القاهرة 01 اكتوبر 2024 الساعة 11:08 ص
بقلم: أمل زيادة
يبدو أن كل المؤشرات تحثنا على الرحيل إلى الكوكب التاني، والسكن به لنكون بعيدا عن كل هذا الجنون الذي يحيط بنا من كل حدب وصوب.
كلما طالعت الأخبار والبرامج المختلفة، أجد أن الوضع أصبح جنونيا ووتيرة الأحداث تتصاعد بشكل مفزع، وسط حالة غير مسبوقة من الصخب وتكهنات وخيانات وحروب وموت ورماد يتصدر مشهد حياتنا التي نحاول أن تمر دون أن ينعكس أثر هذا الحداد على ملامحنا.
مع كل حدث جلل أتوقف لحظة وأتساءل، كيف كنا نعيش قبله؟ لماذا تختلف حياتنا بشكل كلي بعد كل حادث مشابه؟!
عاصرنا العديد من الأحداث الجسام التي تغير بعدها شكل العالم ونحن معه..
بدأ الجنون بعد أحداث11 سبتمبر،ثم ثورة يناير، وباء الكورونا، وحرب غزة، والآن لبنان، اغتيال قيادات المقاومة في كل مكان!
لا أبحث عن السبب بقدر بحثي عنا نحن وسط كل هذا الجنون والعبث..
انشقاق في الصف العربي، وشماته وحداد وتخوين.. أصبحت كلها مرادفات لحياتنا وواقعنا هذه الأيام.
لا أتظاهر بكوني خبيرة في الشأن السياسي، لكني إنسانة تعيش على ظهر هذا الكوكب وتحيط بي كل هذه المكائد والمخاطر.
لا أبحث عن الحقيقة أو عن من الصائب ومن المخطئ، بقدر بحثي عنا، عن ذواتنا وسط كل هذا التخبط والترقب الإقليمي والدولي.
أعيدوا لنا أنفسنا التي دهستها الدسائس تحت الأقدام، أعيدوا لنا الأمل الذي كنا نعيش به، خذوا كل شيء تريدونه واتركوا لنا وطنًا نعيش فيه بحب وسلام واطمئنان كالسابق..
أحاول بشتى الطرق تجنب كل تلك الأحداث، لذا سافرت للماضي بمنتهى البساطة ودون استخدام آلة زمن!
حتما تتساءلون كيف حدث ذلك؟
سأخبركم..
ذهبت لسوق ديانا!
سوق ديانا لمن لا يعلم عنه شيئا هو سوق يقام كل سبت من أسبوع بوسط القاهرة وهو سوق للأنتيكات والعاديات القديمة.. بدأت جولتي داخل السوق بعد الساعة الثانية ظهرا، ابتلعتني الذكرى ولم أخرج منه إلا مساءً بعد أن سمعت أذان المغرب!
توقفت أمام كل بائع يعرض منتجات شاردة، وداخلي عصف لسيل من الذكرى، جميع المعروضات تحمل عبق الذكريات برائحتها المميزة لكل حقبة مرت بنا.
"التليفون الأرضي" ذو السماعات الشهيرة، والقرص الصلب بألوانه وأشكاله المختلفة أخذني لدوار العمدة ولداخل استوديوهات الأهرام والأفلام العربي القديمة.
"منظار السباق المقرب"، مثل ذلك الذي كانت تحمله نوال في فيلم "نهر الحب" أثناء مشاهدتها لخالد وهو يقفز الحواجز في سباق الخيل الذي نظمه الملك.
"ساعة اليد الرقيقة" والأستيك الرفيع الأسود، مثل تلك الذي كانت ترتديه ليلى مراد في أفلامها.
"نظارة نادية لطفي السوداء" بإطارها المميز، ولوحات زيتية وأخرى مشغولة يدويا، تماثيل نحاسية، وكتب تراثية اصفرت أوراقها، والأجمل من كل ذلك جميع أنواع آلات التصوير الحديث منها والقديم، كاميرات فوتوغرافية مختلفة الأحجام، وصور قديمة لأوائل دفعات تخرج المدارس الشهيرة وطلبتها وهم يعتمرون الطربوش.. جميعها صور بالأبيض والأسود، كما أن هناك صورا عتيقة لزوجين يرتديان ملابس كلاسيكية يعود تاريخ التقاطها لما قبل الثلاثينيات.. قصات الشعر والأزياء حيث الرقي في كل شيء.
تردد داخلي سؤال.. هل سيأتي يومٌ وتعرض صورنا وأغراضنا في سوق مماثل؟! هل سيتحسر من يراها على أيامنا كما نفعل نحن الآن؟!
هل سيعتبر البعض عصرنا أكثر هدوءا مقارنة بأيامه القادمة؟!
كما هو الشأن في كوكبنا التاني، حيث الهدوء والسكينة التي قطعا ستكون مميزة لسكانه ورواده.
جولة قد تستغرق ساعات لكنها أخذتني في رحلة لسنوات سحيقة، حيث عاش فيها المميزون مما انعكس على كل شيء.. درجة تأثر بائعي هذه المعروضات بصفات ملاك هذه المعروضات..
في كل الأحول كانت جولة خاطفة راقية اختطفتني من أيامي المزعجة هذه..
|