القاهرة 10 سبتمبر 2024 الساعة 10:18 ص
بقلم: د. حسين عبد البصير
أن تكون كاتبًا مصريًا قديمًا يعني أن تكون جزءًا من نخبة المجتمع، تحمل مسؤولية عظيمة تتمثل في الحفاظ على تراث الأمة وتوثيق الحياة اليومية، والدينية، والسياسية. في مصر القديمة، كان للكتّاب دور مركزي في المجتمع، وقد حظوا بمكانة مرموقة، حيث كانوا يُعتبرون من أهم الأشخاص في الحكومة والإدارة، والدين.
للوصول إلى مرتبة كاتب في مصر القديمة، كان يتعين على الفرد أن يتلقى تعليمًا متخصصًا منذ سن مبكرة. كان التعليم يتم في "بيت الحياة"، وكانت مؤسسة تعليمية داخل المعابد حيث يتم تدريب الكتّاب على مهارات الكتابة بالحروف الهيروغليفية والهيراطية، بالإضافة إلى الحساب والإدارة.
كان الكاتب يؤدي العديد من الوظائف الحيوية. كان الكتّاب مسؤولين عن تدوين الأحداث اليومية، مثل الحملات العسكرية، والطقوس الدينية، والاحتفالات الملكية. كانت تلك السجلات تحفظ في المعابد وتُستخدم لأغراض دينية أو إدارية. وكان الكتاب مسؤولين عن تسجيل وجمع الضرائب، وتوثيق الممتلكات والأراضي الزراعية، وحساب المستحقات المالية للدولة. وكان الكتّاب يدونون النصوص الدينية والنصوص الجنائزية مثل "كتاب الموتى"، الذي كان يوجه المتوفين في رحلتهم إلى الحياة الآخرة. وكانوا يعملون ككتبة للمراسلات الملكية، وكانوا يكتبون الأوامر الملكية والرسائل الدبلوماسية التي تُرسل إلى الحكام الأجانب.
كان الكتّاب في مصر القديمة يتمتعون بمكانة اجتماعية عالية. كانوا يُعتبرون قادة فكر ومثقفين، يُقابلون بالاحترام من قبل العامة والنخبة. كان الكتّاب يمنحون الكثير من الأراضي والممتلكات. وكانوا يعيشون حياة مريحة مقارنة ببقية أفراد المجتمع. ارتق بعض الكتّاب إلى مناصب عليا مثل أمناء الخزينة، والمستشارين، بل وإلى الوزراء.
كان الكتّاب يعملون في أماكن متنوعة مثل المعابد، والقصور الملكية، ومكاتب الدولة. كانت الأدوات التي يستخدمونها بسيطة لكن فعالة مثل أوراق البردي، والحبر، والأقلام. كانوا يجلسون على الأرض ويكتبون على لفائف البردي الموضوعة على حجر أو لوح خشبي.
لدينا أمثلة مشهورة من الكتّاب والحكماء في مصر القديمة مثل إيمحتب، الذي كان مهندسًا، وطبيبًا، وكاتبًا، وبتاح حتب، الذي كتب نصوصًا أخلاقية تُعتبر من أقدم النصوص الفلسفية في التاريخ.
كانت الكتابة في مصر القديمة تُعتبر وسيلة لتحقيق الخلود. فكانت الكتابة على جدران المعابد والمقابر تهدف إلى تخليد ذكريات الشخصيات المهمة وضمان استمرار تأثيرهم في العالم الآخر. لذا، كان الكتّاب يحملون مسؤولية كبيرة في توثيق الحياة وسبل تأمين رحلة المتوفى في العالم الآخر بطرق تضمن بقاءها للأبد.
أن تكون كاتبًا مصريًا قديمًا يعني أن تكون حارسًا لذاكرة أمة، ومسؤولًا عن تسجيل قصصها، وإنجازاتها، وإرثها للأجيال القادمة، كل ذلك في ظل احترام عميق للآلهة والقيم الأخلاقية والاجتماعية التي كانت تحكم تلك الحضارة المصرية العريقة.
|