القاهرة 03 سبتمبر 2024 الساعة 03:20 م
بقلم: أمل زيادة
"أكاد من فرط الجمال أذوب".. جملة سمعتها من أحد منشدي الصوفية، ثم من أحد الممثلين في مسلسل على سبيل الدعابة، لكني كررتها عندما بدأت حفلات مهرجان القلعة السنوي.
أترقبها كل عام، وأتابع ضيوفها، أشعر أن منظم هذه الحفلات يماثلني عمرا، فهو يختار نجوم تعبر عن ذواتنا، عن ذكرياتنا، يجلب معهم شريط حياتنا بأيامنا الحلوة، حين كنا نعيش بهدوء وسعادة..
هدوء أيامنا وسعادتها لم يكن منبعه الحقبة الزمنية بقلة عدد سكانها وندرة مرافقها فقط، بل سر تميز أيامنا يكمن في بساطتها.. حيث كان للعيد رونق، وليوم الجمعة وزن وقيمة، ولشهر رمضان فرحة توازي فرحة فوز المنتخب في إحدى مبارياته..
كان للفرح أثر ملموس، وللنجاح قيمة، وتحقيق الأحلام غاية..
اختلفت أيامنا عن السابق بشكل كبير، كنا نعيش بعيدا عن هوس التكنولوجيا، وفن احتكار اللقطة بما لا يتماشى مع عادتنا وتقاليدنا!!
كنا نبتكر ألعابا تقتل الملل، نتسمر أمام برامج التليفزيون المحدودة، ونترقب برنامج اليوم المفتوح كل خميس لأنه يوم ممتد من العاشرة صباحًا حتى العاشرة مساء، 12 ساعة متواصلة من المتعة والإثارة والطرب والترفيه والبرامج الجادة..
وعندما كان يفشل التليفزيون في جذب انتباهنا وهذا نادرا ما كان يحدث، كنا نفر للإذاعة، حيث لعبت الإذاعة دورًا كبيرًا في تنمية مخيلتنا عن طريق متابعة المسلسلات الإذاعية الدرامية وألف ليلة وليلة، وقدرة الممثلين على اختراق حدود الخيال بل وأسوار الأستوديو بمهارة!
كان للموسيقى تأثير أقوى عبر الإذاعة من الاستماع إلى نفس الأغاني عبر الهواتف الآن، فسماع الأغاني على موجات الإذاعة له مفعول السحر، يجبرك على التجمد مكانك والإنصات باهتمام بكل جوارحك لما يعزف ويغنى..
بساطة أيامنا ورقي ناسها يتلخص في احترام الكبير، والحرص على قيمة الوطن والانتماء إليه وزرع حبه في قلوبنا، وتعليمنا أن حمايته من أول وأكبر أولوياتنا..
مشاركتنا كأطفال في سداد ديون مصر كان يتم بطريقة تربوية تناسب عمرنا آنذاك، حيث كان يمر علينا أحدهم حاملا صندوقا زجاجيا يمر به على الفصول في المدارس كافة طالبا منا المساهمة في سداد ديون مصر، ويتطوع المعلم ويشرح الأمر ببساطة تناسب تكويننا الطفولي.
نجحوا في زرع حبنا تجاه بلدنا ببساطة، فمن يساهم في بناء شيء يستصعب هدمه، مهما تعرض لضغوط وإخفاقات قد تضرب بقناعاتنا عرض الحائط، أرى أننا جيل محظوظ كونه عاش طفولة متميزة..
طفولتنا تتلخص في عبارات تكتب بصفة أساسية في أحد أوجه الكراسات التي توزع علينا مجانا في مدارسنا في مقتبل كل عام دراسي، عبارات قليلة لكنها كبيرة وعميقة التأثير على المدى البعيد، عبارات مقتضبة لا تتعدى الأربع كلمات، تبث فينا الأمل، والخير، والأخلاق، وتنمي حب الوطن وتعلي من الحس الوطني لدي أي شخص..
والأجمل من كل ذلك كون الرياضة، والقراءة، والمراسلة والتعارف من أهم هواياتنا..
كانت الرياضة تمارس في الحدائق العامة التي تتوسط الميادين أو تحيط بالمستشفيات، حيث كانت النوادي تعد على الأصابع، فلا وجود للساحات الشعبية والملاعب التي انتشرت هذه الأيام..
كان من المألوف أن تجد مجموعة من الشباب يرتدون ملابس الكاراتيه أو الجود وأو التايكوندو أو الملاكمة بكفوفها المميزة، يتخذون الحديقة مقرا لهم للتدريب وممارسة الرياضة..
أيامنا البسيطة كانت لها رائحة مميزة ارتبطت بموسيقى وبرامج وكتب هذا العصر..
بساطة أيامنا ارتبطت بصوت سيد مكاوي وهو يغني "وحياتك يا حبيبي"، وصوت عبد الوهاب وهو يغني "من غير ليه"، وعبد الحليم وهو يغني "فاتت جنبنا" ويشاركنا قصة حبه للفتاة المارة بجواره وصديقه..
أيامنا الحلوة زينتها أصوات ميادة الحناوي وهي تصرح بعلو صوتها أنها تعشق، وأنغام وهي تنتظر حبيبها في الركن البعيد الهادي..
وإيهاب توفيق و هو يغدق محبوبته بالمراسيل، ومدحت صالح والسهرة تحلى، حتى اذا انتهت سافر للكوكب التاني!
ولأن القبح تتسع دائرته حولنا، بل وقد يفرض علينا فرضًا، كان لزاما علينا اللجوء للكوكب التاني، حيث نطمح لوجود ما نفتقده على ظهر هذا الكوكب المزعج، الصاخب، الذي انقلبت موازينه وأصبح الغضب عنوانه، مما افسد طمأنينة أيامنا..
في الكوكب التاني، نصر على إيقاف الزمن، وفلترة مشاعرنا قبل أن نطأ أرضه، ونصبح من سكانه الدائمين.
|