القاهرة 24 سبتمبر 2024 الساعة 10:03 ص
بقلم: بيرل لام Pearl Lam
ترجمة: د. هويدا صالح
في عام 2020، أجبر الوباء العالمي (كورونا) معظم الأنشطة في أنحاء العالم على الإغلاق، مما دفع العديد من الشركات إلى الانتقال إلى الإنترنت - وبعضها جرّب التعامل من خلال الإنترنت للمرة الأولى. خلال فترة الإغلاق هذه، بدأ سوق الفن في التحول بسرعة بعيدًا عن المعايير الراسخة، وبدأ الاتجاه نحو الابتكارات في تداول الفن مثل المبيعات عن بعد، ومحاكاة الواقع المعزز، وغرف المشاهدة عبر الإنترنت.
كما بشرت هذه الفترة ببداية حقبة جديدة من الذكاء الاصطناعي، الذي كشف بشكل متزايد عن إمكاناته في سوق الفن. لا يمكن إنكار أن الذكاء الاصطناعي هو تقنية رائعة. ومع ذلك، يتساءل الكثيرون أيضًا عما إذا كانت هذه التكنولوجيا ستحقق فائدة صافية، حيث يرى البعض في سوق وصناعة الفن أنها تمثل تهديدًا للمعايير الراسخة.
وبينما أدرك أننا بحاجة إلى معالجة تحديات ومخاطر الذكاء الاصطناعي، فإنني أدرك أيضًا فائدته المحتملة والحالية في عالم الفن.
-
فوائد الذكاء الاصطناعي في عالم الفن
1ـ عمليات بحث أسرع:
إحدى الطرق التي أصبح بها الذكاء الاصطناعي متأصلًا في مجال الفن هي استخدامه كأداة بحث مفيدة. بالنسبة للمعارض، يمكن أن تكون ظاهرة توفير الوقت. يشير ديرك بولDirk Boll، نائب رئيس قسم فنون القرنين العشرين والحادي والعشرين في الموقع الإلكتروني كريستيز لندنChristie’s London، إلى أنه قديما كان يستغرق في البحث اليدوي عن أي معلومة يريدها عدة أيام، ولكن استخدام الذكاء الاصطناعي يمكن أن يقلل العمليات مثل الفهرسة إلى ثوانٍ.
2ـ التتبع والتنبؤ:
يسمح الذكاء الاصطناعي أيضًا لخبراء الفن بتفسير تطورات السوق، وتتبع أنشطة الشخصيات العامة ذات الصلة وفهم وتحليل سلوكيات وأنماط التجميع. وكما يشير بول، يستطيع الذكاء الاصطناعي تفسير كميات هائلة من البيانات بسرعات قياسية، مما يجعل تحليل تطورات السوق أسرع وأسهل من أي وقت مضى.
ويجد الخبراء أيضًا أن التنبؤ بالاتجاهات المستقبلية في سوق الفن يعد عملية أسهل بكثير بفضل التحليل الأعمق للأنماط التي يسمح بها الذكاء الاصطناعي. على وجه التحديد، يمكن أن يكون تتبع أنشطة الشخصيات العامة المتعلقة بسوق الفن مفيدًا نظرًا لأن لديهم قدرة عالية على التأثير على الجمهور العام ومعرفة كافة الاتجاهاتtrends.
3 ـ تحديد الفن والقيمة :
من المزايا الأخرى للذكاء الاصطناعي في عالم الفن قدرته على المساعدة في أتمتة (ميكنة) عمليات سوق الأعمال الفنية. أصبح بإمكان جامعي الأعمال الفنية والمستثمرين الآن تقييم قيمة الأعمال الفنية المختلفة بشكل أكثر دقة باستخدام الذكاء الاصطناعي. ونظرًا لأن الذكاء الاصطناعي يتمتع، من الناحية النظرية على الأقل، بإمكانية الوصول إلى البيانات من عدد لا يحصى من السجلات التاريخية وكتالوجات المزادات وغيرها من المستندات، فيمكنه أيضًا المساعدة في تقييم الأعمال الفنية من خلال تحليل العناصر الأسلوبية وأنواع الأصباغ وضربات الفرشاة.
غالبًا ما يكون من الصعب للغاية تقييم هذه العناصر يدويًا. في يناير 2023، قامت شركة Art Recognition، وهي شركة سويسرية متخصصة في الذكاء الاصطناعي، بتحديد نسبة لوحة مجهولة للرسام الإيطالي رافائيل، وكانت احتمالية التحديد بنسبة 96%. وأثر ذلك على سعر اللوحة، فقد كان فرق السعر بعد أن حددت منظمة العفو الدولية مصدر اللوحة، مئات الملايين من الدولارات.
-
سلبيات الذكاء الاصطناعي في عالم الفن
لقد كتبت من قبل عن بعض التحديات التي يواجهها سوق الفن بالفعل عندما يتعلق الأمر بشمولية التعامل مع الذكاء الاصطناعي والإفادة منه. فهو يزيد من التحديات الشمولية، حيث لا تتمتع جميع أسواق الفن بالمستوى نفسه من الوصول إلى الذكاء الاصطناعي. لا شك أن الافتقار إلى الوصول المتساوي إلى الذكاء الاصطناعي سيخلق معدلات نمو متفاوتة لسوق الفن في مناطق مختلفة من العالم، فهو يزيد حتما نسبة التفاوت داخل أسواق الفن.
للكشف عن الأسرار الكامنة وراء صنع عمل فني وتحليل المواد المستخدمة لإنشاء لوحة، يحتاج الذكاء الاصطناعي إلى الاستفادة من تقنيات التصوير المتخصصة التي تسمى الأشعة السينية الفلورية([1]) الكلية كأداة للتحقق من صحة اللوحات والتصوير فائق الطيف. كما أن علم البيانات وراء الذكاء الاصطناعي متقدم للغاية. إن مثل هذه التقنيات والعلوم بعيدة كل البعد عن أن تكون متاحة على نطاق واسع للجميع، لذا محدودية استخدامها في أسواق بعينها يعتبر أحد سلبيات استخدام الذكاء الاصطناعي في سوق الفن التشكيلي.
علاوة على ذلك، بينما نظريًا وعلى الورق، يمكن للذكاء الاصطناعي أتمتة عمليات سوق الفن المختلفة، في العالم الحقيقي، فإن غياب البيانات العامة حول مبيعات الأعمال الفنية، وخاصة أن معظم مبيعات الأعمال الفنية تتم في أسواق خاصة؛ مما يجعل من الصعب بشكل خاص على الذكاء الاصطناعي إجراء تنبؤات دقيقة. ويعني هذا أن الافتقار إلى الشفافية يعوق وصول الذكاء الاصطناعي إلى جزء كبير من البيانات ذات الصلة المتعلقة بسوق الفن؛ ذلك أن الذكاء الاصطناعي يعتمد على مجموعات كبيرة من البيانات لتدريب خوارزمياته وإجراء تنبؤات دقيقة.
وغياب البيانات الضخمة والشاملة يعوق عمل خوارزميات الذكاء الاصطناعي التي لن تتمكن من إنشاء نموذج بيانات دقيقة ومكتملة، ذلك أن البيانات غير الكافية تنتج نموذجا غير قادر على التنبؤ بالنتائج بمستوى الدقة المطلوب في العالم الحقيقي.
يعرف أي شخص لديه خبرة في سوق الفن أيضًا أن الأسواق يمكن أن تتذبذب دون معرفة الأسباب لذلك التقلب والتذبذب. الذكاء الاصطناعي لن يكون لديه الجواب. يؤكد رجل الأعمال التكنولوجي بوريس بيفزنر Boris Pevzner، مؤسس منصة البيانات Live Art المدعومة بالذكاء الاصطناعي، أنه على الرغم من أنه أداة يمكن استخدامها كمؤشر، إلا أنه لا يمكن أن يتنبأ بأسعار المزادات في العالم الحقيقي.
-
مستقبل الذكاء الاصطناعي في عالم الفن
على الرغم من أن الذكاء الاصطناعي أصبح منتشرًا بشكل متزايد في الأعمال الفنية، إلا أنه ليس من الضروري أن يُنظر إليه على أنه تهديد للفن. ينظر الكثير من الناس إليه باعتباره أداة خطيرة، ولكن لا ينبغي أن يُنظر إليه بهذه الطريقة. فبدلا من أن يحل الذكاء الاصطناعي محل الخبرة البشرية، ينبغي لنا أن ننظر إليه باعتباره أداة للتقدم يمكن استخدامها جنبًا إلى جنب مع البشر لتحسين جودة عملهم.
[1] الفَلْوَرِيّة أو التَّفَلْوُر أو اللَّصَف أو الإِسْتِشْعاع تعرف بشكل عام بأنها إصدار ضيائي لمادة عندما يتوافق طول موجة الشعاع الساقط عليها مع مستويات الطاقة لذرات أو جزيئات تلك المادة.
|