القاهرة 05 سبتمبر 2024 الساعة 01:09 م
بقلم: د. ماهر أحمد سليمان
قصة "البوسطجي" للكاتب يحيى حقي كتبها ضمن مجموعة قصصية بعنوان "دماء وطين" وتضم ست قصص أطلق عليها الصعيديات لأنه استوحاها خلال الفترة التي قضاها في صعيد مصر أثناء عمله هناك.
يعد الأديب يحيى حقي واحدًا من أهم أدباء ومثقفي القرن العشرين في مصر والوطن العربي، إذ ساهمت كتاباته في إثراء الثقافة العربية بالعديد من الإبداعات في مجالات الرواية والقصة القصيرة. كما يعد من أجدر الكتاب الذين عبروا عن الواقع المصري بكل دقة ، وتدلل كتاباته على إلمام واسع بمفردات الموروث الثقافي الشعبي قلما يتوافر في كاتب آخر، وتعد قصة "البوسطجي" مثالا لذلك.
تدور أحداث القصة حول "عباس" الشخصية الرئيسة في القصة الذي يعمل في هيئة البريد وينتقل ليعمل في إحدى قرى الصعيد يطلق عليها " كوم النحل"، وهي قرية نائية من قرى الصعيد ويعيش أهلها في عزلة عن المدنية.
يبدأ الصراع بين "عباس" القاهري وبين أهل القرية بخلاف مع العمدة سرعان ما يتسع ليشمل أغلب الأهالي، وتتعدد الشكاوى التي تكتب وترسل ضد عباس، ويقرر عباس الانتقام من أهل القرية فيتلصص عليهم من خلال فتح خطاباتهم والاطلاع عليها ومعرفة أسرارهم، ولكنه لا يجد شيئا مهما، إلى أن يعثر على خطاب مكتوب إلى فتاة اسمها "جميلة" من شاب اسمه "خليل" من خارج القرية.
ويعلم من خلال الرسائل أن جميلة فتاة كانت طالبة في مدرسة بأسيوط وتعرفت على هذا الشاب وقد تطورت العلاقة بينهما وأنها حملت منه، ويتابع عباس الرسائل بينهما، وكانت الخطابات تأتي باسم سيدة تدعى "أم أحمد" كانت معروفة في القرية وفي كل بيت فيها، وتتابع الخطابات التي تحمل هلع الفتاة وتستغيث بالشاب وتطلب منه الإسراع في إيجاد حل قبل أن يفتضح الأمر، كان الشاب قد تسلم عمله في القاهرة، وكانت الفتاة تراسله عليه، إلى أن وصل خطاب يعلمها أنه قد انتقل إلى الإسكندرية وهيأ مكانا لإقامتهما بعد الزواج، ويطلب منها أن تسرع في اللحاق به، ولكن لسوء الحظ أن عباس أثناء قراءة هذا الخطاب يدخل عليه أحد الأشخاص ليعلمه أن العمدة يطلب منه أن يخلى سكنه فورا، فيغضب غضبا شديدا ويحتد في الحديث معه وإذا بقارورة الحبر تنسكب على الخطاب، وحتما لا يستطيع أن يسلم الخطاب وعليه آثار الحبر، فيخفي الخطاب على أمل أن يرسل الشاب خطابا آخر، وتأتي أم أحمد فيعلمها أنه لم تأت خطابات لها بعد.
وبعد فترة يأتي خطاب من الشاب، فيسرع عباس بالبحث عن أم أحمد ولكنه يفاجأ بصدمة أفقدته الصواب ، فقد ماتت أم أحمد، وهو لا يعرف الفتاة " جميلة" ولا منزلها ولا شيئا عنها فأخذ يبحث عنها ويسأل في كل مكان في القرية ولكنه فشل في الوصول إليها. فيمرض ويشتد عليه التعب فيرقد ، وأثناء إقامته في المنزل إذا بأجراس الكنيسة تدق معلنة وفاة فتاة تدعى "جميلة".
أجاد الكاتب التعبير عن الصراع الذي دار بين عباس وأهل القرية بين شخص قاهري عاش حياة المدنية واعتاد عليها وبين أشخاص انعزلوا تماما وخضعوا لعادات وتقاليد صارمة، كما أجاد التعبير عن الصراع النفسي الذي عاني منه عباس وإحساسه بالندم على خيانته للأمانة، وأن تلصصه على أسرار أهل القرية كانت سببا في إزهاق روح وقتل نفس، كما كان يحيي حقي – كعادته – مبدعا في نقل صورة صادقة عن حياة القرية و تفاصيل المعيشة بها، كذلك الإجادة والدقة في وصفه لتفاصيل حياة ساعي البريد ومراسم عمله خاصة في الأرياف.
|