القاهرة 08 اكتوبر 2024 الساعة 10:22 ص
كتب: عاطف محمد عبد المجيد
تبقى ليلى مراد علامة فارقة في تاريخ الفن والغناء العربيين بصفة عامة والمصريين بصفة خاصة، موهبة فريدة من نوعها، ما منحها مكانًا مميزًا في صدارة عمالقة الفن والغناء في الوطن العربي.
هذا ما يقوله الكاتب السيد عبد الفتاح في كتابه "ليلى مراد" الصادر حديثًا عن دار نفرتيتي للنشر بالقاهرة، وفيه يكتب قائلًا إنها وحدها تشكل سابقة نادرًا ما يشهدها تاريخ الفن والغناء العربي، بل وتاريخنا العربي، فهي وحدها التي اتخذت القرار الصعب في التوقيت الصعب، لقد قررت الاعتزال وهي في قمة مجدها وعز تألقها ونجوميتها، لقد اعتزلت وهي ملء السمع والبصر، وهي حلم كل رجل وسيدة.
الكاتب الذي يعتبر أن من يظن أن حياة ليلى مراد كانت هادئة فهو مخطئ تمامًا، فحياتها بها الكثير والكثير الذي يدعو إلى الكتابة عنها، ذاكرًا أنه في رحلة البحث في حياتها اكتشف أن وجهها الهادئ الوديع كان يخفي خلفه الكثير من تلال الذكريات والحكايات، الكفاح والصعاب، الأحلام والآمال، الحب والخيانة، شائعات كثيرة حامت حولها وتقلبات شهدتها حياتها، منذ ميلادها وحتى وفاتها.
هنا يقول الكاتب إن حياة ليلى مراد لم تكن حياة عادية بالمرة، بل كانت ثرية ومليئة بالإثارة والغموض والأسرار، ولا تزال هناك ملفات مفتوحة تخصها لم يتم غلقها رغم مرور السنوات، فهي صاحبة الشخصية الثرية التي تستحق أن يذكرها التاريخ، على حد قول المؤلف.
الكاتب الذي يورد هنا ما قاله المفكر الكبير جلال أمين معلنًا حزنه وحزن جيله حال علمهم بوفاة ليلى مراد، قائلًا إنها كانت بالنسبة لجيله شابة جميلة ظريفة، يقع الجميع في غرامها، فيما لا تقع هي إلا في غرام ألطف وأجمل وأظرف شاب وهو في الغالب أنور وجدي، يقول إنه يحاول في هذا الكتاب أن يقترب من حياة قيثارة الغناء العربي، أو كما أطلق عليها البعض سندريلا الشاشة قبل ظهور سعاد حسني واشتهارها بهذا الاسم، مؤكدًا التعمق في بحر حياتها الهادئ أحيانًا والهادر أحيانًا أخرى، مقدمًا صورة عن قرب لأهم المحطات في حياتها.
مع ذِكره أنه ليس هناك تاريخ ميلاد واحد متفق عليه لليلى مراد، يثبت أنها ولدت في أسرة فنية، حيث والدها زكي مراد أحد ألمع مطربي وفناني مصر في القرن الماضي، مضيفًا أن اسمها الحقيقي هو "لِي لِي" واسمها ليلى أطلقه عليها الموسيقار محمد عبد الوهاب بعدما أعجب بصوتها وتنبأ لها بمستقبل كبير فنًّا وغناءً.
