القاهرة 30 يوليو 2024 الساعة 10:45 ص
بقلم: سارة سميث
ترجمة: سماح ممدوح حسن
قليل من الكتاب امتلكوا شغفاً مطلقاً بالقصة القصيرة مثل الكاتبة الكندية الحائزة جائزة نوبل أليس مونرو، التي توفيت عن عمر يناهز 92 عامًا.
على الرغم من أن سنواتها الأولى ككاتبة كان يخيم عليها الشعور، الذي يرجع جزئيًا إلى الضغط من ناشريها، بضرورة التركيز على إنتاج الرواية، إلا أنها لم تعتنق هذا الجنس الأدبي قط.
محاولتها الوحيدة، كانت رواية "حياة الفتيات والنساء" (1971)، ووُصفت الرواية وصفا دقيقا على أنها مجموعة من الحكايات المترابطة. طوال حياتها المهنية، طورت هذه الطريقة في الإسناد الترافقي للقصص واستمرار الموضوعات والشخصيات عبر المجموعة، وعلى الأخص فى مجموعتها القصصية بعنوان "المتسولة" أو التي نُشرت في كندا تحت عنوان"من تظن نفسك؟"والتي رُشّحت لجائزة بوكر في عام 1980، وفي قصص جولييت من مجموعة "الهروب 2004".
بالنسبة لمونرو، جاء اختيارها للقصص القصيرة نتيجة لاعتبارات عملية، وليس اختيارًا. بصفتها أليس ليدلو أي قبل الزواج، حصلت على منحة دراسية لجامعة ويسترن أونتاريو، لكنها غادرت بعد عامين لتتزوج من جيمس مونرو في سن العشرين؛ أنجبت طفلها الأول وهي في الثانية والعشرين من عمرها ولعبت لاحقًا دورًا مهمًا في إدارة مكتبة في فيكتوريا، كولومبيا البريطانية مع زوجها. وفي الوقت نفسه، حاولت ترسيخ نفسها ككاتبة ونشرت قصتها الأولى في مجلة جامعية في عام 1950 وباعت نسخة منها لهيئة الإذاعة الكندية في عام 1951، ولم يكن لديها وقت لكتابة الروايات. لذا كان الأنسب لها أن تكون كاتبة للقصة القصيرة.
كانت مونرو، التي شُبّهت دائما بتشيكوف وجي دي موباسان، أكثر تطرفا مما توحي به المقارنة. ووصفتها الكاتبة "أنطونيا سوزان دافي المعروفة ب"إيه إس بيات" والتي كانت من المعجبين بمونرو منذ فترة طويلة، كيف أن قراءة مونرو جعلتها ترغب في تجربة كتابة الروايات القصيرة بنفسها. توسعت مونرو وتحدت فى هذا النوع الأدبي. إنها لا تُربك القارئ باستمرار وتقلب توقعاتنا للشخصيات وأفعالها فحسب، بل هي تمزج عدة خيوط سردية معًا، لتجمع في حكاية واحدة عدة حبكات.
جاكرتا، من مجموعة "حب امرأة طيبة، 1998" مثال جيد على هذا الأسلوب، الأمر الذي دفع إلى ملاحظة متكررة مفادها أن قصص مونرو القصيرة هي روايات مصغرة. تبدأ جاكرتا مع كاث وسونجي على الشاطئ مع ابن كاث الطفل، في محاولة لتجنب أعين مجموعة من الأمهات صاحبات النظرة المستهجة للغاية أطلقوا عليهن اسم مونيكاس. في المقابل، تناقش كاث وسونجي، دي إتش لورانس حياتهما الخاصة، ليتضح أن هاتين المرأتين المستقلتين تريدان من الحياة أكثر مما يقدمه الزواج والأمومة.
كانت تلك أرضية مألوفة لدى مونرو، التي كتبت على نطاق واسع وبحساسية عن الصحوة الجنسية للنساء، والهروب من الأزواج البليدين وغير المتوافقين عقلياً، والانفصال المؤلم عن الأطفال.
تأتي مفاجأة "جاكرتا" عندما تتقدم مونرو، فى أحداث القصة، في الوقت المناسب لزيارة سونجي لأنها الآن أرملة وعلى وشك بيع مدرسة الرقص الخاصة بها في أوريجون. ليست كاث هي التي تزور صديقتها الملهمة، بل كينت، زوج كاث المطلقين منذ فترة والفظ، ويأخذ معه زوجته الثالثة. ثم تعود القصة لتغطي انفصال كاث العقلي من زواجها، بالإضافة إلى متاعب سونجي الخاصة.
