القاهرة 25 سبتمبر 2024 الساعة 01:16 م
بقلم: أحمد محمد صلاح
إذا كانت الفلسفة هي حب الحكمة فلا بد أن نسلط بعض من الضوء على "الحكمة" بوجه عام، ثم نتبعها بالحكمة عند أفلاطون بشكل خاص، وتبين هذه المقالة الفروق الذهنية بين الفلاسفة بعد تبلور مصطلح الفلسفة عندهم بعد أن أخذت الفلسفة ردحا من الزمن في النضج..
فيقول برتراند راسل: "الحكمة" بمعناها المفروض لها، ليست هي أي نوع من أنواع المهارة المتخصصة في فرع بعينه، كالمهارة التي تكون لصانع الأحذية أو للطبيب أو للقائد الحربي حين يضع الخطط، بل لا بُدَّ لها أن تكون شيئًا أكثر تعميمًا من هذا، ما دام اكتسابها مفروضًا فيه أن يجعل صاحبه قادرًا على الحكم الحكيم.
وفي كتاب "قَانون التَّأويْل" لمؤلفه القاضي محمد بن عبد الله أبو بكر بن العربي المعافري الأشبيلي المالكي (ت 543هـ) دراسة وتحقيق: محمّد السّليماني: "قول المتكلم الحكمة ما وقع بقصد فاعله، إشارة إلى أن الفعل الواقع على وفق الإرادة يسمى حكمة، لأنه لا يقع كذلك إلا موافقاً للعلم"، فهذا هو رأي ابن العربي في الحكمة، وقد انتقد الفلاسفة بشدة حيث قال: "فزعمتم أنها (أي الحكمة) قُوَّةٌ عقلية تتلقى بها العلوم من الملأ الأعلى، في كلام طويل تركبون عليه مقاصدكم، وليس للحكمة معنى إلا العلم، ولا للعلم معنى إلا العقل، إلا أن في الحكمة إشارة إلى ثمرة العلم وفائدته، ولفظ العلم مجرد عن دلالة على غير ذاته، وثمرة العلم العمل بموجبه، والتصرف بحكمه، والجري على مقتضاه في جميع الأقوال والأفعال.. وليس يمتنع في اللسان العربي أن يسمى العمل بمقتضى العلم حكمة، على معنى تسمية الشيء بثمرته وفائدته" (قلت: ومنع ابن العربي أن تطلق الحكمة على من لا يستحقها من الأطباء والشعراء والمنجمين وحاسبي الرمل في الشوارع، وأسف لهذا الوضع المقلوب."
ويستطرد برتراند راسل فيقول: وأحسب أن ما أراد أفلاطون أن يقوله هو أن الحكمة قوامها معرفة الخير، وأن ما يؤيد هذا التعريف عنده هو المذهب السقراطي الذي يقول إن الإنسان لا يرتكب الإثم وهو عالم به، الذي ينتج عنه أن من يعرف ما هو الخير لا بُدَّ أن يسلك السلوك الصواب.
أما هذا الرأي من وجهة نظرنا نحن، فبعيدٌ عن الواقع، ونكون أقرب إلى الوضع الطبيعي إذا قلنا أن للناس مصالح شعبية، وأن واجب السياسي هو أن يلتمس ما يوفق بين تلك المصالح جميعًا، فمن الممكن لأفراد الطبقة الواحدة أو الأمة الواحدة أن يشتركوا في مصلحةٍ واحدة، لكن مصلحتهم هذه ستتعارض مع سائر الطبقات أو سائر الأمم. نعم لا ريب في أن الإنسانية جمعاء تتفق في مصالح معينة، لكن هذا القدر المشترك لا يكفي لتحديد النشاط السياسي، وربما جاء يوم في المستقبل يكفي فيه هذا القدر المشترك بين الناس جميعًا للتفاهم، لكن المؤكد هو أنه لن يكفي ما دام هنالك دول ذات سيادة كثيرة العدد، وحتى إن جاء مثل هذا اليوم، فستكون أشق مهمة في التماس الصالح العام هي الوصول إلى حلولٍ تمنع التنازع بين أصحاب المصالح الخاصة المتعارضة."
إن "حكمة" أفلاطون تنبع من السياسة، وهي المقصود بها الحكم من فعل " ح ك م "، ويري أفلاطون في النهاية أن من أرفع أنواع الحكمة أن يكون السياسي لديه الكثير من المعرفة، بل المعرفة الجمة في كل شيء تقريبا، وتستطيع هذه المعرفة أن تجعله حاكما نابها، كما يرى أن تربية الناس والأطفال على الحكمة أي السياسة أي المعرفة، وكيفية التعلم هي أرفع أنواع الحكمة.
|