مما نعرفه هنا عن بدايات ليلى مراد، أنها بعد حياة الاستقرار سافر والدها إلى خارج البلاد ليظل سنوات في أمريكا، خلالها تعرضت الأسرة للفقر، مما اضطرها لترك مدرستها والالتحاق بمدرسة للتطريز تُدر دخلًا لها ولا تتطلب منها مصاريف، وأنها صعدت سلم المجد مرورًا بالغناء في الأفراح والحفلات، وأن السنباطي كان بالفعل بمثابة الصخرة القوية التي استندت إليها في بداية حياتها الفنية، وأنها رغم الظُّرف الذي كانت تتسم به، إلا أن الحزن كان يسيطر عليها دائمًا، وأنها كان يُغشى عليها من أقل مجهود بسبب نحافتها الشديدة، وشيئًا فشيئًا أصبحت من أشهر المطربات على الشاشة المصرية آنذاك، يأتيها المال بلا حساب، وانهالت عليها عقود الأسطوانات التي راحت تُطبع بالآلاف، وقد تحولت إلى عملاق يعمل لها الكثيرون ألف حساب، رغم نحافة جسدها، وأنها قدمت في عام 1954 أول وآخر فيلم من إنتاجها عنوانه الحياة الحب وشاركها بطولته يحيى شاهين.
ليلى مراد التي بدأت مشوارها السينمائي في العام 1933، يقول السيد عبد الفتاح، كان أول ظهور لها على الشاشة في فيلم يحيا الحب عام 1938 عندما اختارها المخرج محمد كريم لتقوم بدور البطولة أمام محمد عبد الوهاب.
عبد الفتاح يكتب قائلًا إن ليلى مراد قد شاركت في 27 فيلمًا غنائيًّا، لحن أغانيها كبار الملحنين المصريين، في مقدمتهم محمد عبد الوهاب، رياض السنباطي، محمد القصبجي، محمد فوزي، زكريا أحمد، وعبد الحميد نويرة، ذاكرًا أنها اعتزلت الفن تاركة وراءها تراثًا هائلًا من الأغاني والأفلام العاطفية الساحرة، يقول هنا أن قلبها كان حريصًا على أن ينبض بالحب باستمرار، وبهذا يكون الحب قد لعب دورًا كبيرًا في حياتها، قادها أحيانًا، وسيطرت عليه هي أحيانًا، وبسبب الحب تعرضت لمواقف محرجة، وذاقت العذاب وتجرعت طعم الخيانة.
في حديثه عن علاقة ليلى مراد بالملك فاروق يقول المؤلف إن هناك علاقة وثيقة بين الفن والسياسة، ودائمًا ما تتقاطع دائرتا الفن والسياسة، فكلاهما تتسلط عليها الأضواء وتلاحقها الكاميرات والعيون والألسنة والشائعات، وهناك صداقات، قصص حب، غيرة وحقد، وتعاون، ونظرًا لشهرة ليلى مراد فقد تتبعتها عيون الملك فاروق الذي كان يطارد الجميلات ويطاردنه، وقد كانت ليلى مراد أحد الأعضاء المهمين في شِلة الملك تتمتع بعلاقة خاصة ومميزة.
هنا أيضًا يكتب السيد عبد الفتاح عن زواج ليلى مراد وأنور وجدي ثم طلاقهما، عن مولدها في أسرة يهودية، عن إسلامها، عن اعتزالها الفن وعمرها 37 عامًا، عن ندرة ظهورها الإعلامي، وعن وصيتها.
ومن خلال حوار ليلى مراد مع الإعلامية الراحلة آمال العمدة الذي يورد الكاتب مقتطفات منه هنا في هذا الكتاب تقول ليلى مراد إنها متسامحة جدًّا وإن الأمل هو كل شيء في حياتها، وإنها لا تحب الظهور كثيرًا في الأماكن العامة، وإنها تحب الأكل جدًّا، ولا تحب الملابس العارية في التمثيل، وإن الدنيا ظلمتها أكثر مما أعطتها، لم تكن محظوظة في مرات زواجها، وإنها تحب الأطفال جدًّا ولما أنجبت تفرغت لأولادها لأنها لم تكن تقوى على فراقهم، وإنها عاطفية زيادة عن اللزوم.
وبعد المرور بمحطات حياة ليلى مراد، وكشف الكثير من جوانبها، يورد السيد عبد الفتاح في نهاية كتابه هذا عن ليلى مراد، رسائل أرسلها إليها يحيى شاهين، بركات، وآمال بكير.
|