القاهرة 24 سبتمبر 2024 الساعة 10:14 ص
بقلم: هبة أحمد معوض
للحب دين.. الحلاج صريعه، ترك زهده ليصبح درسًا لكل متصوف عاشق للتوحيد، ويصلب في سبيله.
في كتب التاريخ قرأنا كثيرًا عن قصة المتصوف الحسين بن منصور الحلاج، أبرز شخصيات منتصف القرن الثالث الهجري، الذي تلقى خرقة الصوفية عن عمرو المكي، لكن ينتهج نهجًا مغايرًا لـ صوفية عصره، بعدما نبذ زهده، واتصل بالناس، لتكون حياته بين السجن والمحاكمات، وتنتهي بالصلب.
وما بين أيدينا ليست مجرد مسرحية عادية، بل كما قال صاحبها، مأساة، عاد فيها إلى التراث، ليضيف إليها رؤيته المعاصرة في السياسية والثقافة والزهد، من خلال استحضار شخصية صريع التصوف، مولانا الحسين بن منصور الحلاج، ليجعل من حياته ومحاكمته واستشهاده مادة موثقة مسرحيًا، برؤية تحمل صور الأصالة والمعاصرة معًا في طياتها.
إذ يسرد صلاح عبد الصبور قصة مأساة الحسين بن منصور الحلاج، ذلك المتصوف الذي عاش في عصر عم فيه الفساد وانتشر، لينتج عن الفقر والقمع والجوع والظلم، ليخرج عن صمته ويتمرد على زمنه، ويخلع ثوب عزلته دون تقواه وزهده، ويتبوأ بين الناس وينزل بينهم يدعوهم للاتجاه إلى الله، حتى ينتصروا إلى هدفهم وهو العدل والعيش التقي، لكن يُتهم بالزندقة، ويُزج به في السجن، ثم يُقدم إلى المحاكمة، ليأتي حكمه بالموت صلبًا، لكن إيمانه وتقواه وروعه يؤكدان له أن كلماته ستظل حية، وستنمو كحافز في وجدان الشعب، وأعتقد أن هذا ما جعله راضيًا عن عقابه.
في المسرحية لم يرمز صلاح عبد الصبور للحلاج كشخصية فنية شاعرية فقط، بل أبرز أيضًا شخصيته الحقيقية، التي صورها بكل تفاصيلها، وجمع فيها بين الإحساس الديني والسياسي والصوفي في آنٍ واحد، من خلال تجسيده شخص انفعالي إصلاحي، استشهد في سبيل دعوته، التي نددت بتأثير الفرد في الجماعة، لنجد أنفسنا أمام شخصية تجاوزت حدود الزمان والمكان، وأصبحت نموذجًا للزهد في كل العصور اللاحقة عليه.
ومأساة الحلاج هي واحدة من المسرحيات الشعرية الحديثة التي مزجت بين أسس التراجيديا الإغريقية وأساليب المسرح الغربي الحديث، الذي ندد بهما صلاح عبد الصبور في مدرسته الفنية، وظهر ذلك في الشكل الفني والبنائي للعمل، الذي يأتي في جزأين، الأول يتألف من ثلاثة مناظر، أما الثاني فتكون من منظرين، هما الكلمة والموت، حيث يكشف ستار الجزء الأول منها عن شيخ عجوز مصلوب إلى جذع شجرة، وتنتهي بمحاكمته أمام ثلاثة من القضاة، يخرج أحدهم عن صمته ويقف إلى جانب الحق، ويؤيد الحلاج، قبل أن يغادر المجلس، ويسدل الستار..
|