القاهرة 08 اكتوبر 2024 الساعة 10:53 ص
بقلم: د. هويدا صالح
يأتي كتاب "6 أكتوبر في الاستراتيجية العالمية" لجمال حمدان، والذي صدر عن مكتبة الأسرة؛ ليقدم لنا تحليلا رائعا لحرب أكتوبر بعيداً عن الضربة الجوية الأولى وصاحبها الذي أثار الجدل طوال عقود حين اختصر نصر أكتوبر بما له من جلال وعظمة في الضربة الجوية على أهميتها التي لا ينكرها أحد ونسي أن هذا النصر إنما هو نتاج تنسيق كل أسلحة الجيش المصري وشريكه في المعركة الجيش السوري. يقدم جمال حمدان الكثير من التفاصيل والتحليلات عن حرب أكتوبر لا علي الجبهة المصرية والسورية فقط، بل استعرض الكثير من الآراء والتحليلات العالمية والإسرائيلية لكيفية العبور العظيم.
أفاد حمدان من الانضباط المنهجي في تقصي هذا الحدث العظيم والاستراتيجية الفريدة لحرب أكتوبر عام 1973. يبدأ المؤلف بالحديث عن شبه جزيرة سيناء، ووصف ديموغرافيتها وعلاقة الإنسان بالمكان والجغرافيا. وتقديمها للقارئ كمسرح لأهم حدث في تاريخ مصر الحديثة، سواء عند المصريين أو عند العالم. وكشف عن أهمية سيناء كحلقة وصل بين قارتي إفريقية وآسيا. كذلك يقدم الكاتب كثيرًا من المعلوماتية المنبية على إحصاءات حول ما تتضمنه من موارد وثروات.
ثم يتناول حمدان، معركة أكتوبر في فصول متتالية، فيتحدث عن معركة التحرير الكبرى، ويكشف عن المعركة النفسية الضارية، التي بذل فيها الصهاينة كل السبل لإحباط مشاعر كل العرب وليس المصريين فقط:"والجدير بالذكر أن العدو تابع حملته النفسية بانتظام وعن عمد وتخطيط لتحطيم أعصابنا ومعنوياتنا حتى آخر لحظة قبل أن يتلقى صدمة عمره بل وحتى بعدها، فكلنا لا شك ما زال يتذكر صرخة إليعازر الإرهابية ((سندق لحمهم فى عظامهم)) وصيحة المعلق العسكري للإذاعة الاسرائيلية: "سنجعلهم يرون النجوم فى وضح النهار" وقبل الحرب بيومين فقط قال إليعازر فى حديث للتلفزيون البريطاني ما مؤداه أن الجيش المصري إذا حاول عبور القناة فسيجد أمامه أقوى خط دفاعي فى العالم ، مما سيسبب له خسارة أكبر مما يظن القادة المصريون ، وعلى الرغم من هذه الخسارة فلن يتمكن مصري واحد من العبور إلى سيناء كما لن تتمكن دبابة مصرية واحدة من الوصول إليها ".
الكتاب يتضمن قضايا وتحليلات شتى بصورة شاملة، وتوصل بنا إلى أن حرب أكتوبر لم تكن مفاجأة للعدو الصهيونى بل إن فكرت جولدا مائير فى الهجوم على الجيش المصري في الموعد نفسه تقريبا، لكن تظاهر العدو بالوداعة وحبه للسلام ومحاولة كسب الرأى العالمي وطمعه في نصر أكبر من يونيو 67 جعله يفكر فى أن ينتظر ليسحق جيشنا، والقول أن الهجوم المصرى كان مفاجئاً وأن إسرائيل أخذت على حين غرة ما هو إلا محاولة من قبل العدو لتبرير هزيمته والتقليل فى الوقت نفسه من شأن نصر أكتوبر، فالهدف المصرى فى تحرير سيناء هدف معلن للجميع ومكان العدو معروف وكذا العقبات التى إذا ما اجتازتها قواتنا أيضاً معلوم للجميع ".
ويتطرق المؤلف إلى ملامح الخطة العسكرية لمواجهة إسرائيل في عام، مشيراً إلى أنها بدأت مع ما يعرف بـالمبادأة، وهو ما كان العدو يحرص على تنفيذه طوال فترة الحروب السابقة. والعنصر التالي هو «المفاجأة»، وهي المكملة للمبادأة، مع الحرص على عامل السرية المطلقة.
ويوضح حمدان مفهوم "الحرب الشاملة"، شارحاً أنها التي تجعل من المعركة العسكرية عملية ناجحة. وهو ما يعني أن كل عناصر موارد وقوة البلاد، عملت من أجل إنجاز معركة عسكرية ناجحة: "كان محور النجاح وأساس التخطيط هو ضبط توقيت الضربات والتحركات من جانب جميع أسلحتنا وقواتنا فى ترتيب مسلسل بحيث يتزامن بعضها أو يتعاقب بعضها فى جدول زمني محسوب، يمهد لبعضها البعض لكى يتم فى ظلها وبمساعدتها وتحت غطائها ، ثم يسلم هو بدوره المهمة لغيره وهكذا، ومن هنا سنلاحظ تزامن عدة عمليات فى ثنائيات كالتوائم السيامية الملتصقة أبرزها ثلاث: الطيران مع المدفعية : المشاة مع المهندسين : المدرعات مع المشاة الميكانيكية" .
ويجمع المؤلف لخطة العبور آراء الخبراء العالميين التي قررت بشكل صريح أن معركة أكتوبر من أكبر معارك التاريخ العسكري الحديث. وشَكّل اكتساح أصعب عائق مائي، مفاجأة كبرى للعالم كله، وليس للعدو وحده، فكتبت جريدة نيويورك تايمز:"إن العبور المصري لقناة السويس كان بارع التخطيط والإعداد والتنفيذ".كما يركز حمدان على دور الجانب السوري في معركة أكتوبر، مبيناً أن المعركة جاءت في ظل سياسة قومية تحريرية، وتحت استراتيجية عظمى مشتركة.. ثم بقيادة عسكرية موحدة، فكان التنسيق كاملاً: توقيتاً وتخطيطاً وتصعيداً أو تخفيفاً.
-
الهوامش
-
جمال حمدان باحث وجغرافي مصري. حصل على شهادة الدكتوراه في فلسفة الجغرافيا من جامعة «ريدنج» في بريطانيا، 1953م. له عشرات الكتب والبحوث منها: شخصية مصر: دراسة في عبقرية المكان، الاستعمار والتحرير في العالم العربي، العالم الإسلامي المعاصر، بين أوروبا وآسيا دراسة في النظائر الجغرافية، دراسة في جغرافية المدن،المدن العربية، إفريقية الجديدة، قناة السويس، بترول العرب، اليهود والأنثربولوجيا، أنماط من البيئات.
-
الديموغرافيا هي علم السكان، العلم الذى يهتم بدراسة ومتابعة أحوال السكان فى العالم، وهي أحد فروع علم الاجتماع،وهي ثلاثة أقسام، الديموغرافيا التاريخية التي تهتم بدراسة المجتمعات السكانية القديمة وعلاقتها بالمجتمعات الحديثة، والديموغرافيا الوصفية، ويهتم بدراسة عدد السكان فى أماكن معينة ومتابعة التطور فيها، ثم الديموغرافيا النظرية ويهتم هذا القسم بدراسة القضايا والأزمات التى تواجة السكان فى كل أنحاء العالم.
|