القاهرة 28 اغسطس 2024 الساعة 10:45 م
بقلم: أحمد محمد صلاح
يبدو أننا سنبحر كثيرا مع أفلاطون، فعلى الرغم من أنني حاولت أن أختصر في سيرة سقراط، إلا أنه لا يصح أن نختصر سيرة أفلاطون تماما، والسبب في ذلك أننا نستطيع أن نقول إن الفلسفة قبل أفلاطون كانت غيرها بعده، هذا الرجل الذي تتلمذ على يد سقراط ولكنه استطاع أن يضع -بدون مبالغة- أسس الفلسفة..
يقول عنه ويل ديورانت في كتابه قصة الفلسفة: "نشأ أفلاطون في جو مثير مريح، وربما في جو من الثروة، كان شابا وسيما وعنيفا، وسمي أفلاطون على ما يقال بسبب عرض كتفيه، كان جنديا فائقا وبارزا ونال الجائزة مرتين في الألعاب، لم تجر العادة أن ينشأ الفلاسفة في مثل هذه السن من المراهقة، ولكن أفلاطون الداهية وجد بهجة جديدة في لعبة سقراط المنطقية الجدلية، ووجد لذة لرؤية السيد سقراط يدحض البراهين والاعتقادات، ويخترق الفرضيات بأسئلته الحادة، فدخل أفلاطون إلى هذه الرياضة التي هي أشد خشونة من المصارعة، وراح تحت رعاية سقراط وإرشاده ينتقل من مجرد النقاش إلى التحليلات الدقيقة والمحادثات المثمرة، وأصبح شغوفا بالحكمة وبمعلمه سقراط، واعتاد أن يقول أشكر الله الذي خلقني يونانيا، لا بربريا حرا، ولا عبدا رجلا، ولا امرأة، ولكن فوق الجميع أنني ولدت في عصر سقراط".
ولد أفلاطون تقريبا عام 427 ق. م في أثينا أو أجانيطس، واسمه الأصلي أرستوكوليس بن أرستون، وينحدر نسله من عائلة أرستقراطية عريقة كان لها دور في المجتمع اليوناني، وسنغض الطرف عن اختلاف المؤرخين، حيث ذكر أن أباه ينتمي لعائلة كوديرين ووالدته هي فريكتونا، وتولي زوج أمه تربيته، ولكن ديوجين ليوشيس يقول إن أباه ينحدرمن أحد ملوك أثينا أما أمه فتنحدر بدورها من ملوك ميسينيا واسمها بينكوتوني وهي من سلالة سولون، الشاهد أن أفلاطون قد عاش في أفضل فترات أثينا حيث كانت الثقافة اليونانية في أوج ازدهارها في عهد بيركليس.
مات سقراط وأفلاطون في الثامنة والعشرين من عمره، وتركت وفاته أثرا على تفكيره، حيث كفر بالديمقراطية وكره الجماهير، وأثرت في نفسه نشأته الأرستقراطية، كما أثرت على طريقة تفكيره، وساقه تفكيره إلى ضرورة القضاء على الديمقراطية واستبدالها بحكم الأعقل والأفضل من الرجال، وأمضى عمره باحثا عن وسيلة تهديه إلى طريقة لاكتشاف أعقل الرجال وأفضلهم لإقناعهم وتمكينهم من الحكم.
كانت محاولاته في إنقاذ سقراط قد وجهت الأنظار إليه، فبدأ الزعماء الديمقراطيين ينظرون له بريبة وخوف، فنصحه أصدقاؤه أن يترك أثينا خوفا على حياته، وهنا كانت النقلة الأكبر في حياة أفلاطون.
حيث سافر إلى عدة بلاد، أبرزها مصر، وفي أرض النيل استمع إلى الكهنة وعلومهم وفلسفتهم، ووجد أن الكهنة المصريون يقولون إن اليونان دولة وضيعة تنقصها التقاليد الثابتة والحضارة العميقة، وكان فلاسفة النيل في ذلك العهد لا يعيرون اليونان أهمية حيث كانوا يعتبرونهم تلاميذ، ويستقون علومهم من الكهنة المصريين، فكانت صدمة الأرستقراطي اليوناني كبيرة حينما سمع ذلك، بعد أن عاش في كنف اليونان فترة كبيرة يظن خلالها أنهم سادة الدنيا، ولكنه في مصر وجد أساتذة الدنيا..
وجد في مصر بلدا مثقفا مستنيرا، وأرضا زراعية، وعلوما إنسانية، وحكاما مثقفين وفلاسفة، فلعبت هذه الصورة المصرية كثيرا في كتاباته عن الدولة الفاضلة المثالية أو المدينة الفاضلة.
ثم أبحر إلى صقلية وإيطاليا، وهناك التحق بالمدرسة التي أنشاها فيثاغورس، وهناك وجد تلك المجموعة الصغيرة التي انصرفت إلى العلم والحكمة، وتعيش حياة بسيطة على الرغم من امتلاكها ناصية الحكم، ويقال أنه ذهب إلى فلسطين -وفي هذا نوع من الشك-، ولكن ويل ديورانت يطرح نقطة غاية في الأهمية حيث اختار مترجم كتاب ديورانت لفظة "انعجن" أي امتزج واختلط "مع طينة الأنبياء الذين كان معظمهم من الاشتراكيين"، وهذه النقطة غاية في الخطورة والأهمية -إذا صح أن افلاطون ذهب إلى فلسطين- فقد يكون اتصل بأحد الأنبياء وعاصره أو طالع أحد الكتب السماوية، ومنها استقى الأفكار الاشتراكية المبنية على فكرة العدل، والتي حاول أن يضفي عليها طابعا أفلاطونيًا.
|