القاهرة 27 اغسطس 2024 الساعة 11:11 ص
سعاد سعيد نوح
في رواية "الخَرَّوبة" للكاتب الأردني رشيد عبد الرحمن النجّاب تتداعى ذكريات البطل حول سيرة حياة جده، ودوره الاجتماعي طارحا أسئلة الوجود من خلال الفلاش باك والرجوع بذاكرة السارد لنقرأ سيرة هذا الجد. مع الكشف عن تفاصيل الحياة في ذلك الزمن، لنتلمس بنوع من الترقب والقلق كيفية الحياة في قرية عزلاء منسية تختبئ بين الأشجار خلف خربة "صِيّا" ، حيث ترقد بمنأى عن الطرق التي تربط المدن والبلدات بعضها ببعض على بدائيّتها.
وينجح الكاتب في جعل المكان بطلا مميزا في السرد، حيث يجعل النجاب جبل قاسيون بطل المشهد، وكأنه كان كهلاً منعزلاً لم تدعه دمشق لعزلته، وإنما اندمجت معه ودمجته فيها فجعلته جزءاً منها، يقول النجاب: "كان هذا "جبل قاسيون"، جار دمشق الذي نشأت في أطرافه، وما لبثت تتقرَّب منه بالعمران حتى بات جزءاً منها، وباتت جزءاً من امتداد سفحه، وضمَّت عراقتها إلى عراقته، وقصص تطول، وأساطير تتشعَّب في أمر هذ الجبل الأجرد الذي زينت سفحه دمشق، وترافقا في تاريخ امتد آلافاً من السنين بتفاصيل معالمه ومغائره، وأخبار من سكنوه".
ثم يمضي السرد لنقرأ "البداية في بعلبك" يعطي لمحة من تلك الشخصية التي كان عليها البطل، فيقول النجاب: "أما رشيد فكان متحفِّزاً للمعرفة، تواقاً لما هو جديد، ولكنه كان رغم دهشته قادراً على تمييز الغث من السمين من المعلومات التي تتناهى إليه، يزنها بمقياس منطقه دون أن يكلِّف نفسه عبء الخوض مع المدعين في مدى دقة هذه المعلومات وصلاحيتها للقبول أو الرفض. كان يطلق النظر في الفضاء الواسع مانحاً نفسه أقصى ما يستطيع إليه من متعة التأمل، والدهشة التي يحاول الإجابة عليها بتساؤلات متتالية".
ومن خلال مصير البطل رشيد نرى كيف سيق إلى مصير مربك وغير واضح المعالم، فقد وقع الاختيار عليه ليكون لديه مهمة مختلفة، ثم مهام أخرى تضاف إليها، وحيازة لثقة مستحقة، نتيجة السعي والدأب على الإخلاص في كل ما يفعل، ومع هذا فقد غلبه طبعه القلق طارحاً عدداً من التساؤلات، بلا أجوبة محتملة أو متوقعة، فيقول النجاب: "كان رشيد يصغي للجميع إلا إنه كان شارد الذهن، تطغى عليه مشاعر مختلطة، فعلى الرغم مما تركه قرار الآمر من شعور بالارتياح فإن أفكاراً راودته أثارت في نفسه بعض القلق؛ ترى هل كان قرار الآمر نهائيّاً؟ ألن يتراجع عنه؟ ألن يكون هذا الآمر عرضة لمن يغيِّر رأيه، إلى أي حد يمكن الوثوق به؟ إلا إنه لم يطلق العنان لنفسه في هذا المساق، فقد لاحت في ذهنه الصورة التي ارتجلها يوم أن حل فريق التجنيد بجيبيا، وهي التي كانت مبعث شعوره بالارتياح، كان في نيته تهدئة والديه والتخفيف من روعهما، وزرْع أمل في أنفسهما بات لحسن حظه، وربما حظ والديه، يتحقَّق على نحو مدهش، وعلى مراحل متلاحقة، ولكن السؤال الأهم: هل وصلت المعلومة للأهل في جيبيا؟ وكيف كان وقعها على والديه وأختيه؟ وهكذا بقي خيال ذلك الرجل من معارف والده والذي لمحه في محطة القدس أملاً يبعث في النفس سكينة".
ويختتم النجاب فصله الأخير وروايته بجملة تعد بمثابة النبوءة، أو الإقرار أو القرار الذي اتخذه الجد: "أما ما بعد ذلك يا أمي فبداية عهد جديد".
ومن الجدير بالذكر أن رشيد عبد الرحمن النجاب كاتب أردني، حاصل على درجة البكالوريوس في العلوم الصيدلانية من جامعة المنصورة بجمهورية مصر العربية 1978، رئيس اللجنة العلمية ولجنة التعليم الصيدلاني المستمر في نقابة الصيادلة سابقا، ومدير تحرير مجلة الصيدلي في نقابة صيادلة الأردن (1980-1982)، يكتب في جريدة الرأي الأردنية وجريدة الدستور الأردنية وجريدة الأيام الفلسطينية.
|