القاهرة 11 سبتمبر 2024 الساعة 04:37 م
بقلم: أحمد محمد صلاح
عاد أفلاطون إلى أثينا في عام 387 قبل الميلاد بعدما تشرب العلوم المختلفة التي استقاها وتعلمها خلال رحلته، كان في سن الأربعين، اكتمل رجولة ونضجا وامتص الحكمة فصار اكثر هدواء، وفقد الكثير من حماسة الشباب.
ونستطيع أن نقول أن العوامل الفلسفية الخالصة التي أثرت في أفلاطون عدة عوامل فقد استمد من فيثاغورس العناصر الأوروفية (وكان بعضها بالطبع من سقراط) وقد أثرت في تفكيره من الناحية الدينية والإيمان بالخلود والقول بالحياة الآخرة، وإن كنت اختلف مع ويل ديورانت وبرتراند راسل في هذا الطرح وأرى أن أفلاطون وجد إيمانه الداخلي في الأطروحات السابقة من خلال اختلاطه بالكهنة المصريين، حيث أن هذا الايمان مستمد من الديانة المصرية القديمة وليس من المدرسة الأوروفية، ولكنه قد أخذ من فيثاغورس النزعة الصوفية، وأعني هنا الصوفيه العلمية، حيث كان الفيثاغوريون يعيشون في كهف في محاولة لرؤية الحقيقة، والخلط بين العقل والنظر الصوفي.
كما استمد من بارمنيدس الإيمان بان العالم الواقع أبدي، أما من هرقليطس فقد استقي المذهب السلبي الذي يقول أن العالم المحسوس لا دوام فيه لشئ، وإذا جمع المذهبان كانت النتيجة أن المعرفة لا تستمد من الحواس وإنما من العقل وحده.
وبالطبع أخذ عن أستاذه سقراط اهتمامه بالمسائل الخلقية، وميله الي البحث عن تعليلات للعالم تكون أقرب إلى التعليلات الغائية منها إلى التعليلات الميكانيكية، بعد أن شغل تفكيره فكرة الخير.
ثم يفند برتراند راسل آراء افلاطون في السياسية فيقول: "فكيف نجد الصلة بين هذا كله وبين إيثاره للحكومة الاستبدادية في السياسة؟
• أولًا: ما دام الخير والعالم لا يقعان في الزمان، فأفضل دولة هي الدولة التي تجيء أقرب ما يمكن للنموذج السماوي، بأن يكون فيها أقل قدر مستطاع من التغير، وأكثر قدر من الكمال الثابت، على أن يكون حكامها هم أولئك الذين يفهمون الخير الأبدي أدق الفهم.
• ثانيًا: كان أفلاطون -كسائر المتصوفة- يؤمن فيما يؤمن بشيء من اليقين الذي أهم ما يوصف به أنه لا يمكن نقله إلى الآخرين إلا باصطناع أسلوب معين من الحياة، فقد حاول الفيثاغوريون أن يضعوا قاعدة يمكن بمقتضاها أن يدخل العضو الجديد في جماعتهم، وهذا في صميمه ما أراد أن يفعله أفلاطون، فإذا أراد رجل أن يكون سياسيًّا ماهرًا فلا بُدَّ له أن يعرف «الخير»، ولا يستطيع أن يعرف «الخير» إلا بتربيةٍ عقلية وخلقية، فإذا سمح أولئك الذين لم ينالوا قسطًا من هذه التربية أن يشاركوا في الحكومة، فلا مناص من إفسادهم لها.
• ثالثًا: لا بُدَّ من تربيةٍ طويلة لكي ننتج الحاكم الماهر وفق مبادئ أفلاطون؛ فقد يبدو لنا من غير الحكمة أن يُصر أفلاطون على تعليم الهندسة لديونيسيوس الشاب، طاغية سرقصة، لكي يجعل منه ملكًا صالحًا، لكن ذلك لم يكن عنه مندوحة من وجهة نظر أفلاطون، إذ كان متشعبًا بالتعاليم الفيثاغورية إلى حدٍّ يميل إلى الظن بأن الحكمة مستحيلة بغير رياضة، وهذا الرأي يتضمن أن توضع الحكومة في أيدي الأقلية.
• رابعًا: رأى أفلاطون ما رآه معظم الفلاسفة اليونان بأن التفرغ ضروري لتحصيل الحكمة، إذَن فلن تتوفر الحكمة لأولئك الذين يضطرون إلى العمل لكسب قوتهم، وإنما تتوفر فقط للذين يملكون وسائل العيش بغير عمل، أو للذين تزيح عنهم الدولة عبء التفكير في أمر معاشهم، وهذه وجهة نظر أرستقراطية في صميمها.
ويقول ويل ديورانت: "إن الصعوبة في فهم أفلاطون تكمن في هذا المزيج المسكر بين الفلسفة، والشعر، والعلم، والفن، حيث لا نستطيع أن نذكر في اي نوع من الحوارات يتحدث الكاتب أو في أي شكل، وهل هو حَرفي أم مجازي؟ وهل هو مازح أم جاد؟ إن حبه للمداعبة والتحكم والخرافة والأسطورة يتركنا في حيرة أحيانا!".
|