وفي مكان آخر، تكمن صدمات مونرو السردية في التجاور الماكر والصدق الفاضح. في قصة "خمس نقاط، من مجموعة صديق شبابي، 1990"، التي تحكي عن ماريا، التلميذة الوحيدة، التي أفلست عائلتها المهاجرة لأنهم ينفقون أرباح متجرهم لدفع المال للأولاد المحليين مقابل خدمات جنسية. يروى قصتها نيل، "الرجل المتصابي الذي بدأ يشيخ"، والذي كانت بريندا المتزوجة تستمتع معه بعلاقة غرامية. عندما كان نيل يتذكر ماريا، وقع هو وبريندا في جدالهما الأول وتنتقل علاقتهما إلى مستوى آخر أكثر تعقيدًا. تذكرنا القصة بالواقعية الوحشية لريموند كارفر بقدر ما تذكرنا بالواقعية القوطية الأمريكية لكارسون ماكولرز.
وهناك قصة رائعة أخرى مثل "خمس نقاط" بعنوان"كراهية، صداقة، تودد، حب، زواج" (2001) وتعتبر تمرين لما يمكن تسميته بالقوطية الكندية.
يبدو أن البطلة الغبية على ما يبدو" جوانا باري، ليست ملكة جمال على الإطلاق" تسير نحو المأساة في معظم القصة. لقد تركت عملها كمدبرة منزل، بعد أن خُدعت بعرض زواج زائف، عن طريق رسالة خبيثة كتبتها تلميذتان. لكن قوة وهمها، ناهيك عن شخصيتها، جعلت هذا الزواج يتم، والحياة مع زوجها، الذي كان مفلسًا وسكّير، كانت ناجحة.
في نهاية القصة، كانت إيديث، إحدى كاتبات الرسائل، هي التي تشعر بالغباء والاضطراب، وجونا هي التي تجاوزت التوقعات.
يرى البعض أن عمل مونرو ما قبل الأخير والأكثر كآبة "سعادة مفرطة، الصادر عام 2009" الذي تواجه فيه الشخصيات وأد الأطفال والسرطان والانحراف الجنسي، حيث تعمل مونرو ضد النتائج المتوقعة بالطريقة نفسها تقريبًا.
قالت مونرو عن كتاباتها "هناك دائمًا نقطة بداية في الواقع". كانت نقطة البداية لها هي مدينة وينجهام، مقاطعة هورون، أونتاريو، حيث ولدت أمها "آنا تشامني" المُعلّمة، ووالدها "وروبرت ليدلو" المزارع، كانوا حاضرين بشكل متكرر في قصصها، وكذلك مدينتها التي على يبدو أعيدت تسميتها بشكل مختلف باسم يوبيل، ودالجليش، وهانراتي، ولوغان، وكارستيرز، ووالي.
ترتبط الكثير من أعمالها ارتباطًا وثيقًا بالمجتمعات الزراعية الصغيرة في المنطقة التي عَرِفتها. حتى أنها ذات مرة وصفت نفسها بأنها "متعلمة لتكون زوجة مزارع".
عند زواجها من جيمس في عام 1951، انتقلت مونرو بعيدًا إلى فانكوفر أولاً، ولكن بعد طلاقها في عام 1972 عادت إلى أونتاريو، واستقرت في النهاية مع زوجها الثاني، الجغرافي جيرالد فريملين، الذي تزوجته في عام 1976، في كلينتون، على بعد حوالي 20 ميلا من وينجهام.
تحتوى مجموعة "المشهد من كاسل روك" على بعض قصص مونرو الأكثر شخصية، وأستندت على أجزاء كانت تعمل عليها لسنوات تتعلق بتاريخ عائلتها. وهو عبارة عن سرد للرواد الذين أتت منهم "أسلافها، المشيخيون الاسكتلنديون ليدلاو، والأيرلنديون الأنجليكانيون تشامنيز، كانوا من بين أوائل المستوطنين في كندا العليا في أوائل القرن التاسع عشر". ولكنها أيضًا بمثابة رسالة حب إلى أونتاريو، وسجل للمدن المختفية وأسلوب حياة يتلاشى.
