القاهرة 10 سبتمبر 2024 الساعة 10:17 ص
بقلم: أمل زيادة
عندما أنوي الكتابة كالمعتاد، أتوقف لحظة وأفكر جيدًا، هل أكون أكثر صدقًا وأنقل ما يحدث حولنا من قبح وخذلان؟ أم أنقل لكم الصورة بعد الحذف والتقطيع؟!
أقع في حيرة كبيرة بين تكويني الجيني المتفائل، المقبل على الحياة، وبين الحادث على أرض الواقع!
بكل الأحوال سأحاول تجاوز ما يحدث حولنا، علنا نجد ما نفتقده في الكوكب التاني.
أسوأ ما يمر به الإنسان طيلة حياته، المرور بتجربة خذلان وعدم التقدير، لا سيما إذا كان سوء التقدير صادفه في مجال يحبه ويتقنه..
يبدو أن لدينا ثروة كبيرة من الأفراد ممن لا تعوقهم الظروف عن تحقيق آمالهم وطموحاتهم، هؤلاء المهرة يجتهدون ويصرون على شق طريقهم بشرف ونزاهة، رغم كافة الضغوط التي تقف حائلا بينهم وبين أهدافهم.. يقطعون المشوار الطويل بكل مشاقه دون أن يدري أي شخص بحقيقة أو طبيعة الصعوبات والتضحيات التي قدمت من أجل الوصول لمكانتهم الحالية..
عندما يبزغ نجمهم في الأفق يظهر أمامهم من العدم متحجري العقل ممن يعرقلون كل شيء ممن يترأسون المؤسسات ويتحكمون في زمام الأمور دون دراية أو ذرة إنصاف..
دائما ما أشجع قرائي، أطالبهم بالدفاع عن حقهوقم والاستماتة في الحصول عليها، خاصة كونهم الأفضل والأمهر والأكثر التزامًا، فهذه صفات لا تتوافر إلا للموهوبين حقًا، في المجالات كافة حد السواء..
قد يبدو لوهلة أن من يتمتع بهذه المهارات كثيرون، لكن حقيقة الأمر ومن تجارب الحياة فإننا نكتشف أن هؤلاء المتميزين قلة نادرة، هم فقط سيئو الحظ لأنهم حالمون، يعتمدون على مهاراتهم فقط في زمن لا يعتمد هذه المؤهلات للتميز.. فنحن في زمن غلبت فيه لغة المصالح وكل ما من شأنه أن يجعلنا نتراجع كثيرًا في كافة المجالات أو نقف مكاننا ويسبقنا الآخرين!
اعتدت أن أبث الأمل والإصرار للآخرين، لكنها الحياة تفاجئني كل حين بعدم إنصافها، وعدم حياديتها، وعدم تقديرها لمن يستحق، وتقدير من لا يستحق فقط لكونه يقرب لهذا أو لذاك.
يتهمني البعض بكوني حالمة، أطمح لتحقيق العدالة وإيجاد الفرص لمن يستحق، يرون أنني حالمة كوني كاتبة أعيش داخل حدود المدينة الفاضلة، لا أنكر أنهم على صواب لحد كبير، ما زلت أرى أنه مهما ساء الوضع، يومًا ما ستتحسن الأحوال، ويعود كل شيء لنصابه، ويحصل كل من يستحق على استحقاقه، لأن الله اسمه العدل، والعدل قطعا سيطبق، قد تختلف طريقة تطبيقه لكنه سيطبق، لأن الله لا يظلم أحدًا، لذا أرى أن مدينتي الفاضلة ليست على الورق فقط، بل إنها داخل كل صاحب ضمير يقظ، وصاحب قلب نقي.
أسوا ما في تجارب الخذلان، هي منح الأمل لأصحاب الموهبة الحقة، ثم نزعها منهم عنوة باستحقاقية مقيتة، وتهيئة الأسباب لقراراتهم التي تغتال أحلام الأبرياء، ناسين أنهم حطموا آمالا كبيرة لأجيال شابة يافعة، من المفترض أن تكبر ويكبر معهم حبهم وتقديرهم للوطن، وليس العكس.
تحدثت مع صديقتي المقيمة بالأردن الشقيق، تخبرني برغبة ابنها في الهجرة لإحدى الدول الأوروبية، وافقت ابنها للمرة الأولى، تعجبت من ردي لعلمها أني من أشد المعارضين لمثل هذا الشيء في السابق!
أخبرتها أن تدعه يخوض التجربة، عله يجد نفسه هناك، أخبرتها أن تدعه يذهب، رغم مرارة الفراق، أخبرتها أن وجوده في مجتمع آخر أفضل من بقائه بيينا!
فهو هناك وسط هؤلاء الأغراب سيجد التقدير الذي يفتقد وجوده في بلادنا، هناك سيجد ذاته، سيتقن العمل، ويقدر قيمة الوقت، سيعرف حدوده ويقدس القانون، لأنه ببساطة هناك الجميع سواسية أمام سطوة القانون..
أثبتت التجربة بكل أسف أننا بحاجة لنسف بعض المعتقدات، وتغيير بعض القوانين والأشخاص التي تمكن منها العفن لآلاف السنين..
للمرة الأولى أحث الجميع على النزوح لكوكبنا التاني، لأني أضمن أننا سنطبق عليه القوانين بحياد تام.
أوقن أن كل شخص سيجد مكانه المناسب دون الالتفات لشخصه، وإنما بالاعتماد على مهاراته فقط.
ليقيني أننا وحدنا أصحاب القرار فيما نريد، لأننا ندرك قيمة ما نملك وما نستطيع أن نقدمه لبلدنا ولأنفسنا وللمجتمع.. نحن فقط نعلم حجم قدراتنا حق المعرفة دون توصية من هذا أو تزكية من ذاك..
على ظهر كوكبنا التاني نجد كل ما نفتقده في عالمنا وواقعنا المزري..
لذا أعلنت فتح باب اللجوء لكوكبنا التاني لأجل غير مسمى.. سارع بحجز مكانك، لكن بعد أن تخضع لاختبارات تكشف عن حقيقة الإنسان الذي يسكن داخلك!
|