القاهرة 06 اغسطس 2024 الساعة 10:35 ص
عاطف محمد عبد المجيد
كثيرون من المهتمين بالثقافة، وبالشأن العام عمومًا، يقولون إن محاولات مناقشة التراث الذي وصلنا وإخضاعه للمنطق، محاولات يائسة لأن هذا الخطاب اكتسب قدسية لدى غالبية الناس من كثرة ترديده من ناحية، ومن ناحية أخرى لأن اهتمامنا يجب أن ينصب على تجديد الخطاب الثقافي. هذا ما يقوله سمير درويش في كتابه " أفول العقل العربي..عن زواج الديكتاتورية والأصولية الدينية " الصادر عن دار الأدهم للنشر والتوزيع. الكتاب الذي انشغل فيه مؤلفه بأمرين أولهما قضية التنوير، وثانيهما سؤال لماذا تقدم الغرب وتخلفنا، ويضم ثمانية وأربعين مقالًا كتبها كافتتاحيات لأعداد مجلة ميريت الثقافية طوال أربع سنوات، معلنًا فيه أنه تردد كثيرًا قبل أن يُقدم على خطوة نشره، لأنه لا يحب كتب تجميع المقالات، لأن المقال هو ابن لحظته الزمنية، يقول فيه درويش إن أهم الملفات التي طالها الثبات، وإسقاط العقل والمنطق، هو دور " الفقيه " في تنظيم الواقع السياسي والاقتصادي والعلمي والأدبي للمجتمعات. ما يراه درويش هنا أنه آن الأوان لرجوع الفقهاء إلى أعمدة المساجد، وأن يتركوا مسائل السياسة والاقتصاد والاجتماع والثقافة والطب والعلوم لأهلها الذين يعرفونها، كذلك يذكر أنه من العادي والطبيعي أن يكون هناك تجديد مستمر، أو إعادة النظر في القناعات والمُسلمات القديمة، وإخضاعها باستمرار للأسئلة المستجدة.
الجمود ليس دينيًّا
ما يؤكده سمير درويش هنا أيضًا هو أن الجمود ليس دينيًّا فقط في منطقتنا العربية، لكنه سمة في كل نواحي حياتنا: في السياسة والاقتصاد والاجتماع والثقافة، وإلى جانب تثمينه للدور الذي قام به كل من محمد شحرور ونصر حامد أبو زيد وكل المجددين الذين استجابوا لطبيعة التطور، يكتب قائلًا إن سيد قطب سيظل، في ظن الكاتب، مثيرًا للخلاف وباعثًا على الجدال والنقاش لفترة طويلة، متأسفًا على الطريقة التي نفكر بها، طريقة العزل بين الأبواب والمباحث، نتكلم عن الجهاد بمعزل عن المواطنة، عن النكاح بمعزل عن حقوق المرأة، عن الميراث بمعزل عن العلاقات الاجتماعية القائمة، مشيرًا إلى أننا لا ننظر إلى الدين باعتباره كلا واحدًا مترابطًا يؤثر بعضه على بعض حتى نتجنب النقاش والاختلاف والمعارضة والتفكير النقدي، ظنًّا أن هذا يقود إلى الكفر والخروج من ملة الإسلام. ما يركز عليه الكاتب هنا أن الاهتمام بالثقافة الدينية ليس اهتمامًا بالدين بقدر ما هو اهتمام بتأثير الدين على المجتمع وتطوره، وعلى العلاقة بين الناس التي تنعكس على الدولة والقانون والأحزاب والسياسة والفن والثقافة، مشيرًا إلى أن المجتمعات التي سبقتنا على مقاييس العلم والتكنولوجيا والحضارة، استطاعت أن تضع الثقافة الدينية في موضع لا يؤثر على التطور في كل جوانبه، خاصة التطور الاقتصادي. درويش الذي يرى هنا أن سؤال المستشرقين هو سؤال العقل، وإن شط أو انحاز، يقول إن دورنا أن نبحث عن إجابات لا عن اتهامات بالكفر والزندقة ومحاولات هدم العقيدة الإسلامية، منبهًا إلى الحذر من الثقافة الدينية المغلوطة.
الأشد فتكًا
الكاتب الذي يقول إن من يتابع تاريخ الصراعات الدينية سيجدها الأشد فتكًا، والأعلى إرهاقًا للأرواح بالطرق الأكثر قسوة ووحشية، مشيرًا إلى الحروب والاستغلال الاقتصادي والاجتماعي والقتل والتدمير الذي جرى على أيدي البعض متسترين وراء عباءة الأديان، لا شك في أن وجود الحكومات وأجهزتها الأمنية يقلل كثيرًا من وقوع تلك الحوادث بسبب الملاحقة والمحاكمات والعقاب. مما يراه درويش هنا كذلك أن الناس يتسابقون في الحصول على أكبر مكاسب ممكنة بالطرق المشروعة وغير المشروعة، وهم في سبيلهم إلى ذلك يستخدمون كل ما يتاح لهم من قوة، دون أن تردعهم أفكار العدل والمساواة والرحمة والحق، ودون أن يتعظوا من حدوث الأوبئة والحروب والفيضانات والزلازل والحرائق، كما يرى أن الأوبئة ستزول ذات يوم بفضل العلماء الذين يحبسون أنفسهم في مختبراتهم، لا بفضل الذين يوزعون يقينهم ويقتلون الناس ويدمرون الحياة بسبب اعتقاداتهم. سمير درويش الذي يؤكد هنا أنه ليس متشائمًا، إنما يحاول قراءة الواقع بتفاصيله المرعبة، يرى أن وضع المرأة في المجتمع يعد واحدًا من أهم مقاييس التحضر، ذاكرًا أن المرأة يمكنها أن تحكم العالم إن أرادت ذلك خاصة وأن عدد النساء مساو لعدد الرجال تقريبًا، وأن قمع المرأة وإجبارها على القعود في البيت يحرم المجتمع من نصف طاقته الإنتاجية.
الجسد الإنساني
هنا يكتب درويش قائلًا إن الأديان جميعها اهتمت بالجسد الإنساني، خاصة جسد المرأة، مشيرًا إلى أن الخطاب الإسلامي قد انشغل به بشكل كبير، ذاكرًا أن توظيف الجنس في الثقافة والأدب يرتبط بالثقافة المجتمعية في زمان ومكان محدودين، أكثر من ارتباطه بالدين، كما يؤكد أن الخطابين الدينيين الإسلامي والمسيحي يحتاجان إلى تعديل وتجديد، مضيفًا أن ظاهرة التعصب لا ترتبط بدين معين، لكن بالمنطقة الجغرافية والظروف البيئية المرتبطة بها، مركزًا على أنه إن لم تتوقف حروب الطوائف ويتم التعايش على أسس المواطنة، فسوف نجد مزيدًا من الهلاك والدمار والتخلف والتراجع، ذاكرًا أنه رغم وجود كلام كثير يمكن أن يقال عن حرية الاعتقاد، وعن أن الفكر لا يُواجه إلا بالفكر، غير أن ما يحدث خلاف ذلك. في مقاله الهروب الكبير إلى العلم يقول الكاتب إن هناك ملمحين كبيرين يرتبطان ببعضهما، يجعلان الحياة في منطقتنا غير محتملة، الملمح الأول أنها متنوعة، والملمح الثاني يتمثل في أن الفئة الغالبة إقصائية ترى أنها الوحيدة التي على حق، مضيفًا أن التحضر لا يكون بالتسامح بين المتماثلين، لكنه بالتسامح مع الآخر المختلف في الدين أوالجنس أوالعرق. خلاصة ما أراد سمير درويش أن يصل إليه من خلال كتابه هذا هو أن تكون متحضرًا معناه أن تكف عن فهم أنك مركز الكون، وأنك وحدك الذي يمتلك الحقيقة، وأن الله يحبك ويقدرك دون العالمين، كما لا بد أن نتوقف عن معاقبة الناس لأنهم لا يريدون أن يكونوا نسخًا مكررة منا.
|