حظيت الكاتبة مونرو، باهتمام نقدي دولي عندما بدأ عملها في الظهور في مجلة نيويوركر، منذ عام 1977، واستمرت في الاحتفاء بها: وقد لاقى عملها الأخير، "عزيزتي الحياة" (2012)، الذي نُشر عندما كانت في الحادية والثمانين من عمرها، استحسانًا كبيرًا مثل أي عمل آخر. في الواقع، فإن المأساة الوشيكة في القصة الافتتاحية، قصة "الوصول إلى اليابان"، والتأملات الصريحة حول الموت والخرف في قصة "دوللي" وقصة "على مرأى من البحيرة"، توحي بوجود كاتب لم يضعف مع العُمر. لكنها تجنبت الأضواء الأدبية، زاعمة أنها علمت بالقائمة القصيرة للمرشحين لجائزة نوبل، التي مُنحت لها في عام 2013، قبل يوم واحد فقط من إعلان الجائزة.
وكان التقدير الذي حظيت به واضحا في الاستجابة الدافئة والصادقة من الكتّاب في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك "مارجريت أتوود" مواطنتها الكندية أيضا، التي وصفت فوز مونرو بأنه "حدث رائع".
كان رد فعل مونرو هو إنكار الذات. وقالت في بيان صدر عن ناشريها: "أنا سعيدة بشكل خاص لأن الفوز بهذه الجائزة سيُسعد الكثير من الكنديين. وأنا سعيدة أيضًا لأن هذا سيجذب المزيد من الاهتمام للكتابة الكندية. كما أشارت إلى أن الجائزة "شيء رائع بالنسبة للقصة القصيرة".
نأت مونرو بحياتها باستمرار عن عملها. وكتبت في مقدمة قصة "أقمار المشتري (1982) "بعض هذه القصص أقرب إلى حياتي من غيرها، ولكن ليست واحدة منها قريبة كما يعتقد الناس".
ومع ذلك، فمن السهل أن نرى لماذا يمكن الخلط بين الاثنين، حيث تكشف "المشهد من كاسل روك" عن جذور العديد من رواياتها، مثل "محطة البرية، وأسرار مفتوحة" والتي تتخذ من وفاة أحد أسلافها، الذي سقطت عليه شجرة، نقطة البداية لها. لاحقًا وصفت القصص الأربع الأخيرة لـ "عزيزتي الحياة" بأنها "أقرب الأشياء التي يجب أن أقولها عن حياتي". ومن المثير للاهتمام أن جذور هذه الرباعية هو صدمة الطفولة وشخصية الأم. توفيت والدتها عام 1959 بعد 20 عامًا من مرض باركنسون.
كان النهج الذي اتبعته مونرو في الكتابة يعني أن أي أساس في الواقع قد يُحرّف في العملية الطويلة لتنقيح عملها وإعادة كتابته، وقد قالت: "إن مخطوطاتها كانت طويلة وفضفاضة". حتى أنها قالت إن مجموعة"من تظن نفسك؟" سُحبت من المطبعة بناءً على إصرار المؤلفة، وعلى نفقتها الخاصة، قبل شهر واحد من نشرها، وأُعيد تنظيم نصف الكتاب وإعادة كتابته.
جربت مونرو باستمرار روايات الشخص الأول والثالث أثناء إنشائها، وكانت قلقة بشأن ما إذا كان التركيز الحقيقي لكتاباتها هو شخصية "روز" (موضوع العديد من القصص) أو شخصية أخرى، شخصية "جانيت"، وأتى سعيها إلى الكمال بثماره، مثل اصدارها الاول "رقصة الظلال السعيدة" 1968، و"تقدم الحب" 1986، و"من تظن نفسك؟"التي فازت بجائزة الحاكم العام للرواية بكندا في عام 2009، وعلى غير العادة بالنسبة لكاتبة قصة قصيرة، فازت بجائزة مان بوكر الدولية لمساهمتها الشاملة في الخيال.
إن ذكاءها المتألق وروح الدعابة الماكرة وحس السرد جعلها واحدة من المؤلفين البارزين في جيلها. خدمتها الطويلة في القصة القصيرة جعلت من مونرو مهمة، وقد تم الاعتراف بذلك في مراجعات مجموعتها القصصية "الاستلقاء أسفل شجرة التفاح" (2011)، وهي مجموعة مختارة من قصصها، نادرًا ما يغير الكتّاب اتجاه النوع الأدبي: وهي كذلك، نادراً ما غيّرت.
يذكر أن الكاتبة أليس آن مونرو ولدت في 10 يوليو 1931؛ توفيت في 13 مايو 2024، توفي زوجها جيرالد فريملين في عام 2012. وأنجبت من زوجها الأول أربع بنات، توفيت إحداهن، كاثرين، بعد وقت قصير من ولادتها. وعاشت مونرو مع ثلاثة منهن "شيلا وجيني وأندريا".
• نشر المقال بالجاردين 14 مايو 2024.
|