليست من الرسائل العلمية التي تزين رفوف المكتبات، والتركيز مطلوب لأي إنسان خاصة في العمل وبالذات أصحاب الحرف اليدوية المتعاملين مع الآلات، فعدم التركيز بالنسبة لهم يؤدي إلى حدوث كوارث، والتركيز بالنسبة للممثل هو أحد الركائز الأساسية في عمله، والسؤال كيف يتم تفعيل ملكات المخ عن طريق الازدواجية والتعددية، فالازدواجية تعني أن يقوم الممثل بأداء مهمتان في وقت واحد، والتعددية هي القيام بأكثر من مهمة في الوقت نفسه، فكيف يكون المخ قادرا على السيطرة على هذه المهام المتعددة، وقد وصل في رسالته العلمية بالتدريبات للممثلين على قدرة المخ السيطرة على سبعة مهام في اللحظة نفسها.
وفي الجانب التطبيقي من الرسالة، قام بإعداد تلك التدريبات على بعض الطلبة وقام بتدريبهم لمدة عام، وكان يقوم برصد النتائج حتى وصل للتركيز السباعي، بمعنى أن يركز الممثل في سبعة مهام في نفس اللحظة، وشرح كل التفاصيل بدأ من علاقة التركيز بالرياضة الروحية، والدراسات العلمية وعلاقة التركيز ودوره عند رواد الفن المسرحي، ومستويات التركيز لمخ الإنسان بشكل مباشر، فقد قام في الفصل التطبيقي برصد كل النتائج، كما قام بتصوير كل التدريبات من البدايات، والتطور إلى الوصول للمرحلة النهائية، فقد اشتغل على المهارات وكيف يتقنها الممثل، وكمثال للسبعة تطبيقات، ممثل يلعب أثناء التمثيل بكرة، يكون التركيز في التمثيل ويضاف إليه السيطرة على الكرة، ثم نضيف كرة ثانية، ثم ثالثة، فقد أصبح التركيز في أربعة مهام، فلو أضفنا أن يقوم الممثل بالاتزان على حرف الكرسي، ثم نضيف سيطرته على الكرسي بالاهتزاز يمينا ويسار، ولو قام بلف الكرسي أصبح يركز في سبعة مهام، وقام بحساب عنصر التمثيل عنصرا واحداً فقط، فالتمثيل أشياء مركبة ومعقدة، يجب على الممثل حفظ دوره وإذا كان باللغة العربية يهتم بتشكيل اللغة، ويحافظ على الأداء والنبرات الصوتية والانتقال من حالة إلى حالة، إلى آخر التدريبات الخاصة بالتمثيل.
وقد قدم هذا النموذج في العرض الذي شاهدناه، لكن دون أن يقوم الممثل بالاهتزاز يميناً ويساراً، ولف الكرسي، وداخل رسالته العلمية قدم نماذج أخرى منها نموذج المبارزة، فأثناء ممارسة قواعد المبارزة بالشيش بين اثنين من الممثلين، إذن فالممثل يقوم بالتمثيل والمبارزة معا، ثم يطور ذلك بعمل إيقاع بالقدم، ثم يمسك سيفا آخر ويبارز اثنان في وقت واحد، ثم يلعب الباتيناج، فالممثل إذن يركز في كل هذه الأشياء، وقدم نموذج ثالث وهو عزف البيانو، فيختار مقطوعة موسيقية شهيرة يتدرب عليها الممثل جيدا ويقوم بعزفها أثناء التمثيل، والغرض من ذلك إذا أخطأ في العزف أثناء الانفعال ستكون التجربة خاطئة، وبالتالي نكتشف عدم التركيز، ثم يطور الأمر بإضافة المبارزة فيكون المبارزة مع التمثيل والعزف في الوقت نفسه، وتوجد تجارب كثيرة وأفكار للتركيز، والممثل لا يستطيع أن يقوم بهذه المهارات الا بعد أن يمر بالمرحلة التمهيدية للمخ وبعدها المرحلة الأولى التجهيزية، ثم المرحلة الثانية والثالثة، ثم مرحلة المهارت، بمعنى أن يصل الممثل لمرحلة الأداء ببساطة شديدة وهدوء تام.
-
حبكة مسرحية رئيسة يتخللها حبكات فرعية:
إن العرض الذي شاهدناه ومن وجهة نظري هو عرض مسرحي له إطار عام به حبكة مسرحية رئيسة يتخللها حبكات فرعية، وقد عرض لنا قضية نعيشها في الوقت الراهن في ظاهرها قضية التمثيل وكيفية حصول الممثل على فرصة عمل مناسبة لإمكاناته، ونحن نشعر بها كممثلين سواء أكنّا كبارا أو مبتدئين، فالكثير من القائمين على الأعمال الفنية لا يقومون بتسكين الممثل المتميز المستحق في دور (شخصية) يناسبه، بل يذهب الدور للمعارف والمحاسيب وغير ذلك، وهي قضية مهمة جدا تنعكس على كل شيء في الحياة ليس في مصر فقط بل انتقلت على مستوى العالم.
وربط بهذه القضية الأساسية بعض القضايا الفرعية، والتي كان يقوم بتقديمها على هيئة مشاهد تمثيلية لإقناع المنتج بحرفية التمثل لهذه الفرقة، ومنها قضية استهتار الشباب الذي يطلق عليهم أبناء الطبقة الراقية المقلدين للغرب والبعيدين عن عاداتنا وتقاليدنا نظرا لمركز آبائهم المادي الجيد، فعند حضورهم عيد ميلاد صديقة لهم يصطحبون معهم شخصا لم تعرفة صديقتهم ويتم إقناعها أنه شبح ولم يره أحدا منهم ويظهر لها هي فقط، ثم يبدأ اختفاء كل منهم بواسطة هذا الشبح، ثم يتعرض لها الشبح ويهجم عليها فتهاب الموقف وتطعنه بسكين قد أحضره صديق ثالث لهم لا يحبونه لسوء أحوال أسرته المادية والذي أحضر لها هدية برتقال وذهب للمطبخ وأحضر سكينا ليقشر بها البرتقال، لتكمل الحبكة، وأدى الموقف برمته بأن ترتكب هذه الصديقة جريمة قتل بسبب هزلهم واستهتارهم السخيف.
وقدم لنا قضية استغلال الموظف الكبير لسلطته ليزوج ابنته المتخلفة عقليا من مرؤوسه وانتهاز أقرب أصدقاء هذا المرؤوس لتك الفرصة فهو صديقه الصدوق والذي وثق فيه واستدعاه معه لمنزل رئيسة لإتمام الخطبة، لكن هذا الصديق يحثه على رفض تلك الزيجة وبعدما يرفضها يطلبها هذا الصديق للزواج لنفسه، وقضية الرشوة والمحسوبية والتي قدمت في مشهد عالي الجودة وإتقان الحرفية للممثلين المشاركين، وقضية المشاكل الحياتية للشباب والتي قدمت في بشكل لطيف بمشهد يمثل لعبه الملاكمة، وكذلك قضية تعتبر من أهم وأخطر القضايا التي نعاني منها الآن، وهي قضية الأسرة التي تعيش في منزل واحد، لكنها منفصلة اجتماعيا، فالكل مشغول بوسائل التواصل الاجتماعي، لدرجة نسيان الوالدين ابنهما ويعتقدون أنه لص، مما يرسخ انقطاع التواصل الأسري، وغير ذلك من القضايا.
وقدمت جرعة من الكوميديا الراقية، وبعد طرح كل ذلك مع القضية الرئيسية للمنتج الذي جاء ليكتشف وجوها جديدة، والذي جاء مجاملة لابنة زوجته وهو متخذ قرار مُسبق بتشغيل أقاربه في عمله الفني يتم حل الأزمة بشكل بسيط بعودة المنتح للفرقة مرة أخرى، ونستطع القول أن زوجته وبخته لهذا السلوك، أو استيقظ ضميره ليختار ممثلين من الفرقة على الرغم من أنه لم يتنازل عن إسناد أدوار البطولة لأقاربه، فما شاهدناه كان بعيدا عن التكرار والملل الذي تكون حجته أننا نقدم عرضا للتدريب على التمثيل ولا بد من إعطاء لكل متدرب فرصة لإبراز مواهبه وإمكاناته التمثيلية، وأكرر وأقول إن ما شاهدناه يعتبر عرضا مسرحيا جيدا ومتماسكا، ولو قدم هذا العرض في مكان آخر به إمكانات تقنية عالية والاهتمام بالإضاءة لإبراز الحالة الدرامية،
وتكمل شاشة عرض المنظر المسرحي ويتم التركيز على بعض التقنيات الجمالية بخلق صورة بصرية ممتع؛ سيتحقق لنا عرض مسرحي متكامل من جميع جوانبه بجانب تقديم الرسالة الأساسية والتركيز على المتدربين وتقديمهم في أبهي صورة بعرض إمكانياتهم التمثيلية، واستفادة المتلقي من القضايا التي عرضت.
كل الشكر والتحية لمعاوني دكتور علاء في هذه الورشة، رضوى صبري مصممة الاستعراض، وإبراهيم الزناتي مخرج مساعد، وعبد الباري سعد الذي ساعده في التدريب، وكل من كان له دور فعال في الورشة، وكل متدربي الورشة (يوسف عاطف، كمال محمد، دهب محمد، جورج مراد، مصطفى نبيل، يسرى ابراهيم، عمر ابو بكر، مريم صلاح، ولاء سلامة، جمانة أحمد، عادل البشوتي، مريم ناجى، يحيى أحمد، ايمن الشرقاوي، محمود نور ناشي، مصطفى نعمان، عمر عادل).
|