القاهرة 13 اغسطس 2024 الساعة 01:49 م
بقلم: أمل زيادة
مما لا شك فيه أن الجميع لديه رغبة في العيش في كوكب تاني، حيث اعتدنا أن نهرب من واقعنا للخيال، حيث الهدوء والسلام والطمأنينة وراحة البال والاستقرار، ترسخ داخلنا قناعة أن مجرد وجودنا على كوكب أخر قد يعيد إلينا النسخ البريئة التي ضاعت منا، وسط صخب وضوضاء واقعنا المزر.
ما أن أعلنت أن المقال الجديد سيحمل هذا الاسم، الذي تم اقتباسه عنوة من الفنان مدحت صالح، إلا وسارع الجميع بالترحيب بل وحجز مكان على ظهر هذا الكوكب، حتى ولو كان خياليا!
لقد سارع الجميع بالانضمام لهذا الكوكب!
يمازحني البعض عندما تجمعنا الصدف.. لا تنسي أن تأخذينا للكوكب التاني!
توقفت لحظة أمام ما أراه وتساءلت: لماذا يصرون على الفرار من كوكبنا هذا؟!
هل سئموا مما نراه وما نعاصره من تزييف للحقائق وانقلاب للموازين وخرق للعادات الطيبة الأصيلة التي تربينا عليها؟!
هل سئموا من بزوغ نجم من لا يستحق؟ وانزواء من يستحق؟!
هل سئموا مشاهدة إباحة كل شيء لمن لا يستحق؟ وحرمان كل شيء ممن يستحق؟!
تأملت ما يدور حولنا من أحداث جسام، أحداث لم يكن يخطر ببالنا قط أنها ستحدث، وأن نعاصرها على هذا النحو المخزي.
نحن محاطون بكم من الحمقى الذين تسببوا في إشاعة الفوضى والإحباط والحزن والآلام التي لا يتحملها بشر، نعاصر حروب، كوارث طبيعية، وتطرف طال كل شيء حتى الطقس، نعاني من الغلاء، وغياب للعدل، فساد طال كل شيء، نقص في كل شيء.. أموال، وأنفس، وراحة بال!!
كلما طالعت الصحف والمواقع الإخبارية ومواقع التواصل الاجتماعي أرى كل ما هو بغيض، كل ما من شأنه أن يدفعنا دفعا تجاه الكوكب التاني!
لذا قررت ألا أكون دمية في يد الأيام تفعل بي وبكم ما تشاء، وقررت أن آخذكم معي لكوكبنا الجميل الهادئ، قد لا يسوده الهدوء بشكل دائم، لكنه ليس حالك السواد بالطبع.
قررت أخذكم في جولة سريعة بين ما كنا، وما أصبحنا عليه، وكيف نتأرجح بين هذا وذاك؟!
في هذا الكوكب نستعرض الثوابت، والأصول التي تربينا عليها، وبات من يتمسك بها هذه الأيام شخصًا رجعيًا أو "دقه قديمة"!
ربما ما دفعني للكتابة هو وجود نماذج طيبة بيننا، تعمل بصمت وتستقبل يومها برضا رغم كل شيء، نماذج تبحث عن الجمال، وتنقب على الحب والسعادة مثلي..
لاحظت أن أكثر الناس تفاؤلا وإقبالا على الحياة والحرص على العمل هم كبار السن.. يحرصون على أن يبدؤوا اليوم مبكرا..
أتأمل الوجوه لأرى أنهم سبقوا الجميع.. يفترشون الطرقات سعيًا وراء الرزق، يفتتحون المحال، ينظفون بضاعتهم بأنفسهم، على وجوهم ابتسامة تبدو وكأنها محفورة بفعل السنين، يزيلون الغبار عن بضاعتهم بحب وكأنهم يتحدون الطبيعة، يمحون الماضي ببساطة، يتهيأون ليوم جديد بأحداث جديدة.. بابتسامة رضا.
على الجانب الآخر يستيقظ آخرون متأخرين عن نظرائهم، مخالفين للطبيعة الكونية، يرافقون الليل ويتجنبون الضوء والحياة، وعندما يستيقظون تبدأ وصلات السخط ولعن الحياة، ربما لأنهم يستلزم عليهم الذهاب للعمل، بل ويتذمرون من وجودهم على هذه البقعة من الأرض، لاعنين حظهم التعس كونهم ولدوا هنا!!
ما بين أولئك وهؤلاء البشر تمر العديد من السنوات، ونكتسب المزيد من النضج والخبرات التي تمنحنا القوة على مواجهة الحياة.
تحية لكل من أدرك قيمة الوقت، ويقدس الحياة، وقيمة العمل، تحية لكل من يبدأ يومه مبكرا، محاولا النهل من بحر الحياة الذي لا ينضب، ولن ينضب إلا حينما نفارقها رغما عنا..
إن من يدرك قيمة كل لحظة هم من ينتظرون الموت بحكم السن وليس بحكم الشخصية التي تسابق الزمن وتتحداه بالعمل والعلم وممارسة الرياضة والهوايات وكل ما من شأنه أن يشرق الوجه ويشفى الروح ويقوي الجسد.
في كوكب تاني يجتمع هؤلاء.. يتحلقون حول المائدة وضحكاتهم تعلو وتعلو، وحكاياتهم لا تنقطع..
لذا كونوا على الموعد وانضموا لنا.. في كوكب تاني.
|