القاهرة 12 سبتمبر 2024 الساعة 07:55 م
بقلم: د. ماهر أحمد سليمان
أهل الكهف هي إحدى مسرحيات توفيق الحكيم، نشرت عام 1933م، وهي درة المسرح الذهني للحكيم، فقد أدخل الحكيم إلى الأدب العربي هذا اللون الذي تفرد به، وتعد "أهل الكهف" أشهر مسرحيات الحكيم الذهنية، حيث لاقت نجاحاً كبيراً وطبعت مرتين في عامها الأول كما ترجمت إلى الفرنسية والإيطالية والإنجليزية.
استوحي توفيق الحكيم قصة أهل الكهف من القرآن الكريم، وأخذ شخصياتها مما ورد في تفاسير القرآن وهي مرنوش ومشلينيا ويمليخا وكلبه قطمير، وزاد عليهم شخصيتي بريسكا، والمربي جالياس. حيث فر نفر من المسيحيين الأوائل من بطش إمبراطور الرومان الوثني "دقيانوس"، وآوى الفارون إلى كهف ناموا فيه مئات السنين، ثم بعثوا إلى الحياة.
تتكون المسرحية من أربعة فصول، وتدور أحداثها حول محور أساسي وهو صراع الإنسان مع الزمن، وهذا الصراع يتمثل في ثلاثة من البشر يبعثون إلى الحياة بعد نوم يستغرق أكثر من ثلاثة قرون ليجدوا أنفسهم في زمن غير الزمن الذي عاشوا فيه من قبل. وكانت لكل منهم علاقات وصلات اجتماعية تربطهم بالناس والحياة، وعندما يستيقظون مرة أخرى يسعى كل منهم ليعيش هذه العلاقة الحياتية، لكنهم سرعان ما يدركون بأن هذه العلاقات قد انقضت بمضي الزمن، الأمر الذي يحملهم على الإحساس بالوحدة والغربة في عالم جديد لم يعد عالمهم القديم وبالتالي يفرون سريعاً إلى كهفهم مؤثرين موتهم بداخله على حياتهم في ذلك الزمن المختلف.
تبدأ الأحداث باستيقاظ الفتية من نومهم، وإحساسهم بالضعف والإنهاك في أجسادهم ،وتساؤل الفتية حول المدة الزمنية التي قضوها نياما داخل الكهف،
يتم تكليف "يمليخا" بالخروج لإحضار طعام، يخرج يمليخا ويقابل أحد الصيادين، فيفزع الصياد من المظهر الغريب لـ "يمليخا" ويفر بعد أن قدم له نقودا من عهد الملك "دقيانوس" ،ويصل الخبر إلى أهل المدينة عن طريق الصياد ومجيئهم إلى الكهف بحثا عن الكنز الذي اعتقد الصياد أن يمليخا عثر عليه، فزع أهل المدينة من الفتية وهربوا، ويصل الخبر إلى الملك، ويشعر بالسعادة لظهور أهل الكهف في عهده، لا سيما بعد أن أخبره وزيره بأنهم قديسون من زمن الملك "دقيانوس"، فيأمر الملك بإحضار أهل الكهف إلى قصره ويحتفي الملك بقدومهم ويستأذنون من الملك ليسمح لهم بمغادرة القصر، حيث أراد يمليخا الاطمئنان على أغنامه التي تركها، ومرنوش أراد الاطمئنان على ابنه وزوجته، ويكتشف الراعي يمليخا حقيقة نومهم الطويل، ويشعر بالصدمة، مما يدفعه إلى الرجوع للكهف وحيدا، وصدم “مرنوش” لمعرفته بموت ابنه وزوجته، واكتشاف الحقيقة، و يرجع إلى القصر ليخبر “مشلينيا” بالخبر، ويدعوه للحاق به في الكهف، حزن “مشلينا” لموت أهل “مرنوش”، ولكنه أنكر حقيقة نومهم لثلاثمائة عام.
يلتقي “ميشلينيا” بـ “بريسكا” ويعتقد أنها هي القديسة التي أحبها وليست حفيدتها، ويحاول تذكيرها بالعهد الذي قطعته على نفسها بأنها لن تتزوج سواه ولكنه يصدم من رد فعلها، وإنكارها له، مما يدفعه إلى مغادرة القصر لكي يلحق بصاحبيه في الكهف، يموت يمليخا و مرنوش ويتشبث مشلينيا بالحياة، وتجيء "بريسكا" إلى الكهف وتعترف بحبها لـ "مشلينيا" الذي لفظ أنفاسه الأخيرة بين يديها بعد إحساسه بالسعادة والفرح ،فتقرر بريسكا البقاء في الكهف ليغلق عليها برفقة القديسين وتموت معهم. لقد فشل الفتية في التعامل مع الواقع الجديد، وكان نتيجة صراعهم مع الزمن ليس في صالحهم، فآثروا الموت.
المسرحية تعبر عن أزمة الإنسان في صراعه مع الزمن، فهو صراع غير متكافئ، فالزمن بقسوته وشراسته لا يستطيع الإنسان أن يصمد أمامه، أجاد الحكيم في تصوير هذا الصراع، وتوظيف التراث الديني في إبراز فكرة ذهنية شديدة التجريد، لذا كانت مسرحية "أهل الكهف" درة الإنتاج المسرحي لتوفيق الحكيم